قضايا وآراء

سباق غربي… باتجاه طهران

د. قحطان السيوفي : 

لاشك أن الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى (5+ 1)، قد حظي باهتمام عالمي… اللافت للنظر في المشهد الدولي أن ثمة سباقاً أو (هرولة) اقتصادية للدول الغربية باتجاه إيران، بعد أن فرض الغرب (الأورو – أميركي) عقوبات لمدة (35) عاماً على هذا البلد الصامد والبالغ عدد سكانه (78) مليون نسمة، وبقي حجم الاقتصاد الإيراني نحو (400) بليون دولار. دول غربية كانت، ولسنوات عديدة من الأزمة، تقول لطهران (قلوبنا معكم، وسيوفنا عليكم) كما قال وزير الخارجية الأميركية جون كيري. هذه الدول تهرول اليوم، من منظور المصالح الاقتصادية، باتجاه طهران.
إن أولى رحلات الحج الاقتصادي إلى طهران انطلقت من برلين، ويبدو أن الألمان أحسنوا تلقف الإشارات الايجابية المالية للأسواق الإيرانية. فقد وصل وزير الاقتصاد الألماني إلى طهران، بعد ساعات من توقيع الاتفاق، يرافقه وفد كبير من رجال الأعمال وممثلي بعض الشركات الألمانية، وعلى رأسهم شركة (سيمينز).
يتساءل المراقبون؛ هل حن العرق الألماني الآري، إلى نظيره الآري الإيراني!؟ لتكون الرحلة الاقتصادية الأولى بعد الاتفاق النووي… ألمانية!؟ وبالتزامن كان رئيس وزراء بريطانيا (د. كاميرون) يبلغ مجلس العموم البريطاني برغبة حكومته بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، والأبرز في هذا السياق الدعوة الرسمية التي سلمها يوم أمس الأربعاء وزير خارجية فرنسا رولان فابيوس للرئيس الإيراني حسن روحاني لزيارة باريس خلال شهر تشرين الثاني القادم حيث أعلن الوزير الفرنسي أن باريس ستتعاون مع طهران في المجالات كافة و«سيظهر ذلك قريباً».
قبل عام 2005 سجل حجم التبادل التجاري بين ألمانيا وإيران أربعة مليارات يورو وانخفض الرقم إلى أقل من ملياري يورو عام 2013. والحديث اليوم متفائل حول صادرات ألمانية سنوية ستصل إلى (10) مليارات يورو عام 2019. يبدو أن ألمانيا – الاقتصاد الأقوى في أوروبا العجوز – تتطلع إلى النفط الإيراني، ومصادر الطاقة… والبتروكيمياويات… مع الإشارة إلى أن ألمانيا تحتضن حوالى مئتي ألف من أصول إيرانية يعملون في التجارة. قد يكون من أهداف الزيارة حجز مكان متقدم لألمانيا في مجال الغاز الإيراني … وأن إيران ترغب في تطوير حقولها النفطية، والغازية بعد فترة طويلة من انسحاب الشركات الغربية العملاقة… ولاسيما أن إيران تملك ثاني مخزون احتياطي بعد روسيا. بالمقابل من المرجح أن تعيد إيران هيكلة نظامها الاقتصادي الذي لحق به ضرر كبير بسبب العقوبات… ليتماشى مع المعايير والقوانين المالية العالمية. إن نظام الحظر والعقوبات التي تورطت فيه أوروبا ضد إيران أضر كثيراً باقتصادات دول أوروبا العجوز وأوجعها، وهذا ما كشفه رئيس الدبلوماسية الأميركية (جون كيري) عندما قال للأوروبيين بعد توقيع الاتفاق (إن نظام العقوبات قد تهاوى… أوروبا بحاجة لأسواق إيران، ونفطها، وغازها…).
من ناحية أخرى يلاحظ أن المستثمرين الغربيين يتسابقون لتأسيس صناديق للاستثمار في إيران بعد الاتفاق النووي. وحسب (رويترز) تسعى بعض الجهات الغربية لإيجاد موطئ قدم لها في بورصة طهران التي تبلغ الأسهم المتداولة فيها حالياً مئة مليون دولار… بالمقابل فإن الشركات الأميركية بدورها تهرول في السباق الاقتصادي باتجاه إيران. تتوقع شركة (رينيسانس كابيتال) للوساطة المالية الأميركية، تدفق (بليون) دولار إلى إيران في السنة الأولى بعد وقف العمل بالعقوبات. شركة (فيرست فرانتر كابيتال ليمتد) بدأت بتأسيس صندوق للاستثمار في إيران، وتعتزم الشركة إطلاق الصندوق خلال الشهرين المقبلين، وتأمل في استثمار مئة مليون يورو فيه مع نهاية السنة. قال المحافظ في شركة (أكاديان) لإدارة الأصول في بوسطن؛ إن سوق إيران تتسم بالتنوع إلى جانب خصائص سكانية مغرية، وشعوب مستقرة. كما أثار الاتفاق النووي شهية شركات الطيران (اير باص) الأوروبية، و(بوينج) الأميركية على أمل قيام طهران بتحديث أسطولها الجوي… في المفاوضات (الماراثونية) كانت إيران في جانب والعالم كله في جانب آخر، وكم تحلى المفاوض الإيراني بالصبر!! ما منحه ميزة التفوق… وكان رفع العقوبات اعترافاً بقدرة إيران التي صمدت خلال سنوات من محاولات عزلها اقتصادياً… لتفتح أسواقها اليوم بشروط تحددها وفق مصالحها… وتصنف إيران اليوم، رغم العقوبات، أنها ذات دخل أعلى من المتوسط. وستصبح إيران أكبر اقتصاد يعود إلى النظام التجاري المالي العالمي منذ سقوط الاتحاد السوفييتي منذ أكثر من عشرين عاماً. ومع أن مجلس الأمن الدولي أقر بالإجماع الاتفاق النووي مع إيران إلا أن ثمة من يعمل ليعرقل تنفيذه، وفي مقدمة هؤلاء إسرائيل التي تواصل الضغط على بعض أعضاء الكونجرس الأميركي… وهؤلاء يشكلون اللوبي المحافظ الصهيوني في الكونجرس ؛ وهذا ما عبر عنه رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري (جون بينر) عندما قال (سنفعل كل ما في وسعنا لمنع المضي قدماً في منع تنفيذ الاتفاق).
إن استعادة إيران لأموالها المجمدة بعد رفع العقوبات، وانفتاحها على الاقتصاد العالمي سيؤكدان قوتها الإقليمية الكبيرة، ويكرسانها دولة محورية، مؤثرة وفاعلة في الشرق الأوسط.
إن الاتفاق النووي الإيراني سيدشن مرحلة مهمة من التغيرات الكبيرة والهائلة في الإقليم. لقد خرجت إيران من أزمتها منتصرة، ومتمسكة بثوابتها ومواقفها السياسية، على حين تعاني دول
إقليمية أخرى، ساهمت في دعم الإرهاب من عدم استقرار سياسي داخلي؛ (المملكة السعودية) غارقة في المستنقع اليمني، والسلطان العثماني (أردوغان) خسر الانتخابات، ويتخبط في مشاكل داخلية. وسيكون لإيران القوية، المنتصرة دور كبير في المساهمة بحل المشاكل العالقة في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب، وتأييد حقوق الشعوب في تقرير مصيرها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن