قضايا وآراء

متى تقرر واشنطن محاربة الإرهاب؟.. وهل تفعل..؟!

عبد السلام حجاب : 

لأن المسألة تتعلق بالإستراتيجية الأميركية ومشاريعها بحساباتها الصهيونية في المنطقة، وما يشكله استهداف سورية، بتفتيت وحدتها الوطنية وضرب جيشها الوطني العقائدي عصبها الأهم، من نقطة علام فارقة وحاسمة في تلك الاستراتيجية.
فإن المواقف والتصريحات السياسية الأميركية، بما فيها التي تصدر عن قمة الهرم مؤخراً، تبقى مجرد كلام سياسي لا يغادر منطق ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين لخدمة الأغراض الاستراتيجية لسياسات واشنطن، حيث يمكن للمراقب الاستنتاج بأن واشنطن تسعى من وراء ذلك إلى تحقيق هدفين دعائيين أساسيين هما:
1- استثمار سياسي داخلي على ظهر الإرهاب يخدم حركة الرئيس أوباما وحزبه الديمقراطي في لعبة التنافس الديمقراطية شكلاً أمام الحزب الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
2- توفير ما هو ممكن وملائم من صيغ وتدابير للتخفيف من مخاطر تداعيات الإرهاب بعد إخراجه من القمقم وتمدده ليضرب أطرافاً داخل حلف أوباما، الإضافة إلى سعي ممثلي الإدارة الأميركية السياسية والعسكرية لمحاصرة المآلات الإيجابية التي تمكنت إيران من تحقيقها بتوقيع الاتفاق النووي ودخولها نادي الكبار الدولي.
ولعل قراءة ما بين سطور زيارة وزير البنتاغون الأميركي أشتون كارتر إلى كل من الكيان الصهيوني والسعودية وحقيقة المصالح المشتركة بينهما، وكذلك زيارة الوزير كيري التي سيقوم بها إلى الدوحة التي من المقرر أن يلتقي فيها أيضاً وزير الخارجية الروسية لافروف. إنما تشي بمجملها بالبحث عن سبيل تخرج الرئيس أوباما من سياساته المأزومة الناجمة عن إنتاج الإرهاب وإغراق حلفه بالاستثمار فيه مع الحفاظ ما أمكن على المصالح الاستراتيجية للسياسة الأميركية الصهيونية في المنطقة وجوارها، وإن كان في الأمر مفارقة لا تتماشى مع الواقعية السياسية التي بدأت تفرض إيقاعها ببطء مشوب بالحذر على المشهد السياسي الدولي.
وعليه فإن مبادرة الرئيس الروسي بوتين بشأن تشكيل تحالف إقليمي أو دولي لمحاربة الإرهاب بالتنسيق والتعاون مع سورية، ستظل نقطة تجاذب سياسي سيطول أمده في حال لم تحسم واشنطن قرارها تجاه مسألتين:
1- التخلي عن سياسة احتكار محاربة الإرهاب المخادعة وقد وجدت فيها سبيلاً لفرض شروط سياسية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية.
2- رفع السطوة السياسية الأميركية عن قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه ومصادر تمويله وتسليحه في سورية والعراق لاسيما والقرارات 2170 و2178 و2199 بما يلزم دولاً وأشباه دول كتركيا والسعودية وقطر والأردن، تنفيذ ما تفرضه مندرجات هذه القرارات.
ولاشك في أنه من دون تحقيق نجاح في هاتين المسألتين فإن جهود المبعوث الدولي دي ميستورا ستدور في فراغ ما لم تصبح محاربة داعش والنصرة والتنظيمات الإرهابية والتكفيرية الأخرى «مسؤولية دولية جماعية»، ومقدمة لابد منها للحل السياسي للأزمة في سورية بإرادة وقيادة سورية إذ إن أي وصفة أخرى ستكون أشبه بترخيص غير معلن للإرهاب ما يعني إحباطاً مبرمجاً لجهود دي ميستورا، وهو ما يفرض منطق الواقعية السياسية أن يتضمنه في تقريره القادم أمام مجلس الأمن الدولي، بعد سلسلة اللقاءات والمشاورات التي أجراها في الفترة الماضية والتي كان آخرها محادثاته في موسكو وطهران ودمشق، ما يجعل أوراقه التي سيحملها إلى مجلس الأمن ليست مجرد أوراق تضاف لرفوف مجلس الأمن بل تقرير نزيه وواضح يستند إلى الأهمية الاستثنائية لتعاون إقليمي أو دولي منظم إلى جانب سورية في محاربة الإرهاب باعتبار ذلك المدخل الرئيسي للحل السياسي الذي يريده السوريون كأولوية لابد منها وقد مهدوا له بعقد لقاءين تشاوريين استضافتهما موسكو ويجري الإعداد حالياً لعقد موسكو 3.
ويمكن القول إن السؤال حول متى تقرر واشنطن الحسم باتجاه محاربة الإرهاب من دون ازدواجية بالمعايير وهل تفعل ذلك، تبقى الإجابة عنه معلقة في أفق خطط أوباما الانتخابية في الفترة القادمة حيث قد يجعل الاستثمار بالإرهاب حسب طريقته في سلة خياراته القائمة كبديل من حرب لا يريد أن يخوضها بجنوده ما دامت الأدوات تقوم بذلك، على الرغم من أن التطورات الآخذة بالتموضع ولو ببطء على المشهد السياسي الدولي تشي بإمكانية ذهاب أوباما إلى ضفة الحوار باتجاه يتجاوز التلميح السياسي إلى الفعل الواضح والعلني في محاربة الإرهاب وتداعياته التي باتت مبعث قلق ومصدر خطر يهدد الجميع بلا استثناء، وهو ما حذرت سورية منه ونبهت إليه وأيدت أي جهد حقيقي وصادق ونزيه لمحاربته خارج سياسات الكيل بمكيالين ومحاولات الإقصاء واستخدام الإرهاب لغرض أجندات تصدت سورية لها وأكدت بصمودها جيشاً وشعباً طوال أربع سنوات ويزيد من عمر المواجهة الكونية قدرتها على إفشال تلك الأجندات وإحباط مشاريعها ودحر أدواتها الإرهابية كمقدمة موضوعية لا بديل منها لتحقيق إرادة السوريين وطموحاتهم الوطنية.
إنه لم يعد خافياً لمن يتابع إيقاع السياسة الأميركية مزدوجة المعايير أنها تسعى لتحقيق أهداف إستراتيجية على قواعد تحدد مساراتها الصهيونية العالمية وقوى الضغط للاستثمار إلى أبعد مدى ممكن قبل التصادم والانفجار في هوامش تأثيرات الحرب الباردة في هذا السياق. وهو ما يتيح الاستنتاج بأن مناقشة أوباما هاتفياً للعثماني السفاح أردوغان بشأن ما سمي إعلامياً «محاربة داعش الإرهابي» واعتبر سياسياً خطوة إلى الأمام قد أشارت تفاصيله إلى خطوتين للوراء، تتمثل الأولى بتنشيط دوره وتحسين موقعه بعد ما أفرزته الانتخابات التركية من وقائع ومعطيات على صعيد السياسة التركية اللاحقة داخلياً وخارجياً وأما الثانية فهي تصب في خدمة الاستراتيجية الأميركية في المنطقة وموقع تركيا في حلف الناتو والتي يمكن للمتابع أن يقرأ في خلفيتها مصالح الكيان الصهيوني وهو الأمر ذاته وإن اختلفت أدواته التنفيذية ومن اليسير ملاحظته في عدوان السعودية على اليمن أو في تحريك أدوات الإرهاب في الساحة المصرية والابتزاز المالي والسياسي الذي يمارسه حكام السعودية وقطر، إضافة إلى شراء الذمة السياسية لنظام الملك الأردني، ولعل تعويل أوباما على الإعلام المزور للوقائع والحقائق يكفل تسهيل الطريق أمامه لمواصلة سياسة الاستثمار بالإرهاب ضد سورية ومحور المقاومة، رغم كونه رهاناً خاسراً بوقائعه وتداعياته.
ومن دون شك فإن سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد ثابتة في خيارها الوطني بمحاربة الإرهاب ودحر فلوله والتصدي لمخططات داعميه والمستثمرين فيه، وتسجل أنموذجاً يحتذى في الدفاع عن الوطن والأمن والاستقرار في العالم. وهي حقيقة أكدها المشاركون في المؤتمر الإعلامي الدولي في برقية إلى الرئيس الأسد بقولهم: «ستبقى سورية ملاذ الأحرار وقلعة الحرية الحقيقية، وسيبقى شعبها نموذجاً للوحدة الوطنية وسيبقى جيشها خير مثال للوطنية والشجاعة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن