قضايا وآراء

جنيف وسوتشي مساران يتناقضان في المرجعية والأهداف

| يونس أخرس

سابقة تاريخية أن يتزامن عقد مؤتمري جنيف وسوتشي، مع التأكيد عبر التصريحات الدبلوماسية أنهما يتكاملان، لبلورة حل سياسي لأزمة واحدة هي الأزمة السورية، إلا أن واقع الحال يقول إن مساري الحل في جنيف وسوتشي، يعبران عن التناقض الحاد في رؤية الحل السياسي في سورية بين الدول الفاعلة في الأزمة السورية، والتي تتمحور في محورين يضم أولهما الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية ودول الخليج، التي تدعم العملية التفاوضية في جنيف، على حين يتمثل محور الدول المنخرطة في تنظيم مؤتمر سوتشي بروسيا الاتحادية وإيران وتركيا.
فمن أجل إنهاء دوامة العنف والفوضى التي عصفت بالدولة السورية، وكمخرج وحيد لأزمتها، جاء مؤتمر جنيف في 30 حزيران 2012، إلا أنه لم يكن سوى ساحة جديدة لممارسة الضغوط على الدولة السورية بهدف إنتاج حل سياسي يقود في النهاية إلى تقليص سيادة الدولة السورية، وتكثيف زعماء المعارضة، المسلحة وغير المسلحة، بنيوياً في مفاصل ومراكز قرار الدولة السورية الجديدة لتضطّلع بمهمة رئيسية، كنتيجة لعلاقتها الوظيفية مع دول المؤامرة على سورية، وهي صياغة هوية سياسية جديدة للدولة السورية تتخلى عن نهج المقاومة ودولها، وعن علاقاتها الإستراتيجية والتاريخية مع روسيا بما يؤدي إلى تقليم مخالب نفوذها شرقي المتوسط، وذلك لفتح الباب على مصراعيه لدخول سورية فلك التبعية للولايات المتحدة، وما يترتب عليه من تبني سياسات إقليمية ودولية تعطي لأمن إسرائيل ومصالحها الأولوية المطلقة في المنطقة العربية.
لكن تطور الموقف الروسي من الأزمة السورية، من استخدام الفيتو في مجلس الأمن إلى التدخل عسكرياً عبر سلاحها الجوي، مكّن الجيش السوري من تحقيق انتصارات حاسمة شكلت الرافعة السياسية لكل المبادرات التي قادتها روسيا باتجاه إنهاء الأزمة السورية، وكان آخرها مبادرة الحوار الوطني السوري في سوتشي، كنتيجة لهزيمة داعش على يد الجيش العربي السوري، فالحسم العسكري يجب أن يستتبعه حسم سياسي، وهو ما أعطى روسيا موقعاً متقدماً وفرصة لخلق مسار جديد للحل السياسي، يحدد خيارات جديدة للتفاوض تخرج عن سياسة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، ويكسر الضغوط المفروضة على هذا الحل داخل مؤتمر جنيف، ويخرجه من عباءة الفاعلين الدوليين الذين يضمرون في قاع الحل السياسي إعطاء الجماعات الإرهابية المسلحة ما عجزوا عن تحقيقه بالسلاح، كما أرادت موسكو تأسيس مرجعية جديدة للحل السياسي في مؤتمر سوتشي من خلال توسيع القاعدة التفاوضية التي تبحث في مواضيع الحل الأساسية وهي الدستور والانتخابات، لتضم ممثلين عن كافة مكونات المجتمع السوري بهدف توفير الحامل الاجتماعي والوطني لهذا المؤتمر والحل السياسي الذي سيخرج عنه في ظل غطاء إقليمي ودولي لهذا الحل تسعى روسيا لتأمينه تحت سقف بقاء الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة، وإمساكه بقرارات الدولة السيادية.
لكن الولايات المتحدة المعنية، من الحل السياسي بموقع إيران في هذا الحل، ترى في سوتشي أداة لرسم خارطة جديدة لنفوذ دول الشرق الأوسط، وفي مقدمتها إيران على حساب مصالحها، ولذلك أعلنت عن تشكيل جيش شمال سورية كأحد أدوات أجندتها في سورية، وتمسكها ببقاء قواعدها العسكرية فيها، وربط إعادة الإعمار في سورية بتفريغ الدولة السورية من رموزها وصلاحياتها، ما يؤكد مرة أخرى تمسكها بروح مرجعية جنيف ومضمونها، الأمر الذي دفع موسكو التي تستعجل الحل السياسي إلى تبني القضاء على جبهة النصرة كأولى أولوياتها في عام 2018، وهو ما يعني أن التصادم غير المعلن بين مساري جنيف وسوتشي سيستمر حتى يتمكن الجيش السوري من تحقيق علامة فارقة جديدة في سجل انتصاراته على الإرهاب وداعميه تعطي لمؤتمر الحوار الوطني في سوتشي أفضلية على مؤتمر جنيف تمكنه من تجاوزه، وتعطي أيضاً للشعب السوري من خلال هذا المؤتمر فرصة لإيجاد حل للأزمة التي تلف بلده منذ سبع سنوات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن