الأولى

لماذا التفاوض.. وحول ماذا؟

| بيروت – محمد عبيد

يبدو أن ما يسمى «المنصات المتحدة» للمعارضة السورية، لم تقتنع بعد أننا في العام 2017 وأن التوازنات الداخلية السورية والإقليمية وكذلك الدولية التي شكلت رافعة بيان «جنيف1-2012» قد تبدلت كلياً إلى غير رجعة.
كما يبدو أن هذه المنصات التي راهنت كلٌ منها على طرف إقليمي معادٍ لسورية ولشعبها ولنظامها وخصوصاً لرئيسها، قد سقطت بالضربة القاضية بعد تخلي رعاتها التدريجي عنها نتيجة خلافات معظم هؤلاء الرعاة البينية، كما حصل مع مجموعة مجلس التعاون الخليجي، كذلك بسبب تراجع أو زوال اهتمام بعضهم الآخر بالأزمة في سورية إثر تورطه بحروب أخرى كما هو حال النظام السعودي في عدوانه على الشعب اليمني، كذلك إثر انكشاف تداعيات خطيرة لمشاركة البعض الثالث في الاعتداء على سورية مثلما حدث مع النظام التركي الذي شكل الحاضن الأساس لحركة الإرهاب من وإلى الداخل السوري، إلى أن وجد نفسه أسير هذا الإرهاب وما نتج عنه من تأسيس لحاضنة شعبية متعاطفة معه في الداخل التركي، وفي الوقت ذاته وجد نفسه مستنزفاً ومستغرَقاً في هواجس تَكَّون «كانتون كردي» على شريط حدوده، وهو أمر سعى منذ عشرات السنين النظام التركي الذي تعاقبت على إدارته تيارات عدة، بالقوة إلى منع قيامه.
أما الراعي الدولي الأساسي، أي الولايات المتحدة الأميركية، فقد أخفق أصلاً في الحفاظ على مواقعه السياسية في عملية التسوية المفترضة للأزمة في سورية، بعدما رفض أن يكون شريكاً فعلياً للند الروسي في صياغة مقدمات، للحوار السوري السوري الموعود، تكون واقعية ومقبولة من أطراف هذا الحوار كافة، إضافة إلى تهربه ومن ثم رفضه أن يحافظ على التفاهمات العسكرية مع هذا الند في ميادين قتالية حساسة في شرق سورية، وخصوصاً عندما لمس أن الالتزام بهذه التفاهمات سيؤدي، وأدى عملياً، إلى القضاء على تنظيم داعش الإرهابي والمجموعات المرتبطة به، ومن ثم أنهى إمكانية الاستثمار مجدداً في هذا التنظيم لتكريس مساحة وجود احتلالي أميركي على الحدود السورية مع العراق، في وقت رفضت فيه واشنطن أيضاً المشاركة في آليات أستانا لخفض التصعيد وصون دم السوريين وتخفيف آلامهم وحفظ مناطقهم وبيوتهم من الدمار.
فكيف لهذا الراعي أن يستثمر في مجموعة من «المعارضين» المنفصلين عن الواقع الشعبي السوري، بل كيف لهذه المجموعة أصلاً أن تجرؤ بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول القدس أن تجاهر باستنادها إلى الدعم الأميركي، وهي التي تحاول أن تقدم نفسها على أنها حالة وطنية ضنينة بالثوابت والمصالح السورية والعربية، أو أنها يمكن أن تشكل بديلاً للنظام في سورية من حيث موقعه القومي ودوره الإقليمي.
نحن أمام حالة «معارضات سياسية» فاقدة للشرعية الشعبية أولاً، ولا تحمل مشروعاً وطنياً وقومياً موحداً وواضحاً ثانياً، وجل ما تؤمن به بيانات لقاءات عواصم منصاتها أو قرارات دولية يستحيل تطبيقها بالتوافق نتيجة الاختلاف على تفسيرها، إضافة إلى انقسامها على نفسها وتصارعها على الحصص المالية التي كانت تردها من بعض أنظمة الخليج، كذلك اقتتال بعض أذنابها من العصابات الصغيرة المسلحة المسيطرة على مساحات جغرافية ضئيلة مُستلبة من الشعب السوري. جُل ما كانت تعتقد هذه «المعارضات» أنها تمتلكه هو الحيثية المعنوية التي حاول رعاتها توفيرها لهم وها هم اليوم يسلبونهم إياها، فلماذا التفاوض مع هذه المعارضات أو المنصات المتحدة حول ما لا يستحقونه، وخصوصاً أنهم غير مؤهلين لإدارته وحمايته نظراً لارتهانهم لأعداء سورية والأمة العربية.
تكفي مراجعة ما هو مضمر في طيات مطالبهم التفاوضية حول بنية الجيش العربي السوري وعقيدته الوطنية والقومية والتي شكلت الضمانة الأساسية لمنع تقسيم سورية، إضافة إلى موضوع مهام القوى والمؤسسات الأمنية التي كانت صمام أمان المجتمع السوري على تنوع شرائحه، يكفي ذلك وغيره لتثبيت اليقين بأن الهدف الكامن من خلال جر الحكومة السورية إلى لقاءات جنيف هو الاستحصال منها بالتفاوض على ما عجزت كل القوى المعادية لسورية عن انتزاعه منها بالقوة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن