قضايا وآراء

تحالفات العراق: نفس طائفي

| عبد المنعم علي عيسى

يوم الجمعة الماضي أقفل في بغداد ملف التقدم باللوائح التي ستخوض الأحزاب والتحالفات على أساسها الانتخابات التشريعية المقبلة، ولم يتم تمديد المهلة إلى يوم السبت كما أشيع، وربما كان ذلك إشارة إلى أن الحكومة المتشددة في عدم التمديد ليوم لن تكون بوارد تأجيل الانتخابات تحت أي ظرف كان لأشهر، والجديد في هذا السياق هو انضمام الرئيس العراقي فؤاد معصوم إلى جوقة المطالبين بإجراء الانتخابات في موعدها، لكن على الرغم من ذلك فإن فترة الأشهر الأربعة المقبلة قد تكون كافية للوصول إلى قناعات أخرى، فرئيس الوزراء العراقي يدرك ولا شك أن أغلبية القوى والأحزاب، ما عدا السنة، التي تعلن عن أنها مع إجراء الانتخابات في موعدها هي نفسها التي تقول في السر إنها مع تأجيلها، انطلاقا من أن موجبات نجاحها غير متوفرة بدءا من غياب الاستقرار مرورا بعدم عودة اللاجئين وصولا إلى التوتر القائم مع أربيل.
لا بد من الاعتراف أن العبادي قد عمل جاهدا على أن تكون السمة الأبرز لحكمة هي في استعادة الوطنية العراقية العابرة للطوائف والعشائر، وربما نجح في العديد من المواقع كما أخفق في بعضها، ولربما توهج نجاحه بصورة عامة لأنه جاء في أعقاب سلفه نوري المالكي الذي استخدم خطابا طائفيا وصل إلى ذروته في العام 2014 عندما راح يتحدث عن «الخطر السني» وعن «انبعاث الخطر السني البعثي من جديد»، لكن لكي لا نظلم الرجل ينبغي أن نقول إن نجاحه لم يكن مقتصراً على ما سبق، فهو تبنى مرونة فائقة مع جميع الطوائف إلا مع الأكراد الانفصاليين وتلك حالة أخرى فهو في الموقع المسؤول عن وحدة وتماسك العراق والقيام بكل ما من شأنه أن يحققهما.
حتى لحظة إغلاق باب التقدم باللوائح الانتخابية كان عديد المتقدمين 27 تحالفاً إضافة إلى بعض الأحزاب التي قررت خوض الانتخابات بشكل مستقل، واللوائح تظهر أن الجامع الأكبر فيما بينها هو تقوقع الطائفة نحو دواخلها في مقابلة تقوقع الطوائف الأخرى نحو دواخلها هي الأخرى أيضاً، قد تكون المناخات التي جاءت فيها تلك التحالفات هي التي حددت هويتها إلا أن ذلك كله لا يعتبر كافيا للسير في اتجاه تعويم الطائفية وسيلة لممارسة السياسة، وإذا ما كان لنا أن نمر سريعا على ما أنتجته ذلك المخاض العسير والهزيل النتائج، يمكن القول إن هناك سمتين بارزتين على هذي الأخيرة: الأولى هي التفكك والتشرذم الذي طبع الحراك السني في مواجهة ذلك الاستحقاق، فالشرائح السنية قررت خوض الانتخابات بثلاث لوائح، ولربما يمكن النظر إلى تلك الحالة على أنها حالة ايجابية في مسار الوصول إلى عراق موحد، حيث التفكك هنا يحصل لصالح السير في تحالفات سياسية حقيقية بعيدة عن المؤثر الطائفي، ولربما كان ذلك أيضاً يشير إلى درجة من النضج والتطور وصلت إليها الطائفة السنية وهي تتفوق على نظيراتها لدى جميع الطوائف الأخرى، الثانية: صحيح أن الطائفة الشيعية هي الأخرى أيضاً قررت خوض الانتخابات بثلاث لوائح أيضاً، إلا أن الأمر يختلف هنا في طبيعته أو الدلائل التي يشير إليها، فالتفكك هنا نابع بالدرجة الأولى من الصراع على السلطة فحسب، وهو الأمر نفسه الذي أدى إلى وصول الانشقاق إلى حزب الدعوة الحاكم نفسه ما بين تياري العبادي والمالكي الذي قرر خوض الانتخابات عبر لوائح أطلق عليها «تحالف النصر» وإن كان ذلك غير معلناً إلى الآن في محاولة لرأب الصدع إن أمكن كما يبدو، ثم إن كتلة «الحشد الشعبي» بدت حالمة بالوصول إلى السلطة وإن كان ذلك بتحالف قد يكون مع كتلة مقتدى الصدر أو مع كتلة عمار الحكيم الذي قرر خوض الانتخابات بشكل مستقل، لكن على أساس أن تكون هي، أي كتلة الحشد الشعبي، الضلع الأهم في تلك التركيبة وتحظى بنصيب الأسد فيها.
اليوم يبدو السؤال الأهم هو إذا ما كانت الانتخابات ستجري في موعدها أم لا؟ وأياً تكن الإجابة على هذا السؤال الأخير فإن تلك الانتخابات تعتبر الحدث السياسي الأهم في العراق منذ سقوط بغداد في العام 2003، وهي ستحدد لوقت طويل شكل ولون ونكهة عراق المستقبل، والأمر اللافت هو أنها ستجري للمرة الأولى الكترونيا مع وجود لبعض المراكز التي سيتم فرز الأصوات فيها يدويا، والأمر في حالتيه يثير مخاوف الكثيرين فتجربة الفرز اليدوي السابقة كانت مريرة وقد شهدت حالات تزوير كانت حاسمة في النتائج التي أوصلت إليها، أما الفرز الالكتروني فهو يحتاج إلى رقابة دولية صارمة فالعراق متصارع عليه وهناك العشرات من المواقع التي باتت متخصصة في اختراق هكذا عمليات ولن تكون الانتخابات العراقية بمنأى عنها، فهي ستكون بشكل أو بآخر منازلة أميركية إيرانية على الأرض العراقية في الوقت الذي يحتدم فيه الصراع حول وجوب التحالف مع إيران أم مع أميركا وإذا ما كانت الأولى تسيطر على الأرض فإن الأخيرة تسيطر على الجو، ولذا فإنه لا بد من تحديد المعادلة الناظمة لهاتين السيطرتين الأمر الذي يتوجب على الانتخابات العراقية المقبلة فعله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن