قضايا وآراء

ترامب لا يُمكن أن يَفعل أسوأ مما فَعله عام 2017

| قحطان السيوفي

عندما بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولايته مطلع عام 2017، وجد العالم نفسه في حيرة حول كيفية التعامل مع رجل قادم من عالم المال، يفتقد الخبرة السياسية، فهو نرجسي لا يتحمل الانتقادات، يقول الخبير في السياسة الخارجية في معهد بروكينجز توماس رايت: «للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، نجد أن المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية من التحالفات والاقتصاد العالمي، معرضة للخطر».
على الصعيد الداخلي قراراته عشوائية، وغير جاد بممارسة المسؤولية، هاجم وسائل الإعلام، احتقر مبدأ فصل السلطات، وخاصم المؤسسات، وجه إهانات للقضاء واصفا حكم القاضي الذي حكم بتعليق الأمر الرئاسي لمنع الهجرة بالسخيف.
يُوصَف بأنه «هجومي وشعبوي وانتقامي» ما يُمَزق النسيج المجتمعي الأميركي جغرافيا، يعمل لمصلحة الأغنياء، وفي رأي الاقتصاديين خطته للإصلاح الضريبي، ستفجر عجز الميزانية، ولن تحفز الاستثمار، وسيزداد التفاوت في الدخول، وتتهمه الصحافة بأن شركاته أحدثت سلطة رابعة في أميركا! كما امتدت إمبراطوريته المالية الخاصة إلى خارج أميركا، وأقدمت شركة ترامب في مومباي الهند على بيع مسبق لشقق في برج ترامب الذي سيدشن في 2019 للتهرب من الضريبة.
على الصعيد الخارجي سياسة ترامب المتطرفة زعزعت استقرار العلاقات الدولية، ما خلق بؤراً جديدة للعنصرية والإرهاب، على مدى عقود كانت واشنطن الضامنة للتكامل الأوروبي، لكن ترامب فكك الركائز السياسية للتحالف الغربي، وفي وقت، تدعي الولايات المتحدة أنها رائدة الليبرالية، تنتخب رئيساً يعتبر الليبرالية مُضرّة بمصلحة بلاده، والعلاقات بين إدارة ترامب والصين وروسيا تشهد توترات.
الرئيس الصيني تشي أيد العولمة في منتدى دافوس للاقتصاد العالمي الأخير، على حين أكد ترامب على مزايا الحمائية.
ترامب ينتقد الصين في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ «أبيك» الأخيرة في فيتنام، والرئيس الصيني تشي يرد بالدفاع عن العولمة وضرورة تطوير التجارة الحرة، وتشير إجراءات ترامب الشعبوية الانعزالية المؤيدة لاتجاهات اللاعولمة، إلى رغبتة في إضعاف الرأسمالية!
بالمقابل أرست «البريكس» قواعد النظام العالمي الجديد، ومنظمة «شانغهاي للتعاون» هي تجسيد لرؤية روسية صينية لعالم ما بعد الليبرالية المتطرّفة، ويأتي التوافق الروسي الصيني في سياق وعي عالمي لخطورة التفرّد الأميركي بالهيمنة على العالم.
إدارة ترامب فبركت مسرحية الغاز الكيميائي في بلدة خان شيخون السورية التي تخضع لسيطرة جبهة النصرة الإرهابية، لتقوم بعدوان عسكري على مطار الشعيرات السوري من دون تحقيق دولي، ومن دون موافقة من مجلس الأمن، وروسيا ردت بحزم واعتبرته عدواناً على دولة ذات سيادة، بالمقابل ترامب يعمل على تصعيد الخوف من إيران لدى مملكات وإمارات دول الخليج ليتمكن من شفط المزيد من أموال هذه الدول، وهو ترأس مؤتمر الرياض، وسوق السلاح الأميركي، وقبض تكاليف قواته العسكرية الحامية للممالك والمشيخات، ونذكر بأقوال ترامب السابقة: «على أميركا أخذ نفط العراق عندما احتلته، وأنه كان يجب إلزام الكويت بالدفع للخزينة الأميركية مقابل تحريرها».
في زيارته الأولى إلى أوروبا قال أمام حلف الناتو: «التزام أميركا بالدفاع عن أوروبا ليس أمراً مفروغاً منه»، وفي قمة الدول الصناعية السبع، وصف ألمانيا بأنها «سيئة جدا» بسبب فائضها التجاري مع أميركا.
العولمة انتشرت من أميركا، وترامب اعتمد الحمائية، انسحب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ وبدأ محادثات لإعادة التفاوض بشأن اتفاقية مع كندا والمكسيك، ومن أهداف نيرانه الاقتصادية، المنظمات والهيئات الدولية وفي مقدمها منظمة التجارة العالمية التي تعتبر دعامة للنظام الاقتصادي الذي أسسته أميركا بعد الحرب العالمية الثانية.
بالنسبة للإرهاب، أميركا كانت من مؤسسيه وداعميه في أفغانستان، وإدارة ترامب تدعم التنظيمات الإرهابية في سورية، وترسل قواتها العسكرية إلى هذا البلد المستقل من دون موافقة حكومته الشرعية خلافاً للقوانين الدولية، بالمقابل كان موقف روسيا في استخدام حقّ النقض ضد أي قرار يُدين سورية عادلاً وحازماً في وجه تحيز الإدارة الترامبية، ورفضها لمحاولة أميركا اليائسة لمحاصرتها وتطويقها بعقوبات اقتصادية مع حلفائها في إيران وسورية.
في معركتهم لمحاربة الإرهاب، ترامب الذي يدعي الديمقراطية والريادة في حقوق الإنسان، أعلن أن أميركا قررت أن تعتبر القدس عاصمة إسرائيل، وأن ينقل سفارته من تل أبيب إلى القدس. العالم كله دان قرار ترامب، وفقدت واشنطن دورها كوسيط مؤتمن على القرارات الدولية، وكشف ترامب موقفه المؤيد للعنصرية والإرهاب، وذلك هروباً من الداخل لإرضاء اللوبي الصهيوني الأميركي ليساعده على النجاة من خطر العزل من منصبه.
في خطوة حمقاء، هدد ترامب بوقف المساعدات المالية عن الدول التي تصوت لمصلحة مشروع القرار في الأمم المتحدة، وهذا أكد وجود شرخ في النموذج الليبرالي الرأسمالي في ما يتعلق بالسلام والشرعية الدولية، وبين أن الرأسمالية المتطرفة التي تعتقد بأن التاريخ والوطنية مجرد سلعتين استهلاكيتين يمكن شراؤهما والمقايضة عليهما بالمعونات، وصوتت 128 دولة ضد القرار لتؤكد عزلة إدارة ترامب عالمياً، وهذا المشهد أرخى بظلاله على «إستراتيجية الأمن» التي أصدرها ترامب مؤخراً، والتي بدت فيها النزعة العدوانية ضد روسيا والصين اللتين انتقدتا ذهنية الحرب الباردة والطابع الإمبريالي وفكرة عالم أحادي الجانب.
ترامب يعتقد بأنّه يستطيع بمفرده إعادة رسم الخرائط الجغرافية للشعوب ليهرب بإستراتيجيته ذات الطابع العدواني إلى الخارج.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن