قضايا وآراء

مأساة القدس.. المسؤولية

| مصر- محمد أشرف البيومي

يغمرني شعور بالغضب والمهانة رغم ثقتي بنصر قٌادم لا محالة مهما طال الزمن وكثرت الصعوبات وتعددت العقبات، والذي يصاحبها إصرار بمواصلة التحدي للسياسات الأميركية الإجرامية والتي يواجهها وطننا العربي ودول أخرى عديدة.
إن العدوان على الدولة السورية والشعب السوري وعلى شعب اليمن، ومن قبلها العراق، والدمار الذي لحق بليبيا والعدوان المتواصل علي فلسطين والجرائم البشعة في فيتنام ولاوس وكمبوديا يكفي لغضب البشرية جمعاء، فهذه الممارسات تعكس طبيعة الإمبريالية والإدارات الأميركية المتعاقبة والمتسمة بالعنف والاستغلال والعنصرية، وهي نفس طبيعة حليفها الإستراتيجي الكيان الصهيوني الذي زرع في قلب أمتنا العربية ومن ثم، فلا بديل عن مواجهته والقضاء عليه وهزيمته.
لقد توالت ضربات قاصمة للمشروع العربي بدءا باتفاقية كامب دافيد ومعاهدة «السلام» المصرية التي وقعها الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات في غياب كامل من قبل الشعب المصري وأدت عملياً إلي تحييد مصر، الدولة المركزية، عن الصراع ضد العدو الصهيوني وحلفائه، وغرقها في التبعية.
لقد ارتبط مسار «السلام» بشكل وثيق بـ«الانفتاح الاقتصادي» منذ البداية فأصبح اقتصادنا استهلاكيا غير إنتاجي فتفشت البطالة وتفاقمت معاناة الشعب بطبقاته الفقيرة والمتوسطة وأصبحنا أسيري المعونات والقروض بشروطها المجحفة العائقة للتقدم، كما أصبحت أداة للابتزاز فلقد هدد ترامب مؤخراً بقطعها عن الدول التي تقف ضد تحويل القدس عاصمة للكيان الصهيوني.
كما أن هذه الاتفاقات فتحت الباب على مصراعيه لاتفاقات استسلامية أخرى وهي وادي عربة وأوسلو، فمفاوضات السادات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها مناحيم بيغن في مينا هاوس كانت بمثابة تمثيلية مفضوحة أعطت غطاء زائفا بأن اتفاقية كامب دافيد ليس اتفاقاً منفردا وأنها لم تهمل القضية الفلسطينية وأن الفلسطينيين أنفسهم هم الذين رفضوا استلام الضفة وغزة عندما سنحت الفرصة، وبالطبع أدت الآلة الإعلامية دورها بكفاءة للتضليل ولإدانة الفلسطينيين من خلال حملات تشويه وشعارات دنيئة مثل «أولها فلس وآخرها طين»، وترديد مقولات كاذبة مثل «الفلسطينيون باعوا أرضهم»، مما ساهم في نمو الشعور السلبي من قبل بعض المصريين، كما ساهم في دعم هذا الشعور السلبي تصرفات شريحة مستغلة وفاسدة من الفلسطينيين وقياداتهم.
ثم جاء اتفاق وادي عربة تكملة منطقية لمسلسل الاستسلام مما وجه لطمة أخرى لفلسطين، أما أوسلو فلا شك أنها الضربة الكبرى، فالسلطة الفلسطينية أصبحت فعلياً أداة قمع للمقاومة الفلسطينية، أي أن العدو الصهيوني أصبح له شريك في منع انتفاضات مزعجة هي السلطة الفلسطينية.
لقد أصبح رجال الأعمال الفاسدين الذين أثروا ثراء فاحشا، جزءاً لا يتجزأ من السلطة سواء في مصر أو فلسطين بجناحيها في غزة ورام اللـه، كما لعبت الدول العربية الرجعية مستخدمة ثرواتها البترولية في التراجع الكبير والانحسار الملحوظ عن القضايا القومية باعتبارها واقعيا حليفا للإمبريالية والصهيونية كما تثبت التطورات الحالية.
ورغم كل هذه التطورات السلبية، فقد حققت الحركات الشعبية لمقاومة «التطبيع» مع العدو الصهيوني والمقاطعة كسلاح شعبي، نجاحاً كبيراً في الثمانينيات، وخصوصاً في أعوام 2000 حتى 2003 عندما اتسع التجاوب الشعبي بدرجة ملحوظة، وبعد احتلال العراق أفل هذا النشاط، كما تغيرت الأولويات بشكل مفاجئ وانحسر النشاط الوطني بازدياد تأثير المنظمات الممولة أجنبيا المتخفية في رداء محاربة الاستبداد ونشر الديمقراطية، وبالتزامن مع ذلك صعدت حركات نيوليبرالية تهمل القضايا الوطنية أو تسقطها بل أحياناً تدعو إلى التدخل الأجنبي مثل مجموعة «إعلان دمشق» في سورية.
من هنا ينصب جزء كبير من استيائي من قرار ترامب على هؤلاء المثقفين المزيفين وبالتأكيد على دول الرجعية العربية وأتباعها من المثقفين الذين خضعوا لليبرالية الجديدة وتبنوا أهدافها وفي قلبها إهمال القضايا القومية، بل أصبحوا أبواقا للإمبريالية أو للرجعية العربية وأصبح بعضهم دعاة لما يسمى بالتطبيع مع العدو الصهيوني، وصاروا يتهكمون على المثقفين الملتزمين الذين يعادوا الثلاثي البغيض: الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية، وكتبوا المقالات يصفون شعاراتهم بالشعارات الخشبية التي عفا عليها الزمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن