قضايا وآراء

المقاربات المستحيلة

| مازن بلال

بطريقة مقاربة الحدث الإيراني ذاتها، يتم تناول تعقيدات الأزمة السورية، فمعظم وسائل الإعلام ذهبت نحو إضافة الاضطرابات في إيران إلى سياق ما يجري منذ 2011، وبغض النظر عن مستقبل ما حدث وردود الفعل عليه وخصوصاً التبني الأميركي للتظاهرات؛ فإن المقاربة في أساسها تحتاج إلى إعادة نظر وعلى الأخص على مستوى الإجراء السياسي، وهو أمر ينطبق على الحلول المطروحة حيال الأزمة السورية، فالمفارقة الأساسية هي أن الأزمة السورية تتم وفق نسق لحل الأزمات تم اعتماده في شرق أوروبا عموماً وفي أزمة كوسفو على وجه التحديد.
عمليا فإن الحدث الإيراني فتح نافذة حقيقية لمناقشة أداء المجتمع الدولي عموما، فاليوم يقوم أعضاء مجلس الأمن بانتقاد الخطة الأميركية بسحب هذا الموضوع باتجاه مجلس الأمن، على حين كان من الصعب القيام بهذا الأمر عند اندلاع الأزمة السورية أو الليبية أو حتى اليمنية، فتدويل المسألة لم يعقد فقط إمكانية إيجاد الحل بل أيضاً قيد هامش البحث عن آفاق لحل الأزمات ودفعها نحو تصعيد غير مسبوق، ففي الأزمة السورية تحديدا تم اعتبار ما يحدث بوابة للعبور إلى واقع شرق أوسطي مختلف؛ ما أدى عملياً إلى انعطافة غير مسبوقة في تكوين المنطقة، ولم تستطع العواصم الكبرى إيجاد تصورات جديدة للتوازن في المنطقة.
في جميع الأزمات خلال العقدين الماضيين سعت المجموعات الدولية إلى حل الأزمات عبر الأطراف الإقليمية الأقوى، وفي أوروبا تحديدا خلال أزمة كوسفو كانت الأطراف الإقليمية هي الأقوى على المستوى الدولي، على حين تتميز الأزمة السورية بأطراف هشة لأبعد الحدود، ما دفع المنطقة إلى تحولات متلاحقة لا تملك سياقات واضحة باتجاه توازنات جديدة، وكان من الصعب إحراج القوى الكبرى مثل روسيا بنموذج كوسفو، على حين كان الأمر مختلفا في سورية حيث اندفعت روسيا والولايات المتحدة للانخراط بالعمل العسكري المباشر.
إن المقاربات القائمة على خرق السيادة لتبديل المعادلات القائمة ليست خطرة فقط، بل هي أيضاً إجراءات متنقلة يصعب التحكم بها أو إيجاد بدائل واقعية يمكنها إعادة الاستقرار، ففي سورية التي حاولت القوى الدولية والإقليمية كسر الشرعية القائمة فيها؛ عجزت عملياً عن تأسيس شرعية جديدة وهو أمر تكرر في العراق واليمن وليبيا، بينما كان من السهل إعادة رسم شرعيات جديدة في شرق أوروبا لظروف ذاتية بالدرجة الأولى، ولقدرة الولايات المتحدة على التحكم بالنظام الدولي منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي، وربما كان بمقدور الولايات المتحدة وأوروبا صياغة تحول شرق أوسطي من خلال التوازن القديم في الشرق الأوسط، لكن على ما يبدو فإنهما فضلا الدخول في مغامرة عبر استبعاد الشركاء الدوليين والمحليين.
أوضحت الأزمة السورية أن كسر توازن القوة لا ينجح باستهداف حلقة واحدة هي سورية، وإيجاد نظام سياسي ديمقراطي على السياق الأميركي أو الأوروبي ليس أمرا إجرائيا لأنه مرتبط بالمعادلة الشرق الأوسطية عموما، فالقوة ليست في أن اتفاقيات سان ريمون أسست نظاما قوياً معتمداً على «سايكس– بيكو»، بل لأن هذه الاتفاقيات اعتمدت على بناء توازن إقليمي يضمن على الأقل بقاء إسرائيل.
تبدو الأزمة السورية درسا دوليا في حل الأزمات، فهي أوصلتنا لنقطة لا يمكن العودة بها إلى ما قبل 2011 وفي الوقت ذاته من المستحيل رسم حلول على سياق ما حدث في وسط وشرق أوروبا بسبب وجود كتل تاريخية مثل إيران وتركيا ودولة توازن قلق هي إسرائيل، وربما لا بد من العودة إلى الممكنات الجغرافية من جديد أي الشعب السوري للبحث عن حل للاستقرار السوري، فالقرارات الدولية أثبتت حتى اللحظة صعوبة التحرك من خلال بنودها، على حين أنه على السوريين تعميق مفهوم السيادة الخاص بهم لصياغة مستقبلهم ولو كان الأمر مزعجا لبعض الأطراف الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن