اقتصاد

الأدوية المهرّبة والمزورة أكبرخطر على الصحة وعلى الصناعة الوطنية … 2 بالمئة فقط من الأسماء الدوائية مفقودة والادعاء بغير ذلك لمحاربة الدواء المحلي

| بقلم الدكتور زهير فضلون

من الطبيعي أن تجابه أي صناعة وطنية منافسة قوية ممن كان يسيطر على السوق قبل وجودها. وتتمثل مصادر منافسة الدواء السوري بالأدوية المستوردة من الأسواق العربية أو الأسواق الأخرى، والأدوية غير الشرعية (المهربة) والمزورة مجهولة المصدر.
أما الأدوية المستوردة بصورة نظامية فمنافستها تبقى في الإطار الاقتصادي ولها علاقة بتوفر المنتج المحلي وتحكم قواعد الاستيراد بالتعليمات التي تقضي بالسماح باستيراد الصنف إذا كان منتجاً من معمل واحد فقط أو كان مفقوداً. وفقدان الدواء المحلي، على رغم ندرته، له أسباب تتعلق بتكلفة الإنتاج فهذه الأصناف أصبحت لا تغطي تكلفة إنتاجها وبالتالي يقل تواجدها بالسوق وتقوم الجهات المعنية حالياً بتسوية أوضاع هذه الأدوية. وبتسوية أوضاع هذه الأدوية سيتم توفرها بالسوق المحلية ولن يكون هناك مبرر لاستيرادها.
لكن الخطورة على الصحة والصناعة الوطنية تكمن في الأدوية المتواجدة في السوق المحلية بصورة غير شرعية ومهربة. وتعتبر كافة الأدوية المهربة مشكوكاً بها لأنها لم تسجل وتستورد أصولاً في سورية، ويكون الدواء المهرب بحكم الدواء المزور مشكوكاً بمكوناته وفعاليته. وكلما أثبتت صناعة الدواء الوطنية فعاليتها ووجودها وجودتها كلما ازدادت عليها الحملة من الجهات المضادة المتضررة من وجود منتج وطني يقطع دابر الاستيراد. وتلجأ هذه الجهات إلى أساليب عدة لمحاربة سمعة وانتشار الدواء الوطني، مثل الفقدان المزعوم أو عدم الفعالية أو وجود آثار جانبية خطيرة أحياناً.

إن فقدان بعض الأصناف الدوائية لم يتعد في أي مرحلة من المراحل نسبة 10 بالمئة من الأصناف المسجلة وحالياً يتراوح حول نسبة 2 بالمئة من الأسماء التجارية حسب إحصائيات وزارة الصحة. ولدى فقدان اسم تجاري معين يتوفر له بديل محلي بنفس التركيب الدوائي لمعمل آخر. أما الإدعاء بعدم الفعالية، فهذا يحتاج إلى قرائن مثبتة علمياً وهذا ما لم يتوف في أي مرحلة من المراحل. وأياً كان ما يدعى من نقاط سلبية للدواء الوطني فهي غير مثبتة علمياً ووزارة الصحة دائماً هي المؤتمنة على صحة المواطن ولا تتوانى عن سحب أي دواء تظهر له آثار سلبية أو يثبت بالدليل مخالفته للمواصفات.
لذلك نجد أن الدفاع عن صناعة الدواء الوطنية لا يأتي من فراغ، وإنما هو نتيجة لصناعة أثبتت نفسها محلياً عبر عقود ثلاثة كانت فيها مصدر 90 بالمئة من العلاج المتوفر في سورية، وأثبتت نفسها خارجياً في الأسواق العربية وغير العربية ونافست بقوة منتجات مضى عليها سنوات طويلة في تلك الأسواق. ورغم ذلك، ما زال ينقصنا الكثير لمتابعة الصمود وتحقيق التطور المطلوب.
إن العمل في دعم وحماية صناعة الدواء أشبه بعازفين متعددين في فرقة سيمفونية، لكل دوره الذي يكمل دور الآخر، فمهمة صناع الدواء هي المحافظة على المستوى المطلوب للجودة وتوفير الدواء بالسعر المنافس وبشكل يضمن المنافسة السعرية مع المستورد، ومهمة الطبيب والمريض بتفضيلهما المنتج الوطني عندما تتطابق المواصفات، ومهمة المؤسسات غير الحكومية هي القيام بحملة جماعية لترويج المنتج الوطني ورفع مستواه الفني وتحسين أداء المنتجين التجاري والتسويقي، في حين تتمثل مهمة النقابات الطبية والصيدلانية الترويج للصناعة الوطنية وعدم السماح بترويج ووصف الأدوية غير النظامية، ودور المؤسسات والأجهزة الحكومية يتمحور حول خلق بيئة اقتصادية وتشريعية ملائمة لإنتاج جيد ورخيص ومربح للمنتج وبنفس الوقت قادر على المنافسة ومحاربة تواجد الأدوية غير النظامية.
يجب ألا ننسى أن هناك ما يزيد على سبعين معملاً دوائياً قيد الإنتاج حالياً موزعة على مساحة الجمهورية كلها. تشغل ما يزيد على ثلاثين ألفاً من العمالة الماهرة وتشغل نفس العدد أو يزيد في الصناعات الرديفة والمساندة لصناعة الدواء، تؤمن ما يزيد على 85 بالمئة من حاجة البلد من الدواء، وتوفر على المواطن 75 بالمئة من تكلفة سلته الدوائية، والأهم من ذلك كله تحقق الأمن الدوائي حقيقة وواقعاً. صناعة كهذه لا بد للجميع مواطن وحكومة، من حمايتها ودعمها لتستمر وتتطور.

في جودة الدواء السوري
ربما يمكن القول إن الصعوبات التي تجابه هذه الصناعة والعقبات التي تعترض سبيل تقدمها والحرب الضروس التي تجابهها اقتصادياً وإعلامياً، داخلياً وخارجياً، كل ذلك يجعلها أكثر قوة ومنعة وأكثر إصراراً على قبول التحدي وإثبات الذات. وأعتقد بإيمان كامل أن من حق مواطننا أن يعرف حقيقة هذه الصناعة بعيداً عن التأثيرات المشكوك بها، أن يعرف الحقيقة بسلبياتها وإيجابياتها وبصورة واقعية جداً.
تتميز الصناعة الدوائية في سورية بأنها أول الصناعات السورية التي بدأت بتطبيق أنظمة الجودة، حيث اشترطت وزارة الصحة على معامل الدواء في منتصف تسعينيات القرن الماضي الحصول على شهادة الايزو لضمان جودة إدارة المعامل الدوائية. وقامت الوزارة بتجميد المعامل التي لم تحصل على شهادة الإيزو، واستمرت هذه التعليمات مع تطور متطلبات الايزو من 9000 إلى 9001 و9110-2000 إلى شهادات جودة العمل المخبري 17025 وتطبيق الشروط البيئية وغيرها. وكانت معامل الأدوية تتعاون مع كبريات بيوت الخبرة العالمية لتحسين أدائها وملاءمة شروط إدارتها وإنتاجها لشروط شهادات الايزو.
لم يتوقف الطريق لدى معامل الدواء عند الحصول على شهادة الايزو، بل كان الأهم لها هو تطبيق شروط التصنيع الجيد للدواء، وهي القواعد التي تحكم شروط الإنتاج الدوائي، وهي ليست شروطاً سورية، بل شروط عالمية معتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية والهيئات الصحية الكبرى في العالم. وتسيطر هذه الشروط على صناعة الدواء بدءاً من تصميم المعمل وأقسامه وشراء آلاته وطريقة اختيارها والتعامل معها، وشراء المواد الأولية وطريقة تخزينها ورقابتها وضمان جودتها ومتابعة ثباتها. وقد طبقت معاملنا الوطنية شروط التصنيع الجيد بكل جدية ولازالت تلعب الدور الرئيسي في توطين مفهوم الجودة الشاملة وتطبيق معايير الجودة العالمية بهدف رفع القدرة التنافسية للدواء الوطني على المستويين المحلي والعالمي.

دور مخابر الرقابة في المعامل
يعتبر وجود مخابر للتحليل الكيميائي والفيزيائي والجرثومي شرطاً أساسياً لترخيص معمل الدواء. ويجب أن تكون المخابر مجهزة بأجهزة تؤدي الغرض، وتتم معايرة هذه الأجهزة بصورة مستمرة لضمان وثوقية النتائج. وتعتبر مخابر الرقابة في معامل الدواء مجهزة بأكثر الأجهزة التحليلية تقدماً وأصبحت هذه المخابر عبارة عن مخابر أبحاث في مجال تحليل الدواء ودراسات ثباته وتشكيله الصيدلاني.
في الواقع أن المستحضر الصيدلاني يعامل من قبل المنتج الفني المسؤول كوليدٍ يجب العناية به ورعايته طوال فترة حياته وصلاحيته.
ويعتبر دور المخابر المركزية أساسياً للتحقق من صلاحية الاختبارات المجراة في المعامل ومتابعة صلاحية وجودة الدواء، ولتتبع الشكاوي إن وجدت والتحقق من مصداقيتها. ولقد تم تأسيس هذه المخابر في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي وجهزت بأفضل التجهيزات والكوادر الفنية المتخصصة بتحليل الأدوية. ويعتبر نظام المتابعة المركزي في سورية من أفضل الأنظمة المطبقة في المنطقة.
لذلك كله فإننا نعتبر أن نظام الجودة وتتبعها في سورية من أفضل الأنظمة وبمتابعة وشهادة منظمة الصحة العالمية.

فعالية الدواء ومحدداته
ربما لا يعرف الكثيرون عن قواعد تسمى دستور الأدوية. فدستور الأدوية مطبوعة معتمدة عالمياً تدون فيها المواصفات المطلوبة بالمادة الأولية وبالدواء المنتج. وتضع دساتير الأدوية الحدود المقبولة لنتيجة أي اختبار أو تحليل يعتبر الدواء أو مادته الأولية مرفوضة إذا كانت خارج هذه الحدود. وهذه الاشتراطات عالمية وليست سورية، وسورية كغيرها من الدول المصنعة ملتزمة بها وتطبقها حرفياً. ولذلك عندما نتحدث عن مصدر مادة أولية مستوردة فإننا نتحدث عن مواد جميعها تحقق المواصفات الدستورية المعتمدة، وصناعة الدواء السورية ملتزمة بهذه المواصفات ومصادر موادها الأولية معتمدة محلياً وعالمياً كمورد للمواد الأولية الدستورية ولذلك نجد أن سمعتها خارج سورية في الأسواق التصديرية فاقت سمعة مثيلاتها من منتجات الدول الأخرى رغم أنها سبقتها بعشرات السنين في التواجد وأصبحت مطلوبة أكثر منها حيث المنافسة مفتوحة وشرسة.
لذلك يمكن القول إن تأثير المادة الأولية في جودة الدواء تتعلق بعوامل أهمها وجود الكمية المقررة في كل جرعة وبنوعية جيدة ويتم إيصالها للمنطقة المحددة في جسم المريض بالوقت المطلوب، أي إنه إذا كانت المعدة أو الأمعاء مستهدفة فيجب أن يتفكك الشكل الصيدلاني في المنطقة المستهدفة ليحقق الفعالية المطلوبة.
أما من حيث وجود الكمية المطلوبة من المادة الأولية فيتم في مخابر الرقابة بالمعامل تحليل كل تحضيرة وبمراحل تصنيعها كافة للتأكد من تجانس توزع المادة الفعالة وكميتها في كل وحدة علاجية. يتم ذلك بأجهزة دقيقة ومتطورة وعلى يد خبراء تخصصوا بهذا العمل.

التشكيل الدوائي
للتأكد من مطابقة التفكك والإنحلال للمواصفات المطلوبة يتم في مخابر البحوث والرقابة دراسات التفكك والإنحلال حسب الزمن خلال مرحلة بحوث التشكيل الدوائي للمستحضر، والمقصود بالتشكيل الدوائي هو تحويل المادة الأولية إلى شكل صيدلاني مناسب للتناول مثل المضغوطات والكبسول والأمبول وغيرها. وبعد إجراء الدراسات والتأكد من التركيب النهائي للشكل الصيدلاني يتم اعتماده وتحويله للإنتاج حيث تتم مراقبة التحضيرات بصورة مستمرة لمطابقة المواصفات. ويتم في صناعتنا التقيد بهذه الإجراءات ولكل مستحضر صيدلاني لأن التقيد بها يضمن فعالية الدواء وجودته.
أما العوامل الأخرى التي تؤثر في فعالية الدواء فهي:الحالة العامة للمريض والتداخل الغذائي والدوائي والالتزام بالجرعة المحددة وفترة العلاج المطلوبة وتوقيت تناول الجرعات، إضافة إلى التشخيص الدقيق للمرض، وخاصة في حالة المضادات الحيوية فليست جميع الصادات فعالة لكافة أنواع الجراثيم وهذا يقودنا مباشرة لانتشار الاستخدام غير الرشيد للصادات الحيوية على مدى عقود طويلة ما أدى إلى نشوء سلالات جرثومية مقاومة للصادات المتوفرة وخاصة من زمرة البنسيلينات.
الأهم من ذلك كله، أن تحديد فعالية الدواء، أو نقصان فعاليته لا يمكن الجزم بها بالطريقة التي يتم التحدث فيها عبر وسائل الإعلام العامة ومقابلات تجري في الشارع للمرضى. فلذلك قواعد علمية معروفة وإحصائية يتم تطبيقها للوصول إلى نتيجة موثوقة حول فعالية الدواء. ومن الضروري جداً إذا كنا نرغب بتطوير صناعتنا أن نوطن مفهوم الاستقصاء العلمي الموثق حول فعالية الدواء، بحيث إذا وجد أي خلل تتم معالجته فلا يمكن أن يعقل أن أي منتج للدواء يرغب بأن تكون أدويته غير فعالة خاصة وأن متطلبات المادة الأولية وشروط التصنيع تطبق وفق القواعد المتبعة، ومعرفة القصور في مستحضر ما سيحرض دراسات البحث والتطوير في صناعتنا للوقوف على الأسباب الحقيقية للخلل إن وجد.
يتبين لنا مما سبق أن صناعتنا تطبق وتتبنى قواعد التصنيع الجيد للدواء ورقابته وضمان جودته وفق المعايير المعتمدة عالمياً. وبناء نظام الجودة هذا لم يكن نظرياً وإعلامياً فقط، وإنما هو نظام متكامل ومعقد تم بناؤه على مدى ثلاثة عقود وبتعاون كافة الجهات المعنية بالصناعة في وزارة الصحة والمعامل والجامعات، ويتناول كافة مفاصل التصنيع من بدايته وحتى وصول الدواء للمريض.

رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية في سورية

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن