من دفتر الوطن

طريق الخلاص

| عصام داري 

الحياة رحلة مجنونة بين الواقع والحلم، بين الحقيقة والأكاذيب، بين أزاهير وأشواك، الحياة هي تناقضات النفس البشرية بين خير وشر، حب وكراهية، تسامح وأحقاد، وبين كل هذه المشاعر والأحاسيس يسير قطار العمر بسرعة تنسينا من نحن، كيف جئنا، وإلى أين نمضي وما رسالتنا في هذا الزمن المحدود الذي هو كل ثروتنا من العمر طالت السنوات أم قصرت؟
إذا كانت حياتنا مزيجاً من المشاعر والأحاسيس والنشاطات المتنوعة التي يبذلها الإنسان طوال سني عمره، فمن الطبيعي أن نخطئ ونصيب، نحب ونكره، ننتقل من حالة إلى نقيضها، ونعيش الحياة بكل تقلباتها، من متاهات وأنواء عاصفة حيناً، وهادئة كنسيمات المساء المنعشة حيناً آخر، لكن يبقى الحب ذلك المخدر الذي يحول الدنيا إلى فرحة بلا حدود، ويطلق الخيال والإبداع والتحليق.
علينا أن نعيش الحب فنحن لا نملك سوى عمر واحد فلا نضيّع لحظات وأيام هذا العمر في متاهات وحسابات وتعقيدات لا جدوى منها ولا طائل، وقد ندخل دوامات الحياة ونتعرض لأزمات ومشاكل وهموم لا حدود لها، لكننا نمتلك وصفة تزيح عنا كل المنغصات، هي وصفة الحب، ليس الحب بمعناه الضيق، بل بمعناه الأوسع الذي يصبح محبة، و«المحبة لا تعطي إلا ذاتها» كما قال جبران.
قد نجد أنفسنا في الزمان الغلط المشحون بأشباح وغيلان تحتل مساحات كانت لإنسان طبيعي يعشق نسائم الصباح، وسهرات الزجل والغزل على ضوء القمر، وقد نسبح في تيار جارف، يحاول جرجرتنا نحو أعماق الجهل والتخلف والتوحش اللا محدود، لكننا لن نتوقف عن زراعة ورود الحب وأزاهير الأمل، ونملأ الأرض دروباً لعشاق سيأتون بعدنا، ويتذكرون أياماً كان العشق رجساً من عمل الشياطين والأبالسة، ومن يقترف جرم العشق تحق عليه لعنة الأرض والسماء.
تحكمنا اللحظة بكل خصوصيتها، من فرح وحزن وشوق وحنين، تحكمنا اللحظة المتعبة التي تأتي في التوقيت الغلط، وعندها ترى أنك تبتعد عن المحيط الذي يجب أن تنتمي إليه، والمكان الذي تتوق لتمضية ساعاتك المتبقية فيه، تنتسب إلى الحالمين المتمسكين بطرف خيط الأمل، عشاق الحياة، صنّاع الحب.
التحليق بأجنحة مكسورة يدمي القلب وينهك الجسد ويستنزف الطاقة، لكننا لا نستطيع التسليم لقوة المجهول الذي يضغط على أرواحنا ونفوسنا، وتبقى فسحة أمل قادرة على صنع المعجزات ولو كانت بحجم ذرة، ووزن ريشة عصفور.
دعوا المحطات للمسافرين، والأغصان للحمائم، والموانئ للبحارة، والأوتار للموسيقيين، والقصائد للشعراء، والبنادق والخناجر للقتلة، والمعاول والسنابل للفلاحين، والحب للعشاق، والقبور للفقراء، والكراسي لتجار الكذب، والأسواق لتجار الرقيق والقتل البطيء.
اتركوا كل شيء واتبعوا قلوبكم الدافئة فهي طريق الخلاص بعدما سدوا في وجوهنا كل الدروب، وأغلقوا الأبواب والنوافذ ولغموا الطرقات والمدن، وحاولوا اغتيال حتى الآمال والأحلام فينا، لكن شمس الحب مشرقة وإن طال الزمان.
ويبقى الحب مركباً من نور، وأشرعة من حنين، ونحن ننتظر على مدى عمر كامل رحلة في زورق من خيال رسمناه، قد يأتي، وقد لا يأتي أبداً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن