ثقافة وفن

الذكرى الـ13 لرحيل ممدوح عدوان … حمل هواجسنا ورصد أحوال البشر وكشف عن الوحش المختبئ في أعماق الناس

| وائل العدس

ممدوح عدوان المبدع في الشعر والمسرح والرواية والكثير من الأعمال التلفزيونية والمقالات، يحمل هواجسنا في أدبه وأعماله، يوثق ويرصد أحوال البشر، ويكشف عن الوحش المختبئ في أعماق الإنسان.. يدق ناقوس الخطر قبل وقت طويل مما وصلنا إليه.
واتخذ عدوان الذي رحل قبل 13 عاماً من الحقيقة والواقع منهجاً لكتابة خشنة وصدامية بعيداً عن عالم الفلسفة والتفلسف حيث ينبع الموقف الجمالي من خلال الأحداث وينبثق عنها ويكون هو الغاية لا الوسيلة لتصبح الحقيقة هي البطل متمثلةً بالعنف والموت والقتل، غير أنه لم يقتصر في تعبيره على صراع الفلاح مع الإقطاع بل عبر عن انعكاسات هذا الصراع في واقع الفلاح ذاته فمشكلة الإقطاع لا تتمثل في كتاباته بالظلم المادي إنما تتخطاها نحو القهر المعنوي ممتدةً من خلالها إلى مناحي الحياة كافة.
ثلاثة وستون عاماً عاشها عدوان وهاجس البحث الدائب يتملكه، مذ كان طفلاً في المدرسة يتنقل في القرى والأرياف مع والده حتى استقر به المطاف في مصياف، ومنها انتقل إلى الجامعة في دمشق بعد فترة انتظار، والتي كانت نافذته على عالم الفكر والثقافة والمعرفة، فانطلق يغرف منه بلا شبع.

للراحل بصمة راسخة في ذاكرة الثقافة العربية، وأحد الذين آمنوا بدور الكاتب والمثقف وقدرته على معالجة الموضوعات كافة، وقد قال في هذا السياق: «أرى أن على المثقف أن يستمر بمعالجة كل الموضوعات التي يرى أنه مؤهل لمعالجتها، أو يرى أن هناك ضرورة لمعالجتها، ولو بدا أن صوته في فراغ. فليس هناك صوت في فراغ، دائماً هناك من يقرأ، وهناك من يتابع، ولكن قد لا نحس به مباشرة».
في ذكرى رحيل الأديب الكبير لا نملك سوى الأمل في ألا يترك تراثه الكبير بعيداً عن مستحقيه الحقيقيين، وهم الناس الذي كتب لأجلهم ممدوح عدوان ولهم، وربما تُعاد قراءته من جيل الشباب الذي يمثل ما كان ممدوح يضعه نصب عينيه دائماً «المستقبل».

سيرة حياته
ولد عدوان في 23 تشرين الثاني عام 1941 في قرية قيرون بالقرب من مصياف في محافظة حماة، وتخرج في جامعة دمشق – قسم اللغة الإنجليزية 1966، وعمل صحفيّاً (في جريدة الثورة) منذ 1964، لكنه كتب المقالة في العديد من الصحف السورية والمجلات العربية حتى وفاته.
ومنذ أن وعى الحياة وهو يحمل اسمين أحدهما موجود في الوثائق وآخر يناديه به الأهل في القرية، والثاني هو الاسم الذي اشتهر به أدبياً. فعند ولادته قرر الأهل تسميته بمدحت وفعلاً تم ذلك وأصبح يطلق على والده «صبري» اسم «أبو مدحت» إلا أن أحد الأعيان أشار إليه بضرورة تغيير الاسم باعتباره اسماً تركياً ويجب تغييره بسبب المآسي التي عاناها الشعب السوري من الحكم العثماني لسورية، فاشتهر بعدها باسمه المعروف ممدوح.
ولم يعرف ممدوح باسمه الحقيقي إلا عندما التحق بالمدرسة الابتدائية وهناك اكتشف اسمه، ولكن الناس بقوا يعرفونه باسم مدحت الذي أصبح لا يستعمله إلا عندما يزور القرية.
بدأ نشر الشعر منذ عام 1964 في مجلة الآداب اللبنانية والمجلات العربية الأخرى.
وترك وراءه 26 مسرحية مطبوعة قدمت على المسارح في سورية وفي دول عربية متعددة، كما نشر 17 مجموعة شعرية في دور نشر سورية وعربية.
كما نشر 30 كتاباً مترجماً عن الإنكليزية في الأدب والفكر والمسرح، وأصدر ستة كتب نثرية حول هواجسه في الأدب والفن والحياة عامة.
كما درّس مادة الكتابة المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق منذ عام 1992.

إرث غني
لعدوان 26 مسرحية و22 مجموعة شعرية وروايتان و8 كتب متنوعة و26 كتاباً مترجماً.
المسرحيات هي «المخاص، محاكمة الرجل الذي لم يحارب، كيف تركت السيف، ليل العبيد، هملت يستيقظ متأخراً، الوحوش لا تغني، حال الدنيا، الخدامة، لو كنت فلسطينياً، اللمبة، زيارة الملكة، الزبال، القيامة، أكلة لحوم البشر، الميراث، حكايات الملوك، القبض على طريف الحادي، حكي السرايا وحكي القرايا، القناع، سفربرلك، الغول، ريما، الحمام، الفارسة والشاعر، عادت مختلفة، الكلاب».
المجموعات الثماني الأولى صدرت عام 1981 في مجلدين عن دار العودة.
وفي الشعر ألف عدوان 22 مجموعة شعرية هي «الظل الأخضر 1967، تلويحة الأيدي المتعبة 1969، الدماء تدق النوافذ 1974، أقبل الزمن المستحيل 1974، يألفونك فانفر 1977، أمي تطارد قاتلها 1977، لا بد من التفاصيل 1979، للخوف كل الزمان 1980، وهذا أنا أيضاً 1984، والليل الذي يسكنني 1987، أبداً إلى المنافي 1990، لا دروب إلى روما 1990، أغنية البجع 1997، للريح ذاكرة ولي 1997، طيران نحو الجنون 1998، وعليك تتكئ الحياة 1999، كتابة الموت 2000، مختارات 2000، مختارات طفولات مؤجلة 2001، حياة متناثرة 2004».
أما الروايتان الوحيدتان فهما «الأبتر 1969، أعدائي 2000».
ومن كتبه المتنوعة «دفاعاً عن الجنون 1985، الزير سالم 2002، نحن دون كيشوت 2002، تهويد المعرفة 2002، حيونة الإنسان 2003، جنون آخر 2004».
ومن كتبه المترجمة «الشاعر في المسرح، الرحلة إلى الشرق، ديان، التعذيب عبر العصور، خيمة المعجزات، عودة البحار، حول الإخراج المسرحي، الكوميديا الإيطالية، عاصفة، الصبر المحترق، صلاح الدين وعصره، الشيخ والوسام، تاريخ الشيطان، تاريخ التمثيل، الأوديسة، زجاج مكسور».

في الدراما
اشتغل عدوان في كتابة الدراما للتلفزيون نظراً لأهميتها للناس معولاً على فن السيناريو الذي درسه في المعهد العالي للفنون المسرحية لسنوات طويلة.
كتب عدوان أكثر من عشرة مسلسلات، لعل أهمها «دائرة النار» 1988 الذي أخرجه هيثم حقي، ويدور المسلسل في إطار اجتماعي حول سكان إحدى حارات دمشق، حيث يتعرض لاختلاف طريقة تفكير كل فرد من أفراد المجتمع، من خلال تسليط الضوء على ثلاثة أبناء في عائلة واحدة، كل واحد منهم يمثل طريقة تفكير، فالكبير تقليدي، والأصغر متعلم وواع، والأوسط يتأرجح بينهما على حسب مصلحته، وقدم أدوار البطولة محمد العقاد وعبدالفتاح المزين وحسن دكاك وطلحت حمدي وسامية الجزائري وعبد الهادي الصباغ.
في عام 1992، كتب سيناريو وحوار مسلسل «جريمة في الذاكرة» عن قصة لأجاثا كريستي، أخرجه مأمون البني وشارك في بطولته خالد تاجا وسمر سامي ونجاح سفكوني وعبد الهادي الصباغ ورياض نحاس.
أما أكثر الأعمال التي كتبها واشتهرت محلياً وعربياً فكان مسلسل «الزير سالم» عام 2000، حيث أنجز صياغة درامية لملحمة الحرب العربية الأولى (حرب البسوس)، التي وقعت أحداثها قبل ظهور الإسلام بين قبيلة (تغلب بن وائل) وأحلافها ضد (بني شيبان) وأحلافها من قبيلة (بكر بن وائل)، بعد قتل (الجساس بن مرة الشيباني البكري) لـ(كليب بن ربيعة التغلبي)، وظهور الشخصية العربية الملحمية (عدي بن ربيعة التغلبي) الملقب بـ(الزير سالم) وسط الأحداث.
أخرج المسلسل حاتم علي وشارك فيه سلوم حداد وفرح بسيسو وعابد فهد وجهاد سعد وزهير عبد الكريم وفاديا خطاب وخالد تاجا.
وبعد عامين، روى عدوان سيرة الشاعر أبي الطيب المتنبي في مسلسل حمل اسمه، وأخرجه فيصل الزعبي وشارك في بطولته سلوم حداد وعابد فهد ونادين خوري وتيم حسن.
وفي 2009 تم إنتاج مسلسل «الدوامة» وهو حكاية افتراضية تتناول سنوات الطمع والكفاح والحب للشعوب العربية.. وتدور أحداثها خلال السنوات الأولى من استقلال العالم العربي (1949-1951)، في محاولة لدراسة البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع السوري خلال السنوات الأولى لفترة ما بعد الاستقلال، وكشف المحاولات الخارجية للسيطرة على ثروات البلاد العربية، وخاصة النفط، وتصدي الدول العربية مجتمعة لهذه المحاولات.
أخرج العمل المثنى الصبح وشارك في بطولته منى واصف وسلوم حداد وعابد فهد وأيمن زيدان.

جوائز وتكريمات
حصل الأديب الراحل على كثير من الجوائز والتكريمات نذكر منها:
جائزة عرار الشعرية عام 1997 في الأردن.
كُرم في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته العاشرة بوصفه واحداً ممن أغنوا الحركة المسرحية العربية.
كُرم في معرض الكتاب في القاهرة عام 2002 من أجل مختارات شعرية بعنوان «طفولات مؤجلة».
كُرم في 7/3/2003 في دمشق بوصفه رائدًا من رواد المسرح القومي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن