ثقافة وفن

رحيل «دلوعة السينما» و«معبودة الجماهير» … شادية.. نجمة متفردة ومثال يحتذى به حتى بعد اعتزالها عرش الغناء والتمثيل

| وائل العدس

صوتها الجميل يعيدنا إلى العصر الذهبي الذي شهد عباقرة النغم، هي باقة عطر وأحاسيس، وسيدة الموهبتين الصوت الشجي وبراعة التمثيل، وهي أكثر نجمات التمثيل تجسيداً لشخصيات رسمتها ريشة الكاتب المبدع الروائي نجيب محفوظ.
لها أسلوب خاص، وحضور دائم ومتوهج، ما جعلها نجمة متفردة لدى الجماهير، ومثالاً حتى بعد اعتزالها عرش الغناء والتمثيل.
إذاً فارقت الفنانة المصرية الكبيرة شادية الحياة بعد صراع مع المرض، بعدما دخلت في غيبوبة تامة إثر إصابتها بجلطة دماغية، نقلت على أثرها إلى أحد المستشفيات في القاهرة.
وكانت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أعلنت إهداء دورته الـ39، التي انطلقت هذا الشهر، للفنانة الراحلة التي أعلنت اعتزال الفن عام 1984.

رحلة حياة
بدأت شادية رحلتها الفنية في عمر 16 عاماً، وخلال مسيرتها الفنية، التي انتهت باعتزالها عام 1984، شاركت في أكثر من 110 أفلام، وقدمت بصوتها مئات الأغنيات، ومثلت في عدد من المسلسلات الإذاعية، ومسرحية واحدة.
فاطمة كمال شاكر هو الاسم الحقيقي لشادية، وكان والدها مهندساً مصرياً في حين كانت والدتها من أصول تركية، وكانت لها شقيقة اشتغلت بالتمثيل لبعض الوقت.
تمكنت شادية منذ بداياتها الفنية من حجز مكانة متميزة بين قريناتها من نجمات السينما المصرية خلال مشوارها الذي زاد على أربعة عقود، شكلت خلالها ثنائيات شهيرة مع فنانين كبار مثل كمال الشناوي وفريد الأطرش وصلاح ذو الفقار.
انطلاقة شادية في الساحة الفنية الحقيقية كانت عند تعاونها مع المخرج المصري أحمد بدرخان الذي اكتشف موهبتها بعدما قدمت له عرضاً فنياً مميزاً نال إعجابه وكان يريد إشراكها في أحد أعماله لكن المشروع لم يكتمل وتم تأجيله.
عزيمتها على الظهور والشهرة لم تقف عند حدود بدرخان، بل قامت بدور صغير في فيلم «أزهار وأشواك» مع حلمي رفلة، وبعد ذلك رشحها بدرخان نفسه لرفلة​ لتقوم بدور البطولة أمام الفنان ​محمد فوزي​ في أول فيلم من إنتاجه.
الفيلم الذي تم عرضه حقق نجاحات كبيرة، وسطع فيه نجم الفنانة شادية بشكل كبير، وأصبحت نجمة بارزة في عالم السينما المصرية بسرعة قياسية، ما دفع محمد فوزي إلى الاستعانة بها بعد ذلك في عدة أفلام كـ «الروح والجسد»، «الزوجة السابعة»، «صاحبة الملاليم» وغيرها من الأعمال.
وكان فيلم «معبودة الجماهير» من أبرز أعمالها الرومانسية مع الفنان عبد الحليم حافظ.
حلمي رفلة أطلق عليها اسم «شادية» وانطلقت بعدها إلى أدوار البطولة، وحققت نجاهاً في أدوار الفتاة الرقيقة والأنوثة المتوهجة من خلال أدوارها السينمائية المركبة والمعقدة.
وفي منتصف الستينيات من القرن الماضي، كانت شادية بطلة عدة أفلام سعت لتغيير نظرة المجتمع في قضايا مجتمعية، وخاصة المتعلقة بالمرأة، مثل «كرامة زوجتي» و«عفريت مراتي» و«مراتي مدير عام».
ويعد فيلم «المرأة المجهولة» إنتاج العام 1959 نقطة التحول البارزة في مشوار شادية الفني، حيث أدت دور السيدة العجوز، وهي في قمة الصبا، بشكل أذهل النقاد والجمهور.
ولم يغب الحس الفكاهي المرح من بعض أغنيات أفلامها، ومنها أغنية «وحياة عينيك» مع الفنان رشدي أباظة و«يا سلام على حبي وحبك» مع الفنان فريد الأطرش.
ولم تغب شادية عن الإذاعة، فشاركت في نحو 10 مسلسلات إذاعية، وكانت بطلة لقصتي الكاتب نجيب محفوظ «ميرامار» و«اللص والكلاب»، وحصلت على جائزة الدولة التقديرية عن دورها في فيلم «شيء من الخوف» الذي أدت بطولته مع الفنان محمود مرسي.
وكانت مسرحية «ريا وسكينة» العمل المسرحي الوحيد للفنانة الراحلة شادية، وهي المسرحية التي بدأ عرضها في عام 82 وحققت نجاحاً كبيراً.
كما شاركت شادية في العديد من حفلات ليالي القاهرة الفنية خلال فترة الستينيات والسبعينيات.
وفي الخمسين من عمرها، غنت أغنيتها الأخيرة «خد بإيدي» التي كانت من الأغنيات الدينية.
ثم توقفت عن المشاركة في أي أعمال فنية أو غنائية، وتوارت عن الأنظار والكاميرات، منصرفة لحياتها الخاصة حتى وافتها المنية.

عام الاعتزال
اعتزلت شادية عندما أكملت عامها الخمسين، وقالت حينها عبارات مؤثرة وهي: «لأنني في عز مجدي أفكر في الاعتزال، لا أريد أن أنتظر حتى تهجرني الأضواء بعد أن تنحسر عني رويداً رويداً… لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز في الأفلام في المستقبل بعد أن تعود الناس أن يروني في دور البطلة الشابة، لا أحب أن يرى الناس التجاعيد في وجهي ويقارنوا بين صورة الشابة التي عرفوها والعجوز التي سوف يشاهدونها، أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لي عندهم ولهذا فلن أنتظر حتى تعتزلني الأضواء وإنما سوف أهجرها في الوقت المناسب قبل أن تهتز صورتي في خيال الناس».
وكرست حياتها بعد الاعتزال لرعاية الأطفال الأيتام ولاسيما أنها لم تُرزق بأطفال وكانت تتوق أن تكون أماً وأن تسمع كلمة «ماما» من طفلها.
وبعد الاعتزال شاركت في ندوة تحدثت فيها عن أسباب اعتزالها الفن، مؤكدة أنها اعتزلت بعد أن قامت بأداء رسالتها الفنية كاملة، وأن موهبتها الفنية كانت نعمة من الله، وقالت إنها كانت تحرص على إقامة الصلاة وأداء الفروض الدينية قبل الاعتزال.
وتابعت: «كنت ناجحة في حياتي الفنية، ولكن كنت دائماً أصاب بقلق أثناء النوم، ولا أعرف السبب، فأحسست أنه يجب ترك الفن».
ويعد هذا الحوار الوحيد بعد اعتزالها الفن وظهورها بالحجاب.
أمنية لم تتحقق

تداول عدد من محبي شادية، صورة من إحدى المجلات الفنية، حيث طرح عليها أحد معجبيها، سؤالاً قال فيه: «ما أكبر أمنية لكِ، لا يعرفها الناس». فردت على سؤاله بخط يدها: «إن الأمنية التي لم يعرفها عني الناس، هي أنني أتمنى أن يكون عندي دستة من الأطفال، عندما أبلغ سن الخمسين».
والمعروف أن الفنانة الراحلة، لم تنجب أبناء من 3 زيجات، حيث تزوجت للمرة الأولى من المهندس عزيز فتحي، وبعدها تزوجت لمدة 3 سنوات من الفنان عماد حمدي، وكان آخر أزواجها الفنان صلاح ذو الفقار، الذي انفصلت عنه عام 1969.

عبد الوهاب
يعتبر الموسيقار المصري ​محمد عبد الوهاب​ أحد أهم وأبرز وجوه الفن الذين ربطتهم علاقة قوية بشادية​ استمرت حتى رحيله، وأثمرت عدداً من الأعمال التي خلدها تاريخ الفن الجميل.
وكان عبد الوهاب من أشد المعجبين بصوت شادية وخلال لقاء تلفزيوني قديم ونادر له قال واصفاً صوتها: «شادية صوتها صوت البنت اللعوب اللي بتضحك على الشاب وتقوله أنا بحبك ومانمتش طول الليل، وتكون هي نايمة 24 ساعة، ويصدقها».

عبر التلفزيون
قال النجم عادل إمام إن بعضاً من أول أفلامه التي قدمته للجمهور كان مع الفنانة شادية، ومنها «مراتي مدير عام»، و«كرامة زوجتي»، و«أضواء المدينة»، مضيفاً إنها شادية وكفى.
وأوضح أنه لم يشعر بألم فراق شادية اليوم، عقب إعلان نبأ وفاتها، ولكن منذ مدة، فهو كان حريصاً على الاتصال بها، ومناداتها «فتوش» كما تعود، حتى بدأ لسانها يثقل، فآثر ألا يثقل عليها في مرضها الأخير.
وتابع أن شادية مكرمة من الشعب، وغنت يا حبيبتي يا مصر، أنا مثلت معها وكنت حريصاً على زيارتها أنا وزوجتي، فهي فنانة جميلة وفنانة كبيرة، لافتاً إلى أنها كفنانة كانت تهتم بحقوق المرأة.
ونعت الفنانة إلهام شاهين شادية بالقول: «لن ننسى ما قدمته لنا شادية من فن له قيمة ورسالة».
وأضافت إن «الفنانة شادية أسعدتنا لعمر طويل، وأسعدني الحظ بالعمل معها في آخر أفلامها قبل اعتزالها، شادية فنانة عملاقة وباقية بيننا، وكانت أماً حقيقية وليست أماً على الشاشة، فهي شخصية لن تتكرر وليس لها شبه وخسارة كبيرة».
بدوره قال نقيب الموسيقيين هاني شاكر إن «الفنانة الراحلة شادية رمز كبير، وساندتني في بداية حياتي الفنية، ورشحتني مع خالد الأمير، وغنيت أول أغنية ساهمت في نجاحي الكبير».
وأضاف: «الفنانة شادية أصرت دائماً على وجودي في حفلاتها في بداياتي، لكي تقدمني للجماهير وتدعمني»، مؤكداً أن «الفنانة شادية كانت مقتنعة بي، ورأتني مشروعاً لفنان، ولا استطيع نكران جميلها ومساندتها ودعمها».
وتابع: «ربنا يصبر أهلها وجمهورها، وشادية كانت فنانة عظيمة بمعنى الكلمة، وكانت مطربة كبيرة جداً، وممثلة رائعة وقديرة، وهي المطربة الوحيدة التي عملت فيلماً من دون أن تغني فيه».
أما أحمد بدير فقال: «خسارة فنية كبيرة وإنسانية، ونحن فقدنا فنانة كبيرة وعظيمة أوي، وجمعت بين الصوت الحلو في الأغاني، والتمثيل، وهي تاريخ كبير ونفتخر به في مصر والأمة العربية».
وأضاف: «فيلم المرأة المجهولة تأخذ فيه شادية الأوسكار، وكان تمثيلها فيه شيء من الخوف، عبقري، وكل دور عملته تشعر أنه جائزة، وكانت تعيش في كل شخصية».

رثاء إلكتروني
رثى كثير من الفنانين السوريين والعرب رحيل الفنانة الشادية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإليكم أبرز المنشورات كما هي من دون تحرير أو تعديل:
– شكران مرتجى: إن راحت من أمام العين ح تروح من قلوبنا فين؟ رحلت ريا.. رحلت فؤادة.. رحلت معبودة الجماهير.. رحلت الأنثى التي لم تحظ بنعمة الأمومة ولكن حظيت بمحبة الملايين.
– جيني إسبر: وداعاً شادية، لجمالك وجمال فنك ذكرى لا تموت.. السلام لروحك.
– محمد زهير رجب: شادية.. قولوا لعين الشمس.. غاب القمر.. وداعاً.
– أمل عرفة: واحد من أهم أسباب حبي إلك هوي شبهك لأمي اللـه يرحمها بصوتها وشكلها، حتى لما التقيتوا من زمان وقت أغنية «يا طيرة طيري» اللي جددها بابا اللـه يرحمها، كانت أمي حكت لي عنك وعن طيبتك وبساطتك وروحك الحلوة. عشتِ راقية ورحلتِ برقي.
– تولين البكري: اللـه يرحمها شو كنت بحبها وما في فيلم الها مو شايفتو، بحب صوتها وتمثيلها وحنيتها، زمن العمالقة ولى.
– رويدا عطية: رحلت إلى دنيا الحق معبودة الجماهير، ‫إنا لله وإنا إليه راجعون‬.
– ميسون أبو أسعد: جميلة الصوت، جميلة الصورة والروح.. ألف رحمة ونور عليك.
– باسم ياخور: ربي يرحمها، كانت رسالة الحب والرقي وقدمت أجمل وأكثر الأعمال روعة.
– تيم حسن: رحم اللـه الفنانة الكبيرة شادية التي شدت وأبدعت عقوداً، مثلها سيبقى فينا طويلاً لفنها الأصيل والصادق ولسيرتها العطرة.
– عبد الكريم حمدان: أيقونة من أيقونات الفن العربي الجميل الذي لن يموت.
– شريهان: اللهم اغسلها بالماء والثلج والبرد ونقها من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم ادخلها جناتك يا رحمن يا رحيم.. العظيمة شادية».
– ماجدة الرومي: إن غابت عن العين فلن تغيب عن القلب، وداعاً شادية.
– نجوى كرم: اللـه يرحمِك يا شادية وتكون نفسك بالسماء، تركتِ بصمة كبيرة.
– كارول سماحة: ومن قال شاديا رحلت؟! عفواً لكن الفنان لا يرحل، الفنان حالة هوائية وحسية باقية في ذاكرتنا إلى الأبد.. شكراً شادية على حبك وعطائك وإخلاصك في أعمالك الرائعة والخالدة.
– عاصي الحلاني: ستبقى شادية رمز للزمن الجميل الذي سيبقى في ذاكرتنا.
– لطيفة التونسية: رحلت شادية، ولكن مدرستها الفنية الغنائية السينمائية المسرحية الوطنية ستعلم الأجيال.
– ليال عبود: شادية ترمي آخر أوراق الزمن الفني الجميل وترحل إلى دنيا الحق.
– يارا: رحلت أيقونة الفن الجميل الراقي، رحل صوت مصر، رحمها اللـه وأسكنها فسيح جناته.
– سيرين عبد النور: كيف نبكي شادية وبأي كلمات نأسف على رحيل أيقونة السينما العربية.. فكيف يرحل الكبار وهم حاضرون أبداً بإبداعاتهم الخالدة؟ وداعاً يا دلوعة الزمن الجميل… شادية.
– شيرين عبد الوهاب: وداعاً دلوعة السينما المصرية شادية، ربنا يرحمك يا أرق صوت غنى للحب، فارقتِ دنيتنا ولكن مش ممكن أن تفارقي قلوبنا أبداً.
– عمرو سعد: وداعاً العظيمة شادية، رغم أنك باقية في قلوب كل الأجيال، شادية في القلب.
– عمرو السعيد: وداعاً لأحد أهم فناني مصر على مر العصور، وداعاً يا حبيبة مصر، شادية في ذمة الله.
– بشرى: وداعاً يا غالية، وداعاً يا شادية، مصر تستمر في الحزن، وأصبح الحزن حزنين.
– دنيا سمير غانم: سبحانك يارب في خلقك للموهبة العظيمة دي اللي هتفضل في قلوبنا بأعمالها وحنيتها وصوتها الدافي وإحساسها الرائع في التمثيل واحترامها لجمهورها وعشقها لبلدها.
– أنغام: الوداع يا حبيبة قلب مصر، الوداع يا شادية.
– هند صبري: عندما بدأت التمثيل كانت واحدة ممن ألهموني وخصوصاً في نقلاتها غير المتوقعة وتمردها وحبها لفنها، رحمك اللـه يا شادية بقدر كل ذكرى حلوة عشناها وسنعيشها بسببك.
– مي حريري: غاب القمر عن سماء مصر ولن تغيب معبودة الجماهير وأسطورة الفن عن قلوب محبيها.
– راغب علامة: أحببتها منذ صغري، وكنت أستمتع لمشاهدتها في الأفلام وفي الحفلات.
– مادلين مطر: من منا لا يعرف أغنياتها أو أفلامها؟ من منا لم يتأثر بخطها الفني؟ أحببت دلعها الراقي وصوتها الدافئ وتمثيلها الممزوج بالحرفية والطبيعية وجمالها الساحر.
– باسكال مشعلاني: أمتعتنا لسنوات طويلة بأجمل الأغاني والتمثيل الرائع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن