قضايا وآراء

قرار مواجهة من بوابة القدس

| يونس أخرس

في تحول كبير في الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة العربية عموماً والقضية الفلسطينية خصوصاً، لم يقدم عليه أي رئيس أميركي من قبل، فجر الرئيس دونالد ترامب قنبلة إعلامية تشظت دلالاتها السياسية والإستراتيجية على المستوى الفلسطيني والعربي والإقليمي، عندما اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإعلانه بدء ترتيبات نقل السفارة الأميركية إليها، وهو ما يعتبر خروجاً عن القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تعتبر القدس أرضاً محتلة، وتخلي الولايات المتحدة عن دورها كوسيط وراع للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ولما كانت القدس قلب القضية الفلسطينية وجوهرها، فإن هذا الإعلان يعني إفراغ القضية من مضمونها وتصفيتها، وفرض أمر واقع ينهي نضال الشعب العربي الفلسطيني من خلال إقامة دولتهم على أي أرض غير فلسطين، في ضوء صفقة القرن كخطة للسلام يقودها صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، والتي تتبنى إقامة وطن بديل للفلسطينيين على أرض سيناء.
لكن اللافت على المستوى العربي، أن اتصالات الترجي والتوسل لثني ترامب عن قراره، قامت بها بعض الدول العربية من حلفاء واشنطن في التآمر على الفلسطينيين وقضيتهم، وهو ما أحرج هذه الدول أي مصر والأردن، إلى حد بعيد، على حين وفرت كل من السعودية والإمارات الغطاء العربي لهذا القرار، إن لم نقل طالبت به، بالتزامن مع الضغوط الكبيرة التي مارستها على كل من مصر والأردن لتمرير خطة السلام الأميركية بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي تقضي بتوطين الفلسطينيين في سيناء كوطن بديل، كي لا يبقى حق للعودة، ولا دولة للفلسطينيين على أراضي الـ67 عاصمتها القدس.
أما على المستوى الإقليمي والاستراتيجي، فقرار ترامب هو أحد ارتدادات هزيمة الولايات المتحدة في سورية، وذلك لتعويض آمال إسرائيل من الحرب على سورية بتصفية القضية الفلسطينية، بعد تقسيم الدولة السورية إلى دويلات طائفية ومذهبية، تتحزب بنتيجتها شعوب المنطقة في دول عرقية وطائفية، مكونةً بيئة إقليمية تمكّن إسرائيل من إعلان يهودية دولتها، ويعطيها الحق في اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وتاريخهم، بمساندة ومؤازرة الدول العربية التي تكالبت على سورية ونهجها المقاوم.
يشير قرار ترامب إلى توجه أميركي يهدف إلى تحقيق اختراق يقابل ويواجه النفوذ الروسي المتصاعد في المنطقة من البوابة السورية، وتأكيد دورهم في صراعات المنطقة، وسطوتهم في فرض إرادتهم، لمصلحة حليفتهم إسرائيل رداً على كل من شكك في تراجع هذا الحلف أو ترهله. لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتأخر بالرد، بزيارته السياسية الشكل العسكرية المضمون إلى قاعدة حميميم، ليقول إن سورية قوية منيعة عصية على المتآمرين بجيشها العظيم، لذلك نحن معها وفيها، معلناً بدء سحب القوات الروسية من سورية، لتجريد الإدارة الأميركية من مبررات وذرائع بقاء قواعدها في سورية.
ولما كانت القدس أحد أهم مفاصل الصراع العربي الصهيوني، فإن إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، هو إعلان مواجهة مع محور المقاومة من طهران إلى غزة، من بوابة القدس، تلقفته إيران بتأكيدها الاستعداد لتقديم الدعم والمساعدة لحركات المقاومة الفلسطينية، أعلن عنه اللواء قاسم سليماني، كما تدرك معنى هذا الإعلان وأبعاده كل من سورية وروسيا، بأن المعركة لم تنته بعد، وأن المنطقة ما تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، فالكثير من جبهاتها نيرانها ملتهبة، فليس مصادفةً لقاء الرئيس الأسد بالرئيس بوتين مرتين خلال أقل من الشهر، تناولهما الإعلام والمحللون في سياق إطلاق الحل السياسي في سورية وتذليل عقباته، لكن البعد العسكري كان حاضراً في اللقاءين بقوة، فالرؤية الروسية للشرق الأوسط وإن خطت ملامحها مفاوضات الحل السياسي في سورية، لكنها بمنطق الميدان وانتصاراته التي حققها الجيش العربي السوري، فالدفاع عن القدس يبدأ من سورية، لأن القدس جغرافياً جنوب سورية، ووجدانياً في قلب دمشق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن