ثقافة وفن

إنه مسرح… وليس…

| إسماعيل مروة

أعد الفنان الأستاذ غسان مسعود العدة زمناً لتقديم مسرحية، وأمام نص لابنته لوتس وقف الفنان ليقدم عملاً انتهى به موسم 2017 للمسرح القومي، ولابد من الإشادة بما أنهى المسرح القومي ووزارة الثقافة الموسم المسرحي. الجمهور في كل عرض من العروض كان كثيفاً، وعاد كثيرون من دون التمكن من حضور العرض وهذا ما يستدعي إعادة النظر في بعض العروض التي تستقطب جمهور المسرح، ومهما كان سبب هذا الإقبال، وفي هذا العرض «كأنو مسرح» عزا بعضهم من الجمهور لحبه لغسان مسعود وأستذته، ومنهم من أعاده إلى وجود حشد من النجوم من ديمة قندلفت ومحمود نصر وأيمن عبد السلام ونظلي الرواس ولجين إسماعيل وروبين عيسى وسواهم، ومنهم من رده إلى تعطش الجمهور للمسرح ولإطلالة عزب العفوية التي تحمل عبق مسرح الحمراء.. وكل هذه الاحتمالات صحيحة، وليست انتقاصاً من العرض، فغسان مسعود الذي ينشغل بأعمال عالمية وجد استراحة لجمهوره السوري الذي كان وراءه على الدوام، وأطل عليه بعمل مسرحي أمام جمهوره الذي أحبه وكان من الممكن ألا يفعل، ولن يطلب من أحد فعل ذلك. والنجوم الكبار، على الرغم من انشغالاتهم بأعمال درامية مربحة في الداخل والخارج، خصصوا وقتاً لتقديم هذا العرض، وما فعلوه فيه صفات السوري، فقد كانوا أوفياء لأستاذ من أساتذة الفن في سورية، وهذا وحده يستحق الثناء، إضافة إلى اقتطاع وقت ثمين من أجل جمهورهم السوري الذي يحبهم.. وما كان لغسان مسعود، ولا من النجوم الكبار أن يفعلوا ذلك لولا قناعتهم بالنص الذي عرض عليهم، وأعرف أن أصحاب العمل أخضعوا أنفسهم لورشة عمل وكان النص مفتوحاً لتقديم إسهاماتهم وإبداعاتهم التي يحملونها، ولهذا جاء العرض جماهيرياً.
وبغض النظر عن الآراء المهمة التي انتقدت العرض، وربما انتقصته، وعن الكتابات التي تريد مسرحاً نخبوياً مهماً يرقى إلى أوديب وسواه من الأعمال الخالدة، بغض النظر عن هذه الآراء التي تحمل قيمة مهمة، إلا أن ما يجب أن يتم التوقف عنده في هذا العرض يتفوق على الأعمال والتطلعات التي نريدها، وعلينا أن ننظر إليه من واقعه الذي رأيناه.
فأولاً استطاع هذا العرض إضافة عروض أخرى كدائرة الطباشير واختطاف للفنان الكبير أيمن زيدان أن يبشر أن سورية بخير، والفن والجمال لا يتوقفان فيها بسبب الحرب، فالمسرح يستمر والفنانون الكبار ينزلون إلى المسرح غير آبهين بالحرب والدمار ويمارسون بذلك دورهم الفني في حياة سورية، ولا يكتفون بالتنظير والحذلقة والدعاء من خلف حدود الوطن المثخن بالجراح- فكانت أعمالهم بلسماً لمداواة سورية الجريحة.
وثانياً فقد أثبت العرض أن الفنان السوري وإن كان نجماً، فإنه لا يتردد في تقديم مسرح جماهيري قادر على إعادة الحياة في البيئة المسرحية المرهقة المتعبة، والتي عزف عنها أغلب صناع المسرح من العرب والسوريين.
وثالثاً فإن هذا العرض استطاع أن يجمع بين الالتزام والجماهيرية، وأكد أنه ليس صحيحاً بأن المسرح القومي غير جماهيري، وأن الجماهيرية حكر على المسرح التجاري، بل يمكن من خلال ذائقة متقدمة للصانع الأساسي للعمل الفنان غسان مسعود، فإنه نستطيع أن نحقق معادلة مسرح جماهيري، ورابعاً فإن العرض أثبت بما لا يقبل الشك أن الجمهور السوري ذواق، وأنه يمكن أن يقبل على عمل احترمه، وليس صحيحاً أن الذوق العام هو الذي تدنى، وإنما المشكلة فيما نقدمه نحن، وخامساً وأخيراً فإن المتابع للعروض التي قدمت سيجد أن أغلب الشرائح التي تابعت العرض هي من الشرائح الشبابية، ما يدل على استمرار النظرة المتقدمة للجيل السوري الشاب.
شكراً لوزارة الثقافة، وللمديرية العامة للمسارح والموسيقا، والأمل أن يكون هذا العمل قد سجل تلفزيونياً ليتم عرضه على شاشة التلفزيون.
ليس مجدياً أن تتم مقارنة العمل مع سواه بقدر ما يجدي أن نكون قد استفدنا واستمتعنا بعرض مسرحي متقدم على الرغم مما يعصف بنا من حرب ومخاطر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن