قضايا وآراء

تطور الصين فرصة ذهبية لتطوير العلاقات بين دمشق وبكين

| بقلم السفير الصيني في دمشق تشي تشيانجين

يعتبر انعقاد المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الصيني في الشهر الماضي حدثاً مهماً للصين والعالم، وعادة يصدر المؤتمر الوطني المنعقد كل خمس سنوات، قرارات مهمة تترك أثراً كبيراً في مسيرة تنمية الصين، وهذه الدورة صدر قراران مهمان، الأول هو انتخاب الأمين العام والقيادة المركزية للحزب، والثاني رسم الملامح المستقبلية للصين للسنوات الـ30 المقبلة.
انتخب المؤتمر الدورة الجديدة للقيادة المركزية للحزب وقرر اندماج أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد في ميثاق الحزب الشيوعي، الأمر الذي يثبت مكانة شي المحورية في الحزب واللجنة المركزية. إن الحزب الشيوعي الصيني عنده أكثر من 89 مليون عضو ويحكم بلداً ذا 1.4 مليار نسمة حيث يقع على عاتقه مسؤولية كبيرة، ما يتطلب تشكيل قيادة مركزية قوية موحدة. وهذه القيادة بمحورية الرفيق شي جين بينغ ستقود الشعب الصيني والحزب الشيوعي الصيني باتجاه تحقيق الحلم الصيني المتمثل في النهضة العظيمة للأمة الصينية. وهذا القرار الأول.
رسم الملامح المستقبلية للصين بعد ثلاثين عاماً هو القرار الثاني. حيث يشير تقرير المؤتمر إلى دخول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية عصراً جديداً، أي عصر بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، وبناء دولة اشتراكية قوية حديثة، ويشير إلى تحول التناقض الاجتماعي الرئيسي في بلادنا إلى تناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة جميلة والتنمية غير المتوازنة ولا الكافية. إن سياسة الإصلاح والانفتاح دفعت عجلة التنمية الاقتصادية خلال السنوات الـ40 الماضية حيث تبوأ إجمالي الناتج المحلي الصيني مرتبة ثانية عالميا ونجحت الصين في تسوية مشكلة الغذاء والكساء لمصلحة الشعب الصيني بشكل مستقر، وحققت الحياة الرغيدة عموماً وعلى هذا الصعيد، يتطلع الشعب الصيني إلى حياة أجمل، وخاصة ما يتعلق بـالديمقراطية وحكم القانون والمساواة والعدالة والأمن والبيئة وغير ذلك من المجالات. ولكن في نفس الوقت، ما زالت الفجوة كبيرة بين المدن والأرياف والمناطق المختلفة من حيث التنمية، وما زالت الصين تواجه مشاكل الخدمة العامة والبيئة الأيكلوجي. ستولي الصين اهتماما أكبر في رفع جودة وفاعلية التنمية بموازاة اهتمامها بتنمية الاقتصاد، الذي من شأنه تلبية حاجات الشعب في مجال الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع بشكل أفضل وتعزيز التقدم والتطور للبشر والمجتمع.
رسم المؤتمر ملامح تنمية مستقبلية للصين في الفترة بين 2020 و2050 وصاغ خارطة الطريق للمسارين وحدد هدفاً طموحاً لبناء دولة اشتراكية حديثة. ففي عام 2020، سيتم بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل. وفيما بعد أي من عام 2020 حتى عام 2035، وخلالها ستتحقق التحديثات الاشتراكية بشكل أساسي. أما المرحلة الثانية، فتستمر من عام 2035 حتى عام 2050 ستنجز بناء بلادنا لتصبح دولة اشتراكيةً حديثةً قويةً ومزدهرةً وديمقراطيةً ومتحضرةً ومتناغمةً وجميلةً. وعندئذ، سيتحقق ارتقاء شامل بالحضارات المادية والسياسية والروحية والاجتماعية والإيكولوجية للبلاد، ويُنجز تحديث نظام حكم الدولة والقدرة على حكمها، وتصبح بلادنا من الدول الرائدة من حيث القوة الوطنية الشاملة والتأثير الدولي. فإن خارطة الطريق والجدول الزمني التي وضعها المؤتمر تقدم برنامج عمل لتحقيق نهضة الأمة الصينية العظيمة.
كما قدم المؤتمر تصميماً أعلى للدبلوماسية الصينية حيث يؤكد أن دبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية عليها خلق علاقات دولية جديدة الطراز وبناء مجتمع مشترك المصير للبشرية. وستتمسك الصين بسلك طرق تنمية سلمية وصيانة سيادتها وأمنها ومصالح تنميتها وتطوير علاقاتها مع دول العالم على أساس الاحترام المتبادل والعدالة والتعاون والمصالح المشتركة. وفي الوقت نفسه، ستفيد تنمية الصين العالم كله والبشرية جمعاء إذ تدعو شعوب الدول إلى توحيد الجهود لبناء مجتمع مشترك المصير للبشرية وتشييد عالم نظيف وجميل يسوده السلام الدائم والأمن الشامل والرخاء المشترك وكذلك الانفتاح مع التسامح. ستطرح الصين حلولا للمشكلات العالمية تعبر عن ذكائها وفلسفتها. ترى الصين أن كل دولة كبيرة كانت أم صغيرة هي شريك على أساس المساواة والاحترام المتبادل. تعتزم الصين سلك طريق التنمية السلمية دون الهيمنة على العالم ولا تستعمر أي بلد آخر.
إن الصين باعتبارها دولة عظمى جديدة لا ترغب في التصادم مع الدول العظمى الموجودة إذ تدعو إلى حل المشكلات العالمية الأمنية أو التنموية بمبدأ المنفعة المتبادلة والكسب المشترك بمعنى أنه ليس لعبة صفر. إن مبادرة الحزام والطريق الصينية منصة للتطبيق من أجل بناء فكرة مجتمع مشترك المصير للبشرية. أجرت الصين تعاونات مع أكثر من 100 دولة في مجالات الاستثمار والبنية التحتية والتربية والتعليم والثقافة في إطار المبادرة، حيث بلغت استثمارات المؤسسات الصينية للدول المعنية 50 مليار دولار لتتقاسم فوائد التنمية الصينية معها.
بانعقاد المؤتمر، دخلت الصين عصراً جديداً وتنمية جديدة ما يجلب فرصاً جديدة للحل السياسي للأزمة السورية. تسعى الصين إلى بناء مجتمع مشترك المصير للبشرية وتحقيق الأمن والسلم الدائمين وفض الخلافات الأمنية الدولية عبر الحوار والتشاور. ففي اليوم الـ24 من الشهر المنصرم، أشار وزير الخارجية الصيني وانغ يي أثناء مقابلته المستشارة السياسية والإعلامية لرئاسة الجمهورية بثينة شعبان إلى أن الوضع السوري شهد تغيرات كبيرة بانتقال النزاع والصراع إلى وقف إطلاق النار والاستقرار، ويعتقد الجانب الصيني دوما بأن الحوار التفاوضي حل وحيد للأزمة السورية، وصيانة السيادة والاستقلال ووحدة الأراضي وتقرير الشعب السوري مصير سورية هو مفتاح الحل. شاركت وستشارك الصين بوصفها عضواً دائماً في مجلس الأمن بزخم في الحل السياسي استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة المعنية واستنادا إلى الحق.
بانعقاد المؤتمر، دخلت الصين عصراً جديداً وتنمية جديدة ما يجلب فرصاً جديدة لتطوير العلاقات الصينية السورية التي مضت عليها 61 سنة ولا تزال تمشي إلى الأمام. ففي عام 2017، يتواصل التعاون والتبادل بين الجانبين بشكل مطرد. أجرى وزير الخارجية الصيني وانغ يي مقابلة مع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين السوري وليد المعلم على هامش جمعية الأمم المتحدة وزار سورية المبعوث الصيني الخاص إلى سورية شيه شياو يان وفي المقابل، شارك وزير الثقافة محمد الأحمد في قمة منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي المنعقدة في بكين ممثلا عن الجانب السوري وزارت الصين مؤخراً المستشارة السياسية والإعلامية لرئاسة الجمهورية بثينة شعبان. يبلغ إجمالي التبادل التجاري بين الصين وسورية 528 مليون دولار في النصف الأول من العام الجاري ما يزيد 13.3% عن نظيره في العام الماضي. لو أخدنا بعين الاعتبار القيم الوسيطة عن طريق بيروت أو دبي فمن المتوقع أن يصل إجمالي التبادل التجاري إلى ملياري دولار هذه السنة. وكذلك قدمت الصين منحا دراسية إلى عشرات الطلاب والأفراد ودربت 200 متدرب سوري ونيف عن طريق الدورات التدريبية، ووقع الطرفان اتفاقيات لتقديم المساعدات الإنسانية التي تقدر قيمتها بـ340 مليون يوان صيني. كما شاركت أكثر من عشرين شركة صينية في الدورة الـ59 لمعرض دمشق الدولي وكانت باكورة المعرض بدء تركيب خط تصنيع سيارات صينية وبيعها في السوق السورية.
يؤكد المؤتمر أن الصين ستتمسك باستراتيجية الانفتاح والفوز المشترك وتقاسم فرص تنمية الصين وتقديم تسهيلات للدول الأخرى على مسار التنمية. ويتوقع أن تستورد الصين سلعا بقيمة 2.4 مليار دولار وتجذب استثمارات مباشرة بقدر تريليوني دولار من الخارج وتسحب استثمارات الصين إلى الخارج بقدر تريليوني دولار أيضاً في السنوات الـ15 المقبلة. وفي تشرين الثاني العام القادم، سوف تستضيف مدينة شانغهاي لأول مرة معرض الصين الدولي للواردات. كل ذلك سيوفر مزيدا من الفرص لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وسورية.
يؤكد المؤتمر أن الصين ستدفع التعاون الدولي في إطار الحزام والطريق بقوة. ما طرحه سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد من المبادرة الاستراتيجية «التوجه شرقا» تتوافق مع مبادرة الحزام والطريق توافقاً شديداً وكبيراً وإن سورية من الدول المهمة المشاركة في مبادرة الحزام والطريق. وإن الصين مستعدة لربط مبادرة الحزام والطريق ومبادرة «التوجه شرقاً» ربطاً عميقاً وتوطيد التعاون بين الجانبين في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والمشاركة الفعالة في إعادة الإعمار الاقتصادي ليستفيد الجانب السوري من الميزات الاقتصادية الصينية ومواصلة تقديم المساعدات على قدر استطاعتها للشعب السوري.
تتطلع الصين إلى بذل أكبر الجهود وتكثيف التعاون مع الحكومة السورية وكل الأوساط السورية وتأمل أن يستغل الجانبان الفرصة الراهنة الذهبية لتدعيم وتقوية العلاقات الثنائية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن