ثقافة وفن

السيف الدمشقي صناعة وفخر ونقش على مر التاريخ

| منير كيال

عرف العرب قبل الإسلام تطريق الحديد، كما عرفوا السيوف المستقيمة ذات الحدّين القاطعين وكان منها السيوف اليمانية، المصنوعة باليمن ونظراً لهما كان عليه صنّاع دمشق من مهارة بالتعامل مع معدن الحديد وتطريقه وتطويعه، أنشئ بدمشق بعهد الإمبراطور الروماني (ديود فليانوس) معمل للأسلحة ثم تطورت صناعة السيوف خلال الفتوحات الإسلامية وكانت دمشق تفاخر بما يصنع بها من السيوف، فذاع صيت السيف الدمشقي، لما امتاز به من الصقل وما كان عليه نصل السيف من نقش وتفنن، بماء الذهب من الآيات القرآنية والحكم والأشعار وما كان عليه غمد السيف قرابه، ومقبضه من إبداع، ومثل ذلك على الخناجر والرماح، وقد نقل العرب صناعة السيوف هذه إلى الأندلس فعرفتها أوروبا.
ومن جهة أخرى فقد عرف الصليبيون هذه الصناعة ونسبوها إلى دمشق وكانوا يطلقون عليها اسم: داما سكيناج، ثم أطلقت هذه التسمية على كل عمل معدني به نقش وتكفيت، أكان ذلك على معدن الحديد أم على معدن النحاس.
يمر النقش على النحاس أو الحديد بمراحل كان أهمها رسم الشكل المراد تنفيذه على ورق شفاف وذلك على مساحة تماثل مساحة المكان الذي سينفذ النقش أو التكفيت عليه أكان ذلك على القراب أم على نصف السيف أو الخنجر، ثم تنفيذ ذلك الرسم على المكان المخصص من السيف على النصل والقراب، بأزاميل خاصة ذات مقاطع حادة مسننة ومبولدة وذات زوايا متعددة، بحيث يأتي الرسم على النصل والقراب منقوشاً كما هو على الورق الشفاف، أكان ذلك بالعناصر الرئيسية من الرسم، أم في ترابط هذه العناصر ثم إلى زخارف الرسم المعروفة باسم التشعر ودق الرمل ومن ثم حركة هذه العناصر المرسومة وانسيابها بما تتجلى ومهارة الصانع وبراعته في تكوّن الموضوع على نصل السيف وقرابه، ما جعل هذا السيف مضرب الأمثال: بنصله ونصابه ومقبضه وغمده، ذلك أن صانع هذا السيف قد عرف الفولاذ وعمل من هذا الفولاذ السيوف والخناجر التي ذاعت شهرتها بالعالم آنذاك، وكان أصحابها يتفاخرون بالظهور بها بالمناسبات والاحتفالات الرسمية ويعتمدون عليها في الدفاع عن النفس والتصدي للعدو.
كان الفولاذ الدمشقي في عصر ما قبل النهضة بأوروبا من أشهر المعادن، وكان تصنيعه يقوم على كربنة الحديد المطاوع بتحمية هذا الحديد إلى درجة الاحمرار مع مواد كربونية فيسقى الحديد المكربن للتخلص من الكربون قبل التطريق إلى قضبان تحوله إلى سيوف.
ويتميز هذا الفولاذ بقساوة استثنائية وصفاء متموج، وتعرف هذه التموجات باسم: الجوهر، وهي تدل على جودة الفولاذ الدمشقي فكان نصل السيف من فولاذ عجز صناع السيوف في العالم عن تقليده آنذاك، كما عجزوا عن معرفة الطريقة التي يحضر بها ذلك الفولاذ ويبولد حتى لا يتعرض للصدأ مهما طال به الزمن.
وقد كان السيف الدمشقي أول أمره مستقيماً ثم أخذ بالانحناء مع الزمن ربع حنية الدائرة كما نجد في منتصف النصل سكتين.
ويصنع هذا السيف كما ذكرنا بتحمية الحديد إلى درجة الاحمرار، ثم تجري بولدة هذا الحديد بما يرافق ذلك من سقي وتطريق، ثم يسلم إلى صانع الغمد المعروف بالقراب، وكان هذا الغمد يصنع من الخشب ثم يغطى بالجلد ويزخرف بالنحاس أو الذهب، كما قد يصنع الغمد من الحديد، أما مقبض السيف، فقد يكون من الحديد أو قرن الجاموس.
أما ما يتعلق بتحلية هذا السيف، فقد كان من الصنّاع من يبدع في صقل السيوف والخناجر ويتفنن في نقش الزخارف، ومن ثم تنزيل خيوط من معدن الذهب أو الفضة على النصل والقراب وذلك بأشكال هندسية، وكتابات قرآنية وحكم وأشعار كما سبق أن أشرنا.
وقد شمل هذا التزيين مقابض السيوف وأغمدتها بأسلوب يدل على الذوق الرفيع، والمواهب المبدعة، ومنهم من كان يدخل الصدف والعظم والعاج والقصدير في ذلك التزيين أكان ذلك في الغمد أو مقبض السيف.
على حين نجد أن صنع السيف في هذه الأيام يكون بمساعدة المكابس ثم يجلخ (يسن) النصل ويبولد ويطلى بمعدن النيكل حتى لا يصدأ.
أما زخرفة السيف في هذه الأيام فتكون بأسلوب الكسرجفت، وهي عبارة عن سحب شريط نحاسي رفيع ثم جدله وسحبه ليجري تنزيله بنصل السيف بمساعدة ملقط خاص ثم يطلى السيف وينكّل حتى لا يصدأ.
أما عملية المقبض فتكون بطريقة السكب ومن ثم فإن الغمد أو القراب بشكل قالب خشبي ملبّس بصفائح نحاسية تلحم بلحام من فضة ثم تزخرف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن