قضايا وآراء

تهافت الردود على جريمة ترامب

| يوسف جاد الحق

إزاء هذا الفيض الزاخر من الخطب والشعارات والتنديد والاستنكارات التي انطلقت في أكثر من مكان من العالم، رداً على قرار الرئيس الأميركي «دونالد ترامب»، عميل الصهيونية العالمية، باعتبار القدس العربية عاصمة أبدية «لدولة» عصابات اللصوص، التي سموها «إسرائيل»، إزاء هذا لا أجدني في حاجة لإضافة مزيد منه، ما لم يكن لدي جديد أضيفه وألفت النظر إليه؛ لم يتطرق إليه أحد على أهميته وخطورته من جهة، وبدهيته من جهة ثانية. من ذلك:
– لم يقل أحد للسيد ترامب من أنت يا هذا؟ حتى لو كنت رئيساً لدولة اسمها أميركا، تبعد عنا آلاف الأميال وراء المحيطات وأعالي البحار، لكي تعطي لنفسك الحق في تقرير مصير قطر عربي اسمه فلسطين؟ من خولك هذه الصلاحية؟ وبأي صفة منحتها؟
– نذكرك يا سيد ترامب بأن قرار مجلس الأمن وسائر الهيئات الدولية جميعاً مخالفة لما ذهبت إليه، وقد رميت قراراتها وراء ظهرك استهتاراً بها وبشعب فلسطين والشعب العربي عامة. بل إن جل حلفائك الأوروبيين يستنكرون ما أقدمت عليه، ويدركون أنه عمل رجل معتوه فاقد للأهلية والإحساس بالمسؤولية، أو إنه خانع للصهيونية العالمية التي جاءت بك إلى هذا المنصب خصيصاً لكي تحقق لها هدفها هذا تحديداً.
– لم يقل أحد للسيد ترامب إن الذريعة التي سقتها تبريراً لجريمتك النكراء، وغير المسؤولة ولا المسبوقة، وهي أن «الكونجرس» عندهم الذي سبق أن قرر عام 1995 بأن القدس «عاصمة» الدولة المغتصبة لفلسطين، وهو أمر مثير للدهشة وعلى قدر من السخف والهزل غير المعهود في أعراف العلاقات الدولية. هذا «الكونغرس» يا سيد ترامب مؤسسة أميركية «برلمان» اختصاصاته تتعلق بالشأن الأميركي وحده، دون أن تكون له علاقة بشأن خارجي كهذه المسألة التي تنطع فحشر نفسه فيما لا يخصه. ناهيك عن صلاحية تقرير المصائر لشعوب غريبة عنهم، وإذا كان هنا المجلس منحازاً للصهاينة لأن جل أعضائه منهم، فليكن ذلك على حساب أميركا، فليس له أن يبدي «كرمه وسخاءه» بمنح الصهاينة والإيباك ما يسعون إلى سرقته على حساب شعب آخر لا صلاحية له عليه، من قريب أو من بعيد وعلى أي نحو كان.
لم يعقب أحد على إعلان «السيد ترامب» الفج بأن «إسرائيل» هي «الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط. لم يذكره أحد من محبيه العرب خاصة بأن أصحاب هذه «الديمقراطية» يقتلون الفلسطينيين في كل يوم، ينسفون بيوتهم فوق رؤوسهم، لا يدعون لهم في الداخل والخارج حرية العيش على أرضهم، ومدنهم وقراهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم الكنعانيين والآراميين منذ آلاف السنين. ليقترح عليه هؤلاء بأن يلقي نظرة على الشاشات والفضائيات إبان استمتاعه بتناول عشائه الفاخر، وفيما الآخرون يعانون الجوع والإملاق ليرى أي قدر من الظلم والاضطهاد يمارسه صهاينة «الديمقراطية» على شعب فلسطين الأعزل المحاصر من كافة الجهات، بما فيها البحر والسماء. يحدث هذا في الوقت الذي لم يقدم فيه الفلسطينيون «أعداء الديمقراطية!» على ممارسة مماثلة حيال أي يهودي، وهو مغتصب أو مستوطن دخيل. لعلك لم تشهد يا «سيد ترامب» عمليات إخراج عائلات فلسطينية كاملة من منازلها في القدس عنوة وبقوة البندقية ليلقى بهم في عرض الطريق، ليتسلمها من ثم مستوطنون جاؤوها من شتى أرجاء الأرض، بتمويل لهذه الأعمال الإجرامية من الرأسمالية اليهودية العالمية أمثال «جورج سوروس» و«آل روتشيلد».
لكن والحق يقال، لم يفت «السيد ترامب هذا» أن يمنّ على العرب- مسيحيين ومسلمين- بأن الدولة العبرية سوف «تسمح» لهؤلاء بارتياد أماكن عبادتهم..! متجاهلاً أن المسألة ليست دينية وإنما هي سرقة وطن من أصحابه.
جريمة «السيد ترامب» اليوم هي نفسها جريمة «بلفور» قبل مئة عام، التي كانت لتداعياتها ومفاعيلها كل ما مر على العرب من خراب ودمار، وما حل بهم من ظلم، وما فقدوا من أرواح وبذلوا من دماء. هي اللعبة ذاتها «من لا يملك يمنح من لا يستحق» والفلسطينيون والعرب هم الضحايا في سائر الأحوال.
فيا أيها العرب، ويا أيها المسلمون، ماذا أنتم فاعلون؟ وقد سقط حتى الآن من الضحايا شهداء وجرحى من الرجال والنساء والأطفال على أرض فلسطين الكثير في تصديهم للقراصنة والمجرمين دفاعاً عن قدسهم، وثرى وطنهم لكيلا تمر الجريمة الترامبية البلفورية الجديدة.
وهذه، في يقيني، برغم ما سلف بداية لانتفاضة جديدة لا تبقي ولا تذر، فلقد بلغ السيل الزبى على أيدي صنّاع الإرهاب العالمي في هذا العصر وقد آن الأوان لاقتلاع كيانهم من الجذور مرة واحدة وإلى الأبد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن