قضايا وآراء

القدس وترامب والابتزاز السياسي

| منير الشواف

لم أجد سبباً معقولاً أو واقعياً لردة فعل الأنظمة والشعوب العربية والإسلامية على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بخصوص نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس الشريف، وكأن فلسطين ومنها القدس قد سقطت بيد اليهود هذه الساعة، ماذا جرى من جديد حتى تظهر هذه الغضبة «المضرية» كما يقول لسان حال العرب يوم ذي قار أو يوم سقوط الأندلس.
الجميع يعرف أن فلسطين سقطت بيد اليهود في 5 حزيران عام 1967 وسيطر اليهود على القدس شرقيها وغربيها، وصدرت قرارات عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن بهذا الخصوص، على أنها أراض محتلة لا يجوز بموجب نظام الأمم المتحدة للمحتل إحداث أي تغيير أو تصرف على هذه الأصول، وهي أمانة بيد المحتل حتى يتم إرجاعها إلى أصلها السابق، لكن اليهود لم يردوا على هذه القرارات واستمروا منذ عام 1967 حتى الآن يعيثون فيها فساداً ضاربين عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة، وخلال هذه المدة تحولت قضية فلسطين ومنها القدس من قضية إسلامية عربية إلى قضية عربية، ثم إلى شأن فلسطيني، متراجعة من «فلسطين مغتصبة» إلى «إزالة آثار عدوان 1967»، مقابل اعتراف بدولة اليهود على أرض فلسطين ما قبل عام 1967، ثم إلى موضوع ضفة غربية ثم غزة ثم شوارع (أ- ب) ثم إلى قضية قدس شريف ومناطق مقدسة، وتجري المساومة على إعادة القدس الشرقية مقابل نسيان القدس الغربية، ثم إلى تدويل الشرقية ثم إلى إشراف إسلامي مسيحي على المناطق الإسلامية في القدس.
بعد كل ذلك يخرج علينا ترامب بقرار يقضي بنقل سفارته من تل أبيب إلى القدس الشريف، وتنوح الأنظمة العربية، وتخرج المظاهرات الغاضبة في فلسطين ومناطق عربية وإسلامية أخرى منادية بسقوط وشجب هذا القرار الظالم، حيث أعطى من لا يملك إلى من لا يستحق، وهذه العبارة الممجوجة التي لا نزال نسمعها منذ 1948 حتى الآن.
لم يخرج أي مسؤول أو معلق سياسي ليقول لترامب انقل سفارة بلادك إلى القدس إن رغبت أو إلى أي مكان من فلسطين، ومستعدون لتحمل كلفة ومصاريف النقل، لأن قرارك ليس له أي قيمة، وما هو إلا نوع من أنواع التحريك السياسي لإشعار العالم العربي والإسلامي أن الولايات المتحدة الأميركية بلد مهم وقادر على صنع الأحداث وتحريكها.
إن فلسطين كلها بيد اليهود، فما يضيرنا إن كانت عاصمتها في تل أبيب أو القدس، وما فعلك إلا نوع من أنواع الابتزاز السياسي للدول العربية والإسلامية، وأنت تاجر ابن تاجر لا تقوم بعمل إلا بقصد المنفعة، وإننا لن ندفع لك ولا قرشاً واحداً لكي تتراجع عن هذا القرار الصوتي الخلبي أو تخفف من لهجته أو تعديله، حتى لو كلفت وزير خارجيتك ريكس تيلرسون بتفسير يتلاءم مع قبض الثمن، ولن يفكر أحد من الحكام باسترضائك، وقرارك لا يؤخر ولا يقدم، واليهود يعلمون ذلك، ولذلك لم يسجل المراقبون السياسيون أي ردة فعل فرح أو سرور أو تأييد على لسان مسؤولين يهود من الدرجة الأولى، لأنهم يعلمون أنه لا قيمة لهذا القرار، فأرض فلسطين بيدهم ولن يستطيع أحد أن يؤثر في وضعها القانوني، لأن السيطرة عليها أمر واقع، وهم يدركون بأن فلسطين والقدس إما أن تبقى بيدهم إلى الأبد، أو يفتح الله على العرب والمسلمين، أو يعيدوها ضمن وضع دولي تكون الغلبة فيه لهم، وستغني النظام الدولي المتوقع عن خدماتهم.
إذن قرار ترامب هو نوع من أنواع الفعل السياسي، والمقصود منه المنفعة المادية لأميركا التي تدخل تحت بند الابتزاز، وزيادة عليها فإن العرب، والمسلمين يتغاضون عن حقهم في فلسطين وحقهم في المناطق المقدسة من فلسطين بإدارة عربية وإشراف دولي.
وبذلك لا يعدو أن يكون قرار ترامب بشأن القدس سوى فرقعة صوتية بمقصود سياسي قد يجلب منفعة مادية للولايات المتحدة ويصرف نظر العرب والمسلمين عن فلسطين، وبذلك يتحقق مراد الجهة السياسية التي أشارت على ترامب بإصدار هذا القرار في هذا الوقت بالذات.
الأهم، الدافع السياسي للإدارة الأميركية ذات المقود الخلفي، لقيادة ترامب إلى أكثر من استيعابه السياسي، ما يعني تصعيد الفوضى الخلاقة التي بدأتها الإدارة الأميركية بصورة علنية عن طريق إثارة الشعور الديني الغاضب لتحطيم حدود سايكس بيكو، البريطانية الفرنسية، للوصول إلى شرق أوسط كبير تبنته الإدارة الأميركية منذ عام 2003 منذ اجتياح العراق، وأعلنته وزير الخارجية الأميركية آنذاك كونداليزا رايس عام 2006 من اجتياح جنوب لبنان، وهذا ما يفسر سبب عدم سرور الكيان الصهيوني بقرار نقل السفارة إلى القدس، إنها سياسة أميركا التحتية التي ينفذها ترامب من غير أن يستوعبها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن