قضايا وآراء

مستقبل التحالف الدولي

| مازن جبور

مستقبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابي، بدأ يفقد ذرائعه على وقع هزيمة التنظيم من قبل الجيشين السوري والعراقي والقوات الرديفة لهما والقوات الحليفة الإيرانية الروسية، ولعل مستقبل التحالف بات دراماتيكيا على وقع مجموعة من الملفات والقضايا الخلافية بين أعضائه وخاصة الكبار الأوروبيين منهم، وبات مرهوناً بالقدرة على التوصل إلى تقاربات روسية أوروبية وأوروبية سورية، قد نشهدها العام المقبل.
منذ انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مثلت مجموعة من القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية العالمية المتصاعدة، منبتاً للخلاف بين الولايات المتحدة ومجموعة الدول التي تعتبر في مصاف الدول القائدة للنظام الدولي والحليفة لواشنطن، الأمر الذي قد يدفعها إلى إعادة النظر في دخولها ضمن التحالف الدولي، وأن تفكر مليا بالخروج منه والاتجاه نحو موسكو ودمشق بما يحقق ذلك من مصالح أمنية خاصة بتلك الدول.
بداية، غزوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الخليج العربي حيث حط رحاله في السعودية ليغتنم منها قرابة 400 مليار دولار أميركي، لم تكن مرضية لباقي الأطراف الحليفة أو السائرة في بوتقة السياسة الأميركية، فكيف لترامب وحده أن يجني هذه المبالغ دون محاصصتها، وبالتالي أصبحت موارد الخليج لعشر سنوات قادمة على الأقل حصة أميركية محضة، وبقي الفتات للدول الأوروبية الأخرى وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا.
على المقلب الثاني صارت المشاركة في التحالف مفضوحة، كونها لم تسهم في القضاء على التنظيم، في الوقت الذي ساهمت فيه الولايات المتحدة بنقل قادته إلى مناطق أخرى في العالم، وعاد الكثير من أفراد تلك التنظيمات الإرهابية إلى بلدانهم الأصلية، وبات هؤلاء وأسرهم يشكلون مصدر تهديد رئيسي لتلك البلدان، ولعل هذه الدول أدركت خديعة أن أبسط مكسب كان يجب أن تجنيه من دخولها في التحالف، وهو القضاء على إرهابييها الذين سهل لهم المرور إلى الشرق الأوسط، لم يتحقق، وهي اليوم تعيش هواجس رعب من هؤلاء، وتنشد المساعدة في ضبطهم، وستكون موسكو ودمشق محجتها إلى ذلك.
إن البحث عن مواجهة حقيقية للإرهاب سيدفع بدول أوروبا الغربية للدخول في أحلاف جديدة على مستوى القارة العجوز، هدفه ضبط إرهابيي القارة، ولعل موسكو الأجدر والأقدر بطرح هكذا مشروع وإعادة ضبط العلاقات مع أوروبا على وقع البيانات التي بحوزتها من حربها على الإرهاب في سورية، وهو ما سيشكل بالطبع حاجة لدخول سورية على خط هكذا حلف.
لقد مثل كل من مسعى واشنطن للانقلاب على الاتفاق النووي الإيراني، والاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، نقاط خلاف عميقة مع سياسة الولايات المتحدة في قيادة العالم، وظهر ذلك جلياً في التصريحات الأوروبية الرافضة لموقف ترامب الجديد من الاتفاق في كل من مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة بالوقوف علانية ضد القرار الأميركي، وهي مواقف ذوات حدين على واشنطن، ففي الوقت التي برز في التصويت موقف علني معارض لسياسة الولايات المتحدة، حمل التصويت من دون قصد موقفاً متقاطعاً مع السياسة الروسية، وهو ما قد يمهد بشكل أو بآخر لتفاهمات أكثر وضوحاً وأكثر تعبيراً عن رغبة الفواعل الدوليين الرئيسيين في هرم النظام الدولي، مع موسكو.
إن الخلافات السابقة لابد ستنعكس على التحالف الدولي الذي باتت مصالح الدول الكبرى الداخلة فيه صفرية، وبل بات يمثل أعباء اقتصادية وأمنية وسياسية على الدول الداخلة فيه وبات الخروج منه قراراً صائبا، مما سيجعل مستقبل التحالف دراماتيكيا على وقع الملفات والقضايا الخلافية السابقة بين أعضائه وبات مستقبله مرهوناً بالقدرة على التوصل إلى تقاربات روسية أوروبية وأوروبية سورية، قد يشهدها العام المقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن