ثقافة وفن

دعوة لإقامة نصب لشهداء مجزرة البرلمان … مجزرة البرلمان النكراء بحق معقل الديمقراطية السورية لم يرتكب مثيلها في العالم

| شمس الدين العجلاني

هم إرهابيون.. قتلة… يدمرون حضارتنا.. يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ ويدّعون أن «قلبهم علينا» كيف لقاتل مارس الإرهاب علينا سنوات طويلة أقلها 25 عاماً «هو زمن الانتداب الفرنسي».. كيف لقاتل إرهابي أن يكون حملاً وديعاً؟!
في الزمن الماضي تكالبوا على بلاد الشام فعبثوا بها ومزقوها إلى دويلات «سورية بحدودها الحالية ولبنان والأردن وفلسطين «وأهدوا أتاتورك سنجق اسكندرون».
دخل الفرنسيون سورية غزاة محتلين بعيد الحرب العالمية الأولى وقاموا بتقسيم بلاد الشام ونهبها، فقاموا بفصل الساحل الطبيعي لدمشق (بيروت) وألحقوها بمتصرفية جبل لبنان، وفصلوا عن ولاية دمشق الأقضية الأربعة «بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا» وضموها إلى ما اصطلح على تسميته آنذاك لبنان الكبير. بالأمس القريب مارسوا إرهابهم وحقدهم علينا ولم يزل يتذكر ويعيش مآسي تلك الأيام أهل بلاد الشام، واليوم يحاولون إعادة الكرة بأسلوب جديد ووجوه جديدة!
من المجازر الإرهابية البشعة التي ارتكبتها فرنسا بحق بلادنا، مجزرة البرلمان، هذه الجريمة النكراء بحق معقل الديمقراطية السورية، لم يرتكب مثيلها في العالم.. ونحن كحكومة.. كوزارة داخلية.. بل نحن كمجلس شعب، ماذا فعلنا لتخليد ذكرى شهدائنا الأبطال المدافعين عن البرلمان السوري؟ ماذا فعل مجلس الشعب منذ عشرات السنين إلى الآن لتسليط الضوء على إرهاب فرنسا بحق البرلمان؟ وتمجيد شهداء البرلمان الأبطال.. والبطل السوري في ميراثنا هو الشهيد.

البطل في سورية
بطل سورية عبر التاريخ هو الشهيد، وتأصل هذا الميراث الثقافي في نفوسنا وأضحى جزءاً من تكويننا وحياتنا، ونعيش الآن عصر الشهادة والدفاع عن الوطن فكل يوم شهيد وكل ساعة شهيد وكل دقيقة شهيد ولم يزل حماة الوطن يبذلون النفيس والغالي في سبيل صون الوطن والعرض.
كتب الله على سورية أن يكون تاريخها جهاداً ومسيرتها استشهاداً فمن حروب الفرنجة إلى تشرين مروراً بالعثمانيين والفرنسيين وميسلون واليوم في الحرب الشرسة التي يشنها علينا العربان والغرباء ولصوص الليل والنهار… معارك مصير ومواقف عزة قدمت فيها سورية قوافل من الشهداء.
لقد خلقت هذه القوافل ثقافة للسوريين مفادها الشجاعة والإقدام وحب الوطن. وقوامها على حد قول نزار قباني: (هكذا خلق الله السوريين.. كل رغيف يخبزونه يقتسمونه مع العرب.. وكل شجرة يزرعونها تأكل من ثمرها العرب.. وكل حجر يحملونه على أكتافهم هو لتعمير بيت العرب).

الآن
يفصلنا الآن عن ذكرى مجزرة البرلمان السوري التي ارتكبها المحتل الفرنسي، حوالي ستة أشهر، فمنذ عام 1945م إلى الآن لم يعمل أي رئيس برلمان على تخليد شهداء البرلمان الذين قضوا بشجاعة دفاعاً عن الوطن ممثلاً بمجلس النواب رمز الحرية والديمقراطية والاستقلال، ماذا عمل البرلمان لإحياء ذكرى مجزرة إرهابية ارتكبها من يدعون الحرية والإنسانية في مبنى البرلمان؟!
مع الأسف الشديد لم يعمل أي رئيس برلمان خلال هذه السنوات الطويلة الماضية عملاً مميزاً في سبيل ذلك، كنصب تذكاري، أو إصدار كتيبات وطباعة صور الشهداء والمجزرة، أو حتى إقامة ندوات تاريخية… «تقوم وزارة الداخلية بإقامة معرض فني بهذه المناسبة» إنما جرت العادة منذ عدة سنوات أن يقوم رئيس البرلمان صباح يوم 29 أيار «الذي اعتبر يوم قوى الأمن الداخلي في سورية» باستقبال وزير الداخلية وعدد من ضباط الشرطة في قاعة استراحة النواب (القاعة التي شهدت المجزرة الفرنسية) ويتبادلون معهم الكلمات الطيبة في هذه المناسبة. ومن ثم تقيم وزارة الداخلية احتفالاً جماهيرياً خطابياً بهذه المناسبة (وعفا اللـه عما مضى)، وكان يحضر هذا الاستقبال فيما مضى كل من الدركيين محمد مدور وإبراهيم إلياس الشلاح قبل وفاتهما، وهما من الناجين من هذه المجزرة، واللذين أطلق على كل منهما لقب الشهيد الحي.
الآن يفصلنا عن ذكرى مجزرة البرلمان ستة أشهر فلربما فاجأنا مجلس الشعب يوم 29 أيار من العام القادم بتدشين نصب تذكاري تمجيداً لشهداء البرلمان.

محاولة يتيمة
في عام 1957م قام رئيس مجلس النواب آنذاك أكرم الحوراني بوضع لوحة رخامية سوداء كبيرة في صدر قاعة استراحة النواب (القاعة التي ارتكبت فيها المجزرة الفرنسية) حملت أسماء الشهداء وأسماء مدنهم، وأراد الحوراني من ذكر مدنهم الدلالة والشهادة على اشتراك الشعب العربي في سورية من كل مدنه وقراه، ومن كل طوائفه، بالدفاع عن تراب الوطن والحرية والديمقراطية حتى الاستشهاد، وكان الحوراني يعتبر الشهيدين سعيد القهوجي، وطيب شربك، بطلي معركة البرلمان، لذا عزم على إقامة نصبين تذكاريين لهما في مدخل بناء البرلمان، ولكن انتهاء ولاية الحوراني وقيام الوحدة مع مصر وحل البرلمان آنذاك وقف عائقاً أمام تنفيذ رغبته، وبعد ذلك طوي هذا المشروع وذهب أدراج الرياح، ولم يفكر أي رئيس برلمان حتى الآن بتخليد ذكرى هذه المعركة البطولية، رغم أن عدداً من النواب اقترحوا إقامة نصب تذكارية للشهداء عندما شرع سعد اللـه الجابري رئيس المجلس النيابي بإصلاح ما تخرب من بناء مجلس النواب إثر الاعتداء الفرنسي عليه.

نتذكر
نتذكر المجازر الإرهابية التي ارتكبتها فرنسا بحقنا، نتذكر أن فرنسا قصفت دمشق مرتين بالطائرات وكل أنواع الأسلحة الفتاكة، وكان ذلك عامي 1925 و1945م.
من بين الأحداث الكثيرة التي عصفت ببلادنا في زمن المحتل الفرنسي وقدمت فيها سوريه قافلة من الشهداء على مذبح الحرية والمجد وسجل التاريخ النضالي المجد والخلود لها، هي أسطورة استشهاد حامية البرلمان.
ففي الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم 29/5/1945 وجه الجنرال السفاح أوليفار روجيه قائد حامية دمشق من المحتل الفرنسي، إنذاراً إلى رئيس المجلس النيابي سعد الله الجابري يطلب منه أن تقوم حامية مجلس النواب بتحية العلم الفرنسي عند إنزاله في المساء عن دار الأركان الفرنسية التي كانت قائمة مقابل مجلس النواب. رفض رئيس المجلس الإنذار وأوعز إلى قائد الدرك بألا يستجيب لهذا الإنذار..
رفضت حامية مبنى المجلس النيابي (البرلمان) أداء التحية للعلم الفرنسي أثناء إنزاله من على ساريته في دار الأركان الفرنسية التي كانت مقابل مبنى البرلمان، فاتخذ الفرنسيون ذلك ذريعة لمهاجمة حامية البرلمان، مستخدمين قوات مرتزقة من السنغال، مزودة بالأسلحة الفتاكة من مدافع هاون ورشاشات كبيرة وصغيرة ودبابات ومصفحات، إضافة للسلاح الأبيض من سواطير وسكاكين.
وفي تمام الساعة السادسة وخمسين دقيقة فتح جنود الحامية الفرنسية المرابطون في شارع النصر وفندق أمية وساحة المرجة النار على المواطنين الذين خرجوا في تظاهرات احتجاجية، وفي اللحظة ذاتها دوى صوت القنابل وطلقات الرصاص التي انطلقت من دار الأركان الفرنسية تجاه البرلمان، ولم يطُل الوقت حتى كانت جميع المراكز الفرنسية المحتلة في دمشق تشارك في إطلاق الرصاص والقنابل، ثم تقدمت المدرعات الفرنسية والطيران الفرنسي لتوجه نيرانها باتجاه مبنى البرلمان، ورابط رجال الدرك السوري ورجال الشرطة المكلفون الدفاع عن البرلمان وراء متاريسهم، وشرعوا في مقاومة ضارية لوقف تقدم القوات الفرنسية، معتمدين على أسلحتهم المتواضعة، رافضين الاستسلام لقوات المستعمر، ومدفوعين بحب الوطن والدفاع عن عزته وكرامته، ولم يمر وقت طويل حتى أخذت ذخيرة المقاومين تنفد، والخسائر بين صفوفهم تزداد، وهم يقاتلون في مواجهة آلة عسكرية تفوقهم قدرة على نحو كبير، واستمروا بالقتال حتى نفدت ذخيرتهم، عندها اقتحمت القوات الفرنسية مبنى البرلمان لتنفذ أبشع جرائمها الوحشية، بتمزيق أجساد الناجين من المقاومين بالسواطير والحراب، لقد طالت يد الغدر والإرهاب يوم 29 أيار عام 1945 م معقل الديمقراطية السورية ألا وهو البرلمان، حيث عملت الطائرات الفرنسية ومدافع نيرانها على تهديم البرلمان السوري، وقتل حاميته من درك وشرطة والتمثيل بجثامينهم!

المطلوب الآن
منذ عام 2005م ونحن نطالب بإقامة نصب تذكاري تخليداً لشهداء البرلمان السوري من عناصر الشرطة والدرك، في حديقة مجلس الشعب، نطالب بأي عمل ضمن مبنى البرلمان لتخليد هذه الذكرى، بل على العكس تماماً، كان هنالك «ماكيت» نموذج مصغر لمبنى البرلمان بعد القصف الفرنسي ولكن منذ عام 2006م تقريباً لم يعد موجوداً!؟ ونشرنا عدة مقالات في عدد من وسائل الإعلام، نطالب بأي عمل ضمن مبنى البرلمان لتخليد هذه الذكرى، نطالب بنصب تذكاري في حديقة مجلس الشعب لشهداء حامية البرلمان السوري، وكنا منذ عام 2005 نطالب بذلك ولكن..! ففي عام 2005 نشرنا على النت نطالب بإقامة نصب تذكاري لشهداء البرلمان، وفي عام 2008 نشرنا في مجلة «تجاره وأعمال» وهنا في صحيفة «الوطن»، نشرنا يوم28 /05/2012 العدد 1418، ويوم 22/05/2017 العدد 2653، ويوم 12/6/2017 العدد 2668.
علماً أن حديقة مجلس الشعب تعرضت خلال السنوات الماضية للاعتداء والتشويهات، عندما قطعت بعض أشجار النخيل فيها والتي يعود تاريخها إلى مئات السنوات، كما تم البناء بداخلها! وكادت الحديقة يقضى عليها «حسبما ذكرت مجلة «تجارة وأعمال» عام 2008م: «أعلن رئيس مجلس الشعب… عن إجراء مسابقة معمارية لاختيار أفضل التصاميم الأولية لمبنى مجلس الشعب وشكل لجنة الإشراف على المسابقة بالقرار رقم (283) تاريخ 30/11/2006، لوضع البرنامج الوظيفي وشروط المسابقة، ومن ثم صدر عن رئيس المجلس القرار رقم 98 بتاريخ 1/7/2007 لتشكيل لجنة التحكيم الخاصة بالنظر في المشاريع المقدمة للمسابقة المعمارية لتصميم المبنى الجديد لمجلس الشعب وتقويمها وترتيبها واختيار الفائزين بها. يقول الدكتور عقيلي: «انسحبت من اللجنة لاعتراضي على القضاء على الحديقة، برأيي لا يجوز أن يجنح التفكير لتوسيع المبنى ليكون على حساب رقعته الخضراء، ولا تعني ضرورة بناء مبنى جديد أن يتم القضاء على الماضي». وتتابع المجلة بالقول: «لكن الطامة الكبرى أن البرنامج الوظيفي للمبنى الجديد لم يشترط الحفاظ على الحديقة التي يبلغ عمر بعض أشجارها «قرناً كاملاً»، فنشب الخلاف بين لجنة التحكيم ولجنة الإشراف، وانسحب بعض أعضاء اللجان احتجاجاً على عدم احترام ذاكرة المكان في البرنامج الجديد، لكن ذلك لم يغير من الأمر شيئاً فاستمرت المسابقة التي كان من الواضح أنها محكومة بالفشل بسبب تضارب الآراء الكبير بين المحكمين».
اذاً لو أقمنا نصباً تذكارياً في حديقة المجلس، فقد يكون أفضل من كل التعديات على الحديقة! «والله أعلم».

وبعد
نتوجه برجاء وأمنيات قلبية للسيد رئيس مجلس الشعب أن يسعى لإقامة نصب تذكاري في حديقة مجلس الشعب تخليداً لشهدائنا الأبطال حامية البرلمان السوري، وأن يتم تدشينه في الذكرى القادمة للمجزرة الفرنسية بحق برلماننا.. لأنهم رمز لشهداء الوطن.
نتمنى من السيد رئيس مجلس الشعب أن يحيي ذكرى شهداء البرلمان بعد قرابة ستة الأشهر، بإقامة نصب تذكاري في حديقة مجلس الشعب تخليدا لهؤلاء الأبطال الذين قضوا دفاعاً عن كرامة الوطن ومعقل الديمقراطية السورية ألا وهو البرلمان، ندعو لإقامة نصب تذكاري يمجد هذه البطولة متضمنا صوراً لهؤلاء الأبطال مع لمحة عن حياتهم، ولمحة عن المعركة التي خاضوها إضافة للصور التي أخذت عقب الاعتداء الآثم ليبقوا منارة يحتذي بها أبناء الوطن، وعدم الاكتفاء بوضع أسمائهم في استراحة أعضاء مجلس الشعب رغم وجود ملاحظات تاريخيه على هذه الأسماء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن