ثقافة وفن

وماذا عن دور الوزارات الناعمة…السياحة والثقافة: الضوء الخلبي…والخطاب المكرر.. والتزام بالدوام الإداري

عبد الرزاق دياب : 

من المؤكد أن ضرراً كبيراً لحق بأغلب القطاعات النشطة التي كان من المأمول منها أن تغطي عمل بعض القطاعات الناعمة التي تحتاج فقط للمسات جمالية لتكون الوجه الجميل للبلد، وهذا الأمر تجاوزناه للأسف مع بدء الأزمة والحرب على سورية بسبب تعرض هذه القطاعات للأذى الهائل، والتخريب المدروس فقط من أجل أن يبدو وجه هذه البلاد قبيحاً ومغايراً لتاريخها، فالسياحة والثقافة وجها الوطن الحسن الذي قصرنا بحقه أيام الرخاء، ومن ثم أتت الحرب فلوثته.

السياحة… تسعى
خلال اجتماع مجلس الشعب قال وزير السياحة بشر اليازجي: (إن الوزارة تسعى إلى تفعيل السياحة والمساهمة في رفد خزينة الدولة بالقطع الأجنبي من خلال خطوات عديدة في مجال الاستثمار والترويج والتخطيط والتأهيل والتدريب).. وهذا حق يجب أن تمارسه كل الوزارات التي بإمكانها تقديم كل ما تملك من أجل المساهمة في رفد الخزينة العامة بما يساعدها على التوازن والصمود.
ولكن يعود الوزير ليؤكد أن وزارته (غير راضية عن الرقابة السياحية)…. وهنا يجب الوقوف عند كلام ينفي إمكانية الوزارة رفد الخزينة العامة، إذ إن السبب كما يراه السيد الوزير: (تم إغلاق 35 منشأة سياحية خلال الفترة الماضية نتيجة مخالفات في الشروط الصحية أو عدم الإعلان عن الأسعار)… وهذا مال ضائع على خزينة الدولة بسبب الرقابة السياحية التي هي جزء من عمل الوزارة، وقد تقلص هذا العمل بسبب الأزمة فصار من المفروض أن يكون مضبوطاً لتحقيق الريع الخالص لمصلحة الخزينة.
يذهب الوزير إلى الإجراءات التي ستتخذها الوزارة للوصول إلى رقابة جيدة أو على الأقل مقبولة… يتابع الوزير: (وهناك إجراءات جديدة تعمل الوزارة على اتخاذها لتشديد هذه الرقابة من خلال امتلاك تجهيزات تقنية وحديثة تسهل عملية الرقابة على عمل المنشآت السياحية).. فالمسألة كما يقول اليازجي في طور العمل ولم تنفذ بعد، وواقع التهرب مزمن وليس ابن المرحلة التي نعيشها، وفي ظلها تتعقد كل الإجراءات التي من الممكن أن تحول دون تحقيقها أسباب ومعوقات كثيرة.
ويمكن لأي مواطن أن يعدد من دون أي جهاز تقني مكامن الخطأ في المنشآت السياحية، ويحدد المنشآت المخالفة فكل مقاهي البلد ومطاعمه وفنادقه لا تتقيد بالسعر ولا بالجودة، وكلها تفرض على المواطن ما تدفعه نتيجة الغلاء أو عدم تأمين اللوازم التي تحتاجها بالقطع الأجنبي ويتحملها الزبون.
الوزير أضاف جديداً إلى ما قدمه من رقابة تقنية وهو أن وزارته تعمل على التدخل الإيجابي في السوق لضبط الأسعار، وهذا يذكر بالتدخل الإيجابي بمؤسساته لخفض أسعار المواد الغذائية الأساسية التي لاتزال ترتفع يوماً بعد آخر وبنسب كبيرة؟.

انتهاكات دمشق القديمة
دمشق القديمة دفعت سابقاً ثمناً باهظاً لثورة المطاعم الحديثة، والمقاهي التي آثرت البيوت القديمة ورممتها على طريقتها بشروط يعتقد البعض أنها متناسقة مع الطراز المعماري للمدينة الضاربة في التاريخ، وتحولت إلى مطعم كبير، واشتكى كثيرون من القيّمين عليها من انتهاكات على نمطها الأثري، أضف إلى ذلك أن أغلبها لم يدعّم بالشكل الصحيح، وأنها تسبح فوق صرف صحي غير مضبوط، وكلنا يذكر جيداً ما تم من مخالفات بحي (الحمراوي) والشكاوى الكثيرة التي أثيرت في الإعلام المحلي حول الاعتداءات الجائرة على الحي، ومحاولات من البعض لتحويله إلى استثمارات سياحية سريعة بحجة استملاكه.

وزارة الثقافة… دور خطابي
في جلسة مجلس الشعب وجهت أسئلة كانت بمكانها حول دور وزارة الثقافة في الحفاظ على الآثار التي تمت سرقتها من المدن الأثرية المنهكة والمدمرة وليست تدمر آخرها، وطالب البعض بتشكيل لجنة لإعادة النظر بواقع المراكز الثقافية في محافظة ريف دمشق… وهنا لا بد من التطرق إلى الدور الغائب لهذه المؤسسات في أبسط أشكاله من تحقيق علاقة إيجابية مع المجتمع والتواصل معه لا أن تتحول (قبل الأزمة) إلى أبنية وقصور للخطب والمناسبات ومجرد مؤسسة حكومية يداوم بها عدد من الموظفين ويقبضون رواتب من دون أي عمل، وفي قمة هذا العمل يلتزمون فقط بالدوام الإداري، ويقدم مدير المركز تقريره وبرنامجه الثقافي الذي يعتمد على المعارف وإقامة نشاطات خلبية لا معنى لها.
أحد الأعضاء طالب بضرورة مراقبة دور النشر والكتب التي تسوقها حفاظا على الثقافة والهوية الوطنية، وهنا نجد أن ما تسوقه دور النشر هو إعادة طباعة الروايات العالمية الأم وسرقتها بطبعات بائسة من دون رقيب أو حسيب، وانتهكت دور النشر بالتواطؤ مع بعض الناشرين حقوق غابرييل غارسيا ماركيز وباولو كويلهو وغادة السمان ومحمود درويش ونزار قباني وأخيراً أحلام مستغانمي من دون أن يحاسبها أحد أو يسأل أحد من وزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب عن مصدر هذه الطبعات التي تباع النسخة مثل «الحب في زمن الكوليرا» بـ250 ليرة وكذلك الرواية «إحدى عشرة دقيقة…» إلخ.

الإجابات المفحمة
ليس مستغرباً أن تكون الإجابات بهذا الشكل الكلاسيكي من التنصل وإلصاق الدور الغائب بالآخرين، فوزير الثقافة يرى أن (الوزارة ليست معنية بمنح إجازات طباعة الكتب وتداولها في الأسواق وهذا الأمر هو من صلب عمل وزارة الإعلام لكن الرقابة بمفهومها التحصيني تنصرف على جميع الوزارات والمؤسسات العامة والأهلية)… إذا ليس هذا التشويه الذي يمارس من الناشرين والدور البوهيمي للمراكز الثقافية من مهام وزارة الثقافة، وحتى من الجانب الرقابي التحصيني… فمن المتوقع أن يلقي كل منا الحمل الثقيل الناعم من على كتفه ويرميه على أكتاف الآخرين الذين بدورهم سينقلونه إلى أكتاف وسواهم… وهنا تتسع دائرة الخلل لتصير فسحة واسعة للخراب.

أقوال…؟.
(وزارة الثقافة ليست وحدها المعنية بإنتاج مشروع ثقافي وطني وإنما هي من يمتلك الأدوات الثقافية لخدمة الفعل الثقافي المجتمعي العام)… هذه كلمات وزير الثقافة التي تختصر دور وزارته، وتعرف هذا الدور الوطني بأنها تمتلك أدواته ولكنها ليست وحيدة بإنتاج هذا المشروع، وهذا ما ينطبق على الجميع لا أن تلقى التبعات على الآخر، ولو تقاسمت مع سواها المسؤوليات لما كنا نعدد الآن الأخطاء والعثرات، ونصل إلى ما وصلنا إليه من واقع ثقافي يحتاج إلى علاج فوري وبكل الإمكانات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن