من دفتر الوطن

الاغتصاب والصهاينة العرب

| حسن م. يوسف 

أفكر بالقدس عاصمة السماء على الأرض، غير أن ما يلح علي ليس محاولة أميركا – أستاذة الاغتصاب– أن تضفي بعداً قانونياً على ممارسات الصهاينة الذين كرروا تجربتها في فلسطين! ما يلح عليَّ هو قيام الصهاينة العرب بكشف وجوههم القبيحة من دون حياء أو خجل!
لست أدعي شرف نحت مصطلح «الصهاينة العرب» ولعل أول من استخدمه هو المفكر القومي المرحوم الدكتور عصمت سيف الدولة، غير أنني سأتناول موضوع الصهاينة العرب من خلال مسرحية (الاغتصاب) التي كتبها الصديق سعد اللـه ونوس في عام 1989.
لم يخف سعد اللـه أنه استفاد «في بناء الحكاية» من مسرحية «القضية المزدوجة للدكتور بالمي». للكاتب الإسباني أنطونيو بويرو باييخو، كانت نية سعد اللـه إعداد النص لتقديمه في المسرح التجريبي الذي كان يديره، لكن وفاة شريكه المخرج المبدع فواز الساجر عام 1988 جعلته يقرر كتابة نص جديد حول «قضيتنا المحورية، قضية الصراع العربي الإسرائيلي».
ولكي يقطع الطريق على المتصيدين أعلن سعد اللـه في ملاحظاته الاستهلالية «أن إلهام المسرح الحقيقي لم يكن في يوم من الأيام الحكاية بحد ذاتها، وإنما المعالجة الجديدة التي تتيح للمتفرج تأمل شرطه التاريخي والوجودي»، وضرب أمثلة عديدة مفحمة من تاريخ المسرح. فسكان أثينا «لم تكن سيرورة الأحداث هي التي تثير فضولهم واهتمامهم وإنما المعالجة التي يقدمها إيسخيلوس أو يوربيدس لهذه الأحداث، والرؤية الفكرية التي تطفو من عمل كل منهما، وبذلك كان المسرح يتحول من مكان للحوار والتأمل، إلى مكان للحرية وازدهار الحياة المدنية».
تدور (الاغتصاب) حول حكايتين، الأولى فلسطينية عن امرأتين، الفارعة ودلال، ورجلين إسماعيل ومحمد. إسماعيل مقاوم معتقل لدى الشين بيت، ومحمد متبطل، همه أن يجمع شمله بزوجته حتى لو كانت الخيانة هي الثمن. الحكاية الثانية حول شرطي صهيوني يدعى إسحق يعمل محققاً في الشين بيت والده فنان وأمه صهيونية متعصبة.
يحطم المحققون جسد إسماعيل لكنه لا يعترف بأي معلومة، غير أنهم يحصلون على ما يريدونه من رفاقه الذين انهاروا. يبلغ إسحق (البابا) مائير كبير المحققين بأن إسماعيل «لم يعد لديه ما يفيدنا» إلا أن مائير يرد عليه: «بل بقي لديه شيء مهم… كبرياؤه. هل نسمح لهؤلاء القتلة أن يتدربوا على الكبرياء؟ هذه بيضة الأفعى التي ينبغي أن نحطمها قبل أن تفقس». ولتحطيم كبرياء إسماعيل يكلف إسحق بأن يدير الحفلة، فيقوم بسحق أعضاء إسماعيل التناسلية على حين يقوم زملاؤه باغتصاب دلال جماعياً أمامه. أثناء الحفلة يشعر إسحق بالعجز عن المشاركة جنسياً فيقوم بتشطيب أنوثة دلال بشفرة ويقطع حلمتها. وفي مشهد تال يقوم جدعون باغتصاب راحيل زوجة إسحق ويمارس عليها القسوة نفسها التي تدرب عليها!
بين الحكايتين يقف الطبيب النفسي أبراهام مينوحين الذي يلجأ إليه اسحق بعد أن تعاقبه بقايا إنسانيته بالعجز الجنسي، فيقول له: «… لكي تشفى عليك أن تقر بصورة واعية أنك ارتكبت جرماً رهيباً لا يمكن تبريره، أو أن يتوافر لك الاقتناع المطلق بأن هذه الأعمال عادلة وجديرة بالاحترام».
في ختام المسرحية تحصل مكاشفة بين سعد اللـه ونوس والطبيب مينوحين، أقتطف منها هذا المقطع، يقول سعد الله: «… يجب أن تكون النزاهة متبادلة، ويجب أن أعترف أن السجون على ضفتنا ليست أكثر رأفة ولا أقل وحشية، ولكن هل تظن أن هذه الأنظمة وسجونها تمثلنا أو تشغلها قضية صراعنا مع إسرائيل؟ لا… يا سيدي. إن مشكلتنا مزدوجة، وإن للصهيونية الآن امتدادها العضوي في النظام العربي الراهن. الذين استسلموا لإسرائيل مائير والذين يتهيؤون للاستسلام، الذين يقمعون شعوبهم ويدوسونها، الذين ينهبون ثروات هذه البلاد ويبددونها، هؤلاء هم بعض امتدادات الصهيونية في الجسد العربي».
الخلود لسعد اللـه ونوس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن