قضايا وآراء

مسار الحل المختلف

| مازن بلال

اتضح في الجولة الأخيرة من جنيف أن مسألة الحل السياسي «مختلة» بذاتها، فالتصريحات الدولية حول هذا المسار لا تستطيع تهيئة الشرط الضروري لانطلاقه، ومنذ «جنيف1» أصبحت ساحة الأروقة الدولية نقاط صدام حول طبيعة الحل السياسي للأزمة السورية، ومع مضي السنوات، ظهر اختلال المعادلة التفاوضية ولكنها بقيت مستمرة؛ ومعها حزمة كاملة من التصريحات والمواقف والقرارات الدولية العاجزة عن فتح معبر حقيقي لحل الأزمة السورية.
في الأروقة الدولية اليوم مناورات سياسية دائمة تهدف لتأمين حدود دنيا من ضبط الصراع، ومن الحفاظ على معادلة القوة التي تضمن للأطراف الدولية والإقليمية اختبار المعادلات المحتملة في الشرق الأوسط من دون الوصول لمرحلة الخطر من المواجهة المباشرة، وتبدو المعارك في سورية الشرط الوحيد للحفاظ على التوازن الدولي بين موسكو وواشنطن، فأي تسوية سترسم استحقاقا جديدا لم تحسم الأطراف الدولية كيفية التعامل معه، ومن هذه النقطة تحديدا يمكن فهم العديد من التناقضات التي ترافق المواقف تجاه الموضوع السوري.
أحد أهم التناقضات، هو التوقف عند الحدود الدنيا للتنسيق العسكري، والإصرار الأميركي على توسيع «مناطق خفض التصعيد» من دون أن يكون المسار السياسي مرافقا لها، وانعكاس هذه المفارقة السياسية تظهر في شروط التفاوض القائمة في جنيف، فهي تستند إلى مسألتين:
الأول: الاحتفاظ بخلل رئيس في المعادلة التفاوضية، فالطرف المعارض كما يبدو اليوم يستند إلى «جغرافية افتراضية»، فهو لا يملك من الأوراق سوى إمكانية استمرار الصراع، وفي الوقت نفسه لا يمكن توصيف مكوناته بشكل واضح، فهي ليست ممثلي أحزاب أو قوى أو تيارات يمكنها احتلال مساحة واضحة داخل سورية سواء في مناطق الدولة أو في الجغرافية المتبقية لسيطرة المسلحين.
في معادلة جنيف اليوم، تمثل المعارضة الجانب الأكثر غرابة في تاريخ الصراعات، فهي تقدم حلولا ومبادرات غير قادرة على تنفيذها أو ضمان تحقيقها ولو بغطاء دولي، وهي تعتمد أساسا على إمكانية توفير ظروف مناسبة لها لتعود إلى داخل الجغرافية السورية لتغير المعادلة القائمة عبر شرعية دولية ومن دون ضمان لتحقيق نتائج واضحة، فهي لا تبحث فقط عن توزيع السلطة ما بين الأطراف في جنيف بل تريد توازنا داخليا يحافظ على وجودها.
الأمر الثاني: هو عدم وجود الشرط الأساسي للتفاوض، فالوفود متمسكة وفق ادعاءاتها بعدم وجود شروط مسبقة؛ لكن هذا الأمر لا يعفيها من شأن أساسي في العملية التفاوضية بتحديد الخلاف مع الجانب الآخر، فلا تفاوض من دون تحديد نقاط الاشتباك بين الطرفين.
تحاول الأطراف الضامنة للتفاوض عدم التطرق للإخفاق الرئيس في مسألة تحديد مواضيع الخلاف، فرغم أن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا حدد أربع سلال للتفاوض، ومن المفترض تحديد المواضيع الأساسية لخلافات الأطراف، إلا أن المواقف والتصريحات حتى التحركات السياسية توضح أن موضوع الخلاف الأساسي هو حول «تموضع» سورية مستقبلا، والتركيز على مسألة الرئاسة يتجاوز بشكل واضح الحدود الحقيقية للأزمة، فهو يسعى للضغط نحو تغيير محتوى «الجمهورية» ونقلها إلى موقع مختلف يماثل ما حدث في لبنان والعراق، وهذا التصور يريد وضع سورية ضمن الحزام الهش لدول شرقي المتوسط.
التفاوض سيبقى حتى إشعار آخر ضمن دائرة معتلة، فالطرف المعارض يحتاج لإعادة تحديد قبل أن نتحدث عن مسار سياسي منتج للحل النهائي، وهذا الأمر على ما يبدو مُغيب بحكم عدم القدرة على إنتاج بيئة سياسية جديدة للمعارضة بالدرجة الأولى، بينما سيبقى السجال بشأن جنيف قائما من دون الوصول إلى نقطة انطلاق الحل السياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن