قضايا وآراء

عصر ونظام جديدان

صياح عزام :

اتفاق إيران مع الدول الغربية الذي تمَّ التوقيع عليه في 14 تموز 2015 حول ما يُسمى البرنامج النووي الإيراني ليس مفاجأة لأحد، لأنه كان من الواضح أن خيار التفاهم مع إيران والانفتاح عليها والتعاون الاقتصادي معها، هو خيار استراتيجي كبير للولايات المتحدة التي طالما شبّهت هذا الاتفاق بالصفقة التاريخية التي عقدتها مع الصين قبل نصف قرن من الزمن. فكما غيّرت الصفقة الأولى وجه النظام السياسي الدولي، فإنّ الصفقة الجديدة- بتصور الأميركيين- ستُغيّر وجه الشرق الأوسط بأكمله.
بالمقابل إيران أرادت الخروج من عزلتها الاقتصادية والتخلّص من العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها، وإعادة السيطرة على مواردها الطبيعية وأموالها المحجوزة.
بمعنى آخر، كان توقيع الاتفاق مسألة وقت رغم المناورات المُضْنية والطويلة، ورغم المساعي الإسرائيلية- السعودية المُكثفة لوضع العقبات أمام الوصول إلى مثل هذا الاتفاق.
إذاً، ستعود إيران قوية داخل حدودها وفي محيطها الإقليمي الذي يشمل المنطقة العربية الغارقة في حروبٍ مدمّرةٍ وأنهارٍ من الدماء جرّاء ما تقوم به المنظمات الإرهابية المسلحة من قتل وتدمير واستنزاف لبعض جيوش الدول العربية بدعم أميركي وتركي وخليجي، وبالتحديد الدعم السعودي- القطري- الأردني. أيضاً، تعود إيران قوية باقتصادها ومواردها المالية، وليس بالسلاح النووي الذي اتهمت بالسعي لتصنيعه.
فالجائزة الكبرى التي حصلت عليها إيران من الاتفاق هي الإفراج عن أموالها الهائلة وتمكينها من تصدير نفطها وقبض أثمانه. إضافةً إلى ذلك، حصلت إيران على الاعتراف بها كدولة نووية ودخولها نادي الكبار، فهي ستنتج الطاقة النووية السلمية في مفاعلاتها الوطنية، وتحمي برنامجها العسكري وخاصة الصاروخي من أي تدخل أجنبي، أما بالنسبة لرفع العقوبات عنها فسيتم بقرار من مجلس الأمن الدولي لا من الكونغرس الأميركي أو الاتحاد الأوروبي.
بإيجاز، الاتفاق هو اعتراف غربي بالأمر الواقع الذي أنتجته الثورة الإسلامية في إيران، وهو إنهاء لقطيعة طويلة فُرضت على الشعب الإيراني الذي تحمّل تداعيات الحظر والحصار التي لا يمكن لشعب أن يتحمّلها، وفي الوقت نفسه لا يمكن لأحد أن ينكرها ويتجاهل تداعياتها السلبية.
إنه عصر جديد في الشرق الأوسط ونظام جديد هذا وتتركز الأنظار على تأثير هذا الاتفاق التاريخي على المنطقة وصراعاتها المتفجرة، وهو من دون شك سيكون مفتاحاً لعصر ذهبي للمنطقة، ورافعة لنضال الشعب الفلسطيني، وسيسهم في إنهاء مظاهر الانقسام والنار والدمار في منطقة المشرق العربي بل في الوطن العربي كله.
نعم إيران تعود قوية بعد الاتفاق أكثر مما كانت عليه، علماً بأنها لم تخضع ولم تستسلم منذ قيام الثورة، إلى جانب أنها ستتطلّع باهتمام أكبر إلى محيطها العربي، وتشارك بشكل مباشر وأكثر فاعلية في إيجاد حلول سلمية لنزاعاته المتفجّرة ومسائله البالغة التعقيد.
إن الآمال مُعلّقة على حوار عميق وتاريخي بين إيران من جهة والأطراف المواجهة لها في الوطن العربي، حوار يؤدي إلى التفاوض وصولاً إلى التعاون، بحيث يؤدي إلى نشوء نظام عادل ومستقر يكون أساساً لوحدة في وجه الكيان الصهيوني وكل الطامعين بأرض العرب والمسلمين.
إن يوم 14 تموز دخل التاريخ من أبوابه العريضة، يوم تاريخيّ سيغيّر مجرى الأحداث في المنطقة، لأنه برهان ساطع على أن المحور المقاوم هو المنتصر في نهاية المطاف على الظلم والعدوان والعقاب الذي فُرض على شعوب دوله من أجل دفعهم إلى التراجع للوراء والتنازل عن حقوقهم، أما السياسات المعادية التي اتبعتها أميركا وحليفاتها في الغرب وعملاؤها في المنطقة والتي أدت إلى الحروب على أهالي المنطقة منذ العدوان على لبنان صيف عام 2006، وعلى قطاع غزة لإنهاء المقاومة فيهما، والحرب على سورية منذ أكثر من أربع سنوات، فقد باتت جميعها خيارات فاشلة حطّمها محور المقاومة بصبره وثباته. الغرب اليوم أمام واقع جديد هو أن إيران دولة نووية والحسابات معها تغيّرت، ومحور المقاومة أثبت صلابته وقوّته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن