قضايا وآراء

هودج أميركي

| سامر ضاحي

يعتبر الوجود الأميركي على الأراضي السورية بكل الأعراف والقوانين الدولية والوطنية احتلالاً بكل ما للكلمة من معنى، حتى لو كان من أجل مكافحة الإرهاب، بحسب ادعاء واشنطن، على عكس ما تقوم به فعلياً على الأرض، لكن من زاوية أخرى لا يمكن للإدارة الأميركية إلا أن تحضر ميدانياً في سورية لعدة أسباب تتوافق مع هيمنتها على القطبية العالمية.
فمن حيث الإستراتيجية الأميركية بعيدة المدى عالمياً، والتي لا ترتبط فقط بإدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، فقد تمكنت روسيا كقوة صاعدة بسرعة من تبني سياسة دولية هجومية مستغلة تردد الإدارة الأميركية السابقة برئاسة باراك أوباما، فأرسلت قوات عسكرية ضخمة إلى سورية، وباتت القواعد الروسية في شرق المتوسط أول وجود عسكري لخليفة الاتحاد السوفييتي السابق في المنطقة، ولم يكتف الروس بذلك بل تبعه امتداد إلى منابع المصالح الأميركية، فرأينا صفقات عملاقة تعقد في مجالات الطاقة المختلفة وصولاً إلى القوة النووية السلمية مع دول تعتبر حليفاً تاريخياً لواشنطن كالسعودية وقطر ومصر مؤخراً، وبات هلال مقلوب يحيط بالكيان الصهيوني، طفل واشنطن المدلل، فما كان من إدارة ترامب سوى محاولة استدراك الموقف والعودة لسياسة القوة عبر قواعد أميركية، ليست ضخمة، موجودة في شمال شرق سورية لكنها قادرة على إيصال الرسالة للروس في أي وقت، بحمايتها للمصالح الأميركية العديدة، في الأراضي العراقية أكثر مما هي في الأراضي السورية، وبالتالي اختار ترامب أيضاً الهجوم ولم يكتف بالدفاع كما سلفه أوباما.
جاء نقل داعش من سورية والعراق إلى أفغانستان كجزء من إستراتيجية الهجوم الأميركي لاحتواء أي اتصال مباشر بين الصين وروسيا وإيران إن كان بشكل ثنائي أو متعدد، ورأينا تبعات هذا الأمر عبر إشعال فتيل التظاهرات في إيران مع إمكانية اتساعها في ضوء موقف الحكومة الإيرانية الحالي في إدارة أزمتها، ولذلك لا تريد واشنطن انتظار «عدوها» الإيراني ليمتد إلى مناطق نفوذها في الخليج العربي، ولم لا تقوم بذلك إن كانت قادرة على تمويل كل حملاتها الدعائية والتشويهية بأموال سعودية؟
وفي إستراتيجيات الهجوم لا بد من تحديد «عدو» لبناء أساليب مواجهته، حتى لو لم يكن مباشراً وفي حال لم يوجد يتم إيجاده، وفي الحالة الأميركية، فإن إيران هي «العدو» لدى ترامب، في حين حدد الصين وروسيا كمنافسين مباشرين لا يمكن مهاجمتهما كما هو الحال مع إيران إن اقتضت الحاجة، ولذلك رأينا احتواء أميركياً للتسارع الروسي السوري في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي في شمال شرق البلاد عبر ضبط هذا التسارع أولاً بحدود نهر الفرات، وثانياً عبر نقل التنظيم إلى خطوط أقرب من المنافسين وهل ثمة مكان أفضل من أفغانستان يمكن اللجوء إليه!
كما امتدت محاولات الضبط الأميركي إلى تهدئة التقدم الميداني للجيش العربي السوري في ريفي حماة وإدلب وصولاً إلى دعم جبهة النصرة الإرهابية بصواريخ مكنتها لأول مرة من إسقاط مروحية روسية، ولا يبدو أن إشعال جبهة شرق العاصمة وفرض حصار على جزء من القوات السورية في إدارة المركبات بحرستا، خارج هذا السياق الذي تحاول فيه واشنطن تحويل دحر الإرهاب وضبطه لتحمله على هودجها المتمثل بقواعدها وفق ما تشتهي، وتؤكد للروس أنها قادرة على إفشال أي مقررات لمؤتمر الحوار السوري في سوتشي لا تراعي مصالحها.
أما تركيا حالياً فلا تزال حليفة واشنطن وإن كان الرئيس رجب طيب أردوغان يحاول إظهار نفسه كطفل مشاغب عند الأخيرة ليستعيد بعض الثقة التي خسرها بعد «الربيع العربي»، ولذلك تكون القواعد الأميركية في حدوده الجنوبية مصدر تذكير له.
في ضوء ما سبق، من غير المرجح انسحاب القوات الأميركية في القريب العاجل من سورية، وما يعزز هذا الاحتمال أن روسيا وسورية لا ترغبان بمواجهة عسكرية أيضاً مع هذه «القواعد»، وبالتالي ستعمل أميركا جاهدة لتأجيل أي اتفاقات جديدة في سورية رغم التقدم الميداني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن