ثقافة وفن

لماذا يغرد طائر القفص؟ .. شيء فظيع أن تكون زنجياً لا تمتلك حياتك

| سارة سلامة

ضمن «سلسلة إبداعات إفريقية» صدر عن وزارة الثقافة، الهيئة العامة للكتاب، رواية بعنوان «لماذا يغرد طائر القفص؟»، تأليف: مايا أنجيلو، وترجمة: عبد الكريم ناصيف، وتقع الرواية في 415 صفحة من القطع المتوسط.
وابتدأت المؤلفة الرواية بإهداء إلى ولدها حيث قالت: «أهدي هذا الكتاب إلى ابني، غاي جونسون وإلى كل الطيور السوداء القوية الواعدة التي تتحدى الفوارق والأرباب وتغرد أغاريدها».
وأنجيلو هي مؤلفة الروايات الأكثر مبيعاً مثل «ما زلت أنهض»، و«لن يثيرني شيء»، و«على نبض الصباح» وهي المجموعة التي قرأت منها لدى استلام الرئيس كلينتون الرئاسة في المسرح، وأنتجت وأخرجت وأخذت دور البطولة في مسرحية «ملهى الحرية»، وبالتعاون مع غود فري كامبريج في بوابة القرية في نيويورك، كما أخذت دور البطولة في إحدى المسرحيات «السود»، وكتبت وأخرجت مسلسلاً للتلفاز من عشرة أجزاء حول التراث الإفريقي في الحياة الأميركية.
لا تمتلك حياتك

وتطرح أنجيلو موضوعاً حول التمييز العنصري عبر حكاية مشوقة حيث تقول: «لم يكن أمامنا أن نكون خادمات ومزارعين، غاسلات صحون وعمالاً يدويين، وأي شيء أرفع نطمح إليه كان نوعاً من المسخرة والوقاحة.
– حينذاك تمنيت لو أن أبراهام لينكولن اغتيل قبل التوقيع على إعلان التحرير، وكريستوف كولومبوس غرق في سانتا ماريا.
– لقد كان شيئاً فظيعاً أن تكون زنجياً لا تمتلك حياتك. كما كان شيئاً وحشياً أن تكون فتياً، تدربت على أن أجلس بهدوء وأصغي لاتهامات موجهة ضد لوني من دون أن يتاح لي أي فرصة للدفاع عن نفسي. في تلك اللحظة فكرت أن علينا كلنا أن نموت، وبودي لو أرانا كلنا هرماً من اللحم البشري، الناس البيض في الأسفل، باعتبارهم القاعدة العريضة، ثم الهنود الحمر بفؤوسهم السخيفة وأكواخهم المخروطية البيضوية، ثم الزنوج بكتل شعرهم الكثيفة ووصفاتهم الطبية، أكياس قطنهم وأناشيدهم الدينية التي تلفظها أفواههم».

قيم العصر الفيكتوري
ونجد كلماتها وسطورها التي تخطها مجبولة بالألم ومرارة الواقع وفي الفصل (16) تقول المؤلفة: «مؤخراً سألتني امرأة بيضاء من تكساس، سرعان ما وصفت نفسها بأنها متحررة، عن بلدتي الأساسية، وعندما أخبرتها أن جدتي كانت تملك في ستامبز المخزن التجاري الزنجي الوحيد منذ مطلع القرن، هتفت بصورة ساخرة وحتى مضحكة عجباً، قد كنت مبتدئة»، لكن الفتيات الزنجيات في البلدات الجنوبية الصغيرة، سواء كن معدمات فقراً أم يعشن على القليل من ضرورات الحياة، يحصلن على تحضيرات شاملة وغير ذات صلة بالموضوع من أجل البلوغ، مثل فتيات البيض الغنيات، كما يظهرن في المجلات، لكن لابد من الاعتراف بأن التدريب لم يكن هو نفسه، إذ على حين كانت بنات البيض يتعلمن رقص الفالس ويجلسن بكل رشاقة وكوب الشاي متوازن على ركبة واحدتهن، كنا نحن نتلكأ خلفهن، نتعلم قيم العصر الفيكتوري مع القليل القليل من المال لكي نتساهل حيالها».

بوادر عاصفة
لا تخلو هذه الرواية من الرمزية والوصف الدقيق الذي يشد القارئ حيث تقول في الفصل (22): «هبت الريح على السقف فأصدرت الألواح الخشبية فوقه أصواتاً أشبه بالصفير الحاد تحت باب مغلق، كما أصدرت المدخنة أصواتاً مخيفة من احتجاج، وقد وقعت تحت غزو الهبات السريعة، على بعد ميل، كان «كيت مدينة كنساس»، القديم وهو (القطار الذي كان مثار الكثير من الإعجاب إلا أنه أهم بكثير من أن يقف في ستامبز)، يقعقع مثيراً الكثير من الجلبة وسط البلدة مطلقاً تحذيراته ووو- وي ي ي، متابعاً طريقه إلى جهة رائعة مجهولة من دون أن يلتفت إلى الوراء.
وكان في الجو بوادر عاصفة، كما كان ليلاً كاملاً مناسباً لقراءة (جين آير)، من جديد، بيلي كان قد أنهى مهماته اليومية الروتينية وكان قد اتخذ مكانه من قبل خلف الموقد مع مارك توين، لقد كان دوري لأن أغلق المخزن، وكان كتابي الذي قرأته حتى المنتصف يستلقي على طاولة السكاكر، وبما أن الطقس كان سيتحول إلى طقس سيئ، فقد كنت واثقة أن العم ويلي سيوافق أو بالحقيقة، سيشجعني على أن أغلق باكراً (توفيراً للكهرباء)، وألتحق بالعائلة في غرفة نوم موما التي كانت تقوم مقام غرفة جلوس لنا».

بروح رياضية
وفي الفصل (31) تقول: إن «كانت دولورز جالسة، على ما يبدو، في مكان الليلة الماضية نفسه، وضعها كان شبيهاً بذاك إلى حد يصعب معه أن تعتقد أنها ذهبت إلى نوم أو تناولت إفطاراً أو رتبت حتى تسريحة شعرها الثابتة، بروح رياضية قال أبي (مرحبا يا صغيري) ثم مشى باتجاه الحمام، (مرحبا دولورز) قمت أنا بتحيتها هكذا (إذ كنت قد أسقطت منذ زمن طويل ادعاء القربى العائلية) فردت باختصار ولكن بأدب، ثم نقلت انتباهها إلى خرم إبرتها، إذ كانت تقوم حينذاك، وبكل تعقل بصنع ستائر جميلة للمطبخ، تقاوم في الحال هبوب الريح، ونظراً لأنه لم يبق لدي ما أقوله فقد توجهت إلى غرفتي، خلال دقائق انطلقت المناقشة في غرفة المعيشة وعلى نحو مسموع بالنسبة إلي وكأن الجدران الفاصلة كانت ستائر الموسلين».
بعد رحلتي إلى الجنوب، بدا البيت أصغر وأهدأ، كما أن التألق الأول لروعة سان فرانسيسكو كان قد أكمد عند الأطراف، على حين الكبار فقدوا الحكمة من معالم وجوههم، ففكرت أنني تخليت عن الشباب من أجل المعرفة، وكان مكسبي أكبر قيمة من خسارتي.

الصيف المبعثر
وجاء في الفصل (33): «بيلي كان قد كبر هو الآخر كثيراً.. أكبر بسنوات مما أصبحت أنا، كما أقام صداقات خلال ذلك الصيف المبعثر للشباب مع مجموعة من صبية الشوارع الملساء، لغته تغيرت كما راح يسقط على الدوام، مصطلحات اللهجة في جمله مثلما تسقط الزلابية في قدر، ربما كان مسروراً أن يراني، لكنه لم يتصرف بما يوحي بذلك، وعندما حاولت أن أحكي له عن مغامراتي وورطاتي كانت ردة اللامبالاة العرضية هي التي أوقفت الكلام على شفتي، رفاقه الجدد كانوا يتجمعون في غرفة المعيشة والصالة، يلبسون بدلات الزوت (سترة طويلة وصدارات وبنطلون ضيق)، القبعات ذات الحواف الواسعة والسلاسل الأفعوانية الطويلة المتدلية من أحزمتها كما كانوا يشربون الجن خفية ويروون النكات البذيئة، ورغم أنني لم أشعر بالندامة، إلا أنني قلت لنفسي بكل حزن: إن البلوغ لم يكن تلك العملية الخالية من الألم التي يظن المرء أنها كذلك».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن