ثقافة وفن

الاعتماد على العقل والمصلحة الذوقية في تفسير النصوص الشرعية … جائزة القدس لهذه الدورة للصالح عن النقد الأدبي ولسلماوي عن الرواية ولدرويش عن القصة القصيرة

| سوسن صيداوي

في الصدق تكون الحقيقة، الأمر ليس سهلاً وخصوصاً في أيامنا هذه، أيام الحروب وانتشار الشرور، لقد أصبح أمراً معقداً أن يحلّ الصدق مكان كثير من أمور نقوم بها بإرادتنا في حياتنا، ومن بين تلك الأمور- الكلمة- فكيف إذا كانت الأخيرة طيبة وصادقة. في الكلمة الطيبة والصادقة تُفتح الأبواب الموصودة، ويمكن تجاوز المسافات الشاسعة. بالكلمة الطيبة سيزول الظلام السائد ليحل محله نور يذيب القلوب ويلامس العقول فكراً تنويرياً بناءً، ثابتاً وراسخاً مهما حاولت الأيادي الخفية تخريبه أو العبث به. ولأن الفكر التنويري وخاصة في السنة السابعة لما عانته سورية الحبيبة من إرهاب تكفيري، كفر بالكلمة وبالدين وبالأخلاق، لهذا في هذه الأيام القادمة على البناء والإعمار العام، كان لابد من الوقوف مع أصحاب الكلمة الصادقة في إطار الاجتماع الدوري للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب المنعقد في دمشق، من خلال جلسته الثانية التي جاءت بعنوان: «التنوير في مواجهة التكفير»، متحدثاً خلالها سماحة مفتي الجمهورية العربية السورية د. أحمد بدر الدين حسون عن نقاط مهمة يأتي الحديث حولها تباعاً.

سورية بلاد التنوير

في البداية استهل الندوة رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية الدكتور نضال الصالح مرحباً بسماحة المفتي ومتحدثاً عن علاقته معه، ناثراً بعضاً من حسن صفاته، حيث قال: «أحمد بدر الدين حسون بعيداً عن الألقاب الكبرى التي تليق به، وهو الجدير بها، إنسان بالمعنى الدقيق لكلمة إنسان، كما شاء الخالق أن يكون الإنسان على صورته، صدق مع الذات، وصلابة في الموقف، وثبات في الرؤية، وإيمان كبير بقيمة كبيرة هي الانتماء إلى الوطن، وعندما نتحدث عن التنوير يعني أن يتصدّر واجهة الحديث أحمد بدر الدين حسون، وعندما نذكر كلمة التنوير، لابد من أن يكون في مقدمة هذه الكلمة، في الحرف الأول منها أحمد بدر الدين حسون. هكذا عرفته منذ عقود في مدينتنا المشتركة حلب، حلب التي دفعت أثماناً باهظة بسبب انحيازها إلى التنوير، كما دفعت سورية أثماناً باهظة بسبب انحيازها أيضاً إلى التنوير، لم نشأ في سورية منذ أبجدية أوغاريت إلا أن نكون تنويريين، نحن الذين علّمنا الإنسانية معنى التنوير، ألم تكن الأبجدية الأوغاريتية أول خطوة نحو استثمار العقل في مواجهة أسئلة الطبيعة آنذاك، التي لم يكن يحسن الإنسان فك رموزها وطلاسمها. عندما نتحدث عن أول مدونة موسيقية في العالم خرجت من سورية يعني أن نتحدث عن التنوير. وبالنتيجة عندما نتحدث عن التنوير يعني أننا نتحدث عن سورية».

ما نتحدث به يبقى ضمن الكتاب
أثار سماحة المفتي خلال الندوة التي نذكر بعنوانها «التنوير في مواجهة التكفير»، العديد من النقاط التي سنتطرق لأهمها، مفتتحاً بالحديث عن محبته للأدباء العرب، وعلاقته المتينة بصدق حروف كلماتهم، متابعاً: «كم كنت أغبطكم أيها الأدباء العرب، حينما كنت أقرأ لكم وأنا في الستينيات، عندما كنت أفتح صحف الصباح لأرى ما في صحيفة، إلا وفيها عمود لأديب أو لشاعر أو لمثقف، أقرأ للصحف اللبنانية والصحف المصرية للزيات ولأمثاله في لبنان، أقرأ الكلمة الفلسطينية. كنت سعيداً بما أقرأ وكنت حزيناً بما أرى، كنت سعيداً أن أمتي مازالت تتكلم بلغة راقية، لغة الأدب ولغة الفكر، ولكن كنت حزينا لأن كثيراً ما نتحدث به، يبقى ضمن الكتاب ولا يرصد الإنسان، إن كان في المساجد وإن كان في ندواتي الأدبية، وخصوصاً حينما كنت أرى سورية تذبح، عن فلسطين وعن لبنان وعن الأردن، وتمزق سياسياً. نعم تمزق سياسياً، نحن وطن واحد، منذ آلاف السنين كان أجدادنا يمشون من الرهى إلى غزة، ومن قبرص إلى معان، لا يدفعون المال لدخول البلاد ولا يضطرون لإبراز جواز السفر لأنهم في بلاد الشام، بلاد اختارتها السماء لتكون مهبط الديانات ولتكون مشرق النور على العالم».

حوار وصدام الحضارات
أشار سماحة المفتي حسون إلى سعادته وإعجابه الكبيرين بما سمعه من بلاغة خلال افتتاح الاجتماع الدوري العام، الأمر الذي جعله متسائلاً في نفسه بأي لغة سيحدّث الأدباء والشعراء القادمين من الأقطار العربية الشقيقة خلال الندوة، متابعاً: إن لغتنا العربية جميلة، ولكن علينا ألا نقع في فخ المصطلحات التي أصبحنا نستسيغها في التداول، وباتت هي المفردة التي نتحاور بها، قائلاً: «أبدأ أيها الأحبة بما وقعنا فيه من مصطلحات، مشت علينا وعشنا فيها زمناً نتحاور بها ونعتبرها أموراً من أهم ما نتحاور فيه، ولكن من دون أن نشعر سُيّرنا بها، جعلنا لها مؤتمرات وندوات، وكم سمعت عن حوار الحضارات وصدام الحضارات، سنوات وأنا أدعى لما يدعى حوار الحضارات وصدام الحضارات، ويوم عدت إلى المصطلح وجدت أن الأمر كذبة، بأنّ هناك حضارة إسلامية وحضارة مسيحية وحضارة بوذية وحضارة أميركية وحضارة غربية وحضارة عربية، فلما درست الحضارة، وجدت أنها تعني أمراً واحداً، وأنه مقابل الحضارة كلمة أخرى هي البداوة، فالحضارة ما تركه الأجداد والآباء حاضراً للأبناء والأحفاد، الحضارة من حضر يحضر، وهل هناك حضارة تتصف بعرق أو بدين أو بأمة، الحضارة فعل إنساني بدأ مع آدم عليه السلام وينتهي بآخر إنسان في هذه الأرض، نعم الحضارة فعل إنساني، والحضارة واحدة ونطلق عليها اسم الحضارة الإنسانية لأنها بدأت في المرحلة الأولى للسكان على الأرض… لذلك تساءلت لماذا هذا الفكر، ولماذا جعلوا للحضارات صداماً؟ فهناك من يقول لي الحضارة الإسلامية في الأندلس، وهنا أرد عليهم الحضارة تتأثر في الثقافة، فالثقافة لمجموعة من الناس تؤثر في مسير الحضارة الإنسانية، واليوم ونحن تحت مظلة الثقافة الصينية، حيث قال رئيس الصين من سنتين يكفينا فخراً بأنه لم يبق منزل في العالم إلا وفيه قطعة من إنتاج صيني. إذاً انتبهوا للثقافة كيف تؤثر في الحضارة، لذلك حينما بدأت قضية صراع الحضارات وبدأت أسمع من أدباء عرب أن حضارتنا الإسلامية هي التي بنت الأندلس، فهنا أقول لهم: من بنى الأندلس ليس العرب فقط وليس المسلمين فقط، كان هناك وزراء مسيحيون ويهود، وكان هناك علماء عاشوا في الأندلس مع المسلمين، وحينما تركوا الآثار في مالطة والأندلس، فإنها تدل على فعل إنساني أثرت فيه الثقافة الإسلامية. وهذا ما يجب أن نعود إليه، وبالتالي لماذا سُيّرنا في هذا الطريق، لنصل إلى ما بعد كلمة الحضارة، إلى كلمة الدولة الإسلامية والدولة المسيحية، والدولة اليهودية، هل الدولة يعطى لها دين، وهل الدين جاء للدولة أم للإنسان، فالله حينما صنع الإنسان وضع له نظاماً، وحينما يصنع الإنسان دولة يضع لها نظاماً، والفارق بين نظام اللـه ونظام الإنسان، أن نظام اللـه عز وجل قائم على الحب والأخلاق، فلا إكراه في الدين، ونظام الدولة قائم على الإجبار والإلزام وفي النهاية الأنبياء ما أسسوا دولاً».

انتبهوا لدور رجال الدين
من الأمور التي سلّط سماحة المفتي الضوء عليها، دور الأدباء والمفكرين في نشر الكلمة الحقة، متحدثاً عن دور رجال الدين الذين ساهموا أيضاً معهم في هذا، قائلاً: «قصرنا نحن في تطوير معرفة الأحكام الفقهية، وقصرتم أنتم في ترك الإسلام لنا، فلم تتحدثوا أنتم في تطويره في كتابتكم. قدسونا وجعلوا الاقتراب من العالم يوصل إلى جهنم، أما النقد لإنسان أعلن أنه ملحد، فما أسهل إصدار الحكم عليه، ومن قال بأنه يحق للإنسان بأن يصدر الحكم على ملحد والله خلقه ويعرفه بأنه سيعيش ملحداً، لماذا يكره رجال الدين الناس على أن يكونوا مؤمنين، لذلك الطبقية الدينية التي دخلت على المسلمين هي نفسها دخلت على المسيحيين، واستعملها اليهود، فسيدنا موسى عليه السلام طلب اللـه منه أن يكون مع فرعون ليناً، وكانت عشيرته من بني إسرائيل هي من أقسى العشائر مع الأنبياء، يمكنكم قراءتها في التوراة والإنجيل والقرآن، لقد قتلوا الأنبياء، لما ذهب الأنبياء جاء رجال الدين، انتبهوا إلى دور رجال الدين، في الإسلام ما من رجال دين، هناك علماء دين، فهذه خطورة بأن نقول رجل دين، فالمفتي ليس رجل دين، بل هو عالم فقه أو عالم دين، فكل إنسان رجل دين، إنما وجدت هذه الطبقة يوم وقف الحاخامات رجال المعبد ضد المسيح عليه السلام، فعلماء الدين هم الذين أفتوا بقتله، فحتى إن الأمير الروماني رفض بأن تتلوث يداه بدمه، فقال له علماء المعبد اقتله ودمه في رقابنا ورقاب أبنائنا. واليوم ألا رأيتم كيف تم استعمال الإعلام من علماء دين مسلمين، بقصف سورية وقصف اليمن وقصف ليبيا، إن هذه الصورة رأيت بها الصورة نفسها لصلب عيسى عليه السلام، يوم جعلوا لأنفسهم حق القتل، وحق الإيذاء. اللـه يقول لنبيه الكريم (ليس لك من الأمر شيء) ومن كان ضد الرسول الكريم؟ إنهم أهل الجاهلية. أهل الجاهلية، رجال المعبد، الملوك، هؤلاء الثلاثة هم ضد التنوير الفكري في كل زمان ومكان، فإن تخضيع الناس للملوك باسم الدين، يجعل الأمة خاضعة لإنسان يحكم باسم الله، ولا حكم إلا لله، فالذين جاؤوا وقتلوا وذبحوا في العراق وسورية، قاموا بأفعال كهذه باسم الله، فمن أعطاهم هذا الحق؟ من الذي علمهم؟ من الذي درسهم؟ كتب موجودة في معاهدنا ومدارسنا، كتبت في أيام الدولة العباسية، والأموية والعثمانية، لتبرر الحكم للملك كيف يجعل الناس تحت مظلته عبيدا، ومن لم يمش مع الملك يسجن، يطرد، يحرق. هل حقاً هؤلاء كانوا يغارون على الدين؟ لا…. بل كانوا يطلبون من المجتهدين أن يُخضعوا الناس لهم، وهنا الفارق بين الطائفة والمذهب، الطائفة مجموعة سياسية أرادت السلطة ولبست عباءة الدين، المذهب فكر متنور لا يصطدم بأحد إنما يعتبر من بعده رصيداً ومن قبله كنزاً له».

في ختام لطيب الكلمة
في ختام كلمة سماحة المفتي حسون قال مرحباً بالأدباء والكتاب العرب من جديد: «هذه سورية التي سُعدت بكم جميعاً، وأنتم رسلها اليوم إلى العالم، سورية التي هي على بوابة الانتصار، تشكركم جميعاً لأنكم كسرتم قيوداً أغلقت عليها، وحطمتم أفكاراً سيئة صيغت حولها، كلنا مسؤولون أيها السادة ويجب أن نتكامل، فيكون كل منا مرآة أخيه، لنصل إلى بناء وطن وأمة، فشعوبنا تستحق عطاءً أكبر، وشعوبنا العربية بكل أطيافها، تستحق أن نبذل لها أكثر، ليست المناصب هي المهمة، المهم أن تكسب إنساناً فهو أقدس عند اللـه من كل المقدسات، وسورية ما دفعت دماء أبنائها منذ سنوات سبع حتى الآن إلا لهذا الفكر التنويري الذي تحمله سورية للعالم، لو تخلينا عن هذا الفكر التنويري، لجعلوا من سورية، سويسرا تابعة وعبدة لهم، ولكن لما قررت سورية أن تكون حرة في فكرها، حرة في عقيدتها، حرة في قيمها، تقود ولا تقاد، عاقبوها هذه العقوبة من الرجعية العربية والصهيونية وأبناء السياسة المشتراة أعناقهم للعبودية، سورية يوم بدأ بناءها حافظ الأسد بناء جديداً جعل لها الاكتفاء الذاتي في العلم، في الطب، في الدين، في الغذاء وجعل لها حرية القرار السياسي، هذا الذي سمعتموه أيها الإخوة الأدباء العرب هو الفكر السوري الذي تجذرنا فيه، وإن سورية ليس فيها أقلية وليس فيها عرقية وليس فيها طائفية، إنما كلهم كنوز تثري فكر شعبها، فأنا بالنسبة لي الطوائف مدارس، والمذاهب مناهج والأعراق خزينة إنسانية تعطيني طاقة فكرية لبناء الحضارة الإنسانية، سورية التي حدثتكم اليوم بلغتها، للعالم أجمع هي التي ستكون حقيقة شاطئ الأمان للأمة العربية، وستكون أيضاً هي النور والخير للإنسانية، فمن سورية أشرقت علومنا في الأندلس، ومن سورية أرسلنا إلى الفاتيكان بولس والرسل، من سورية التي اختارها اللـه لرسالات السماء ستبقى هي الرحمة لبني الإنسان، فلشعبها أقول: ارفعوا رؤوسكم وهاماتكم إلى العلياء، فأجدادكم بنوا لكم عزاً من الفكر والإباء، ولقائدها أقول سلمت يداك، أضاء فكرك وصمودك، فقد بنيت للمستقبل من أبنائنا عزاً لا ينسى أبداً، والبوصلة ستبقى فلسطين لنا والقدس لنا».

في الجلسة الثالثة
تواصلت فعاليات اجتماع المكتب الدائم لاتحاد الكتاب والأدباء العرب في دمشق لليوم الثاني على التوالي، وذلك عبر وقائع الجلسة الثانية والأخيرة لندوة «ثقافة التنوير.. تحديات الراهن والمستقبل» التي بدأت فعالياتها بحديث د. طه حسن طه من الاتحاد القومي للأدباء والكتاب السودانيين في مداخلة بعنوان «ثقافة التنوير والراهن العربي» مركزاً في إحدى نقاطها المتنوعة والغنية بضرورة الإلحاح في موضوع التنوير باعتباره حاجة وضرورة في فكرنا العربي، لافتاً إلى أن واقعه ومآلاته في ظل راهن عربي صعب الفهم، وعصي الاختراق، مشيراً إلى وجود كم هائل من الصراعات التي أفرزتها تداعيات ما يعرف الربيع العربي أو الحراك السياسي، والاجتماعي، الذي حدث في السنوات الأخيرة، التي من خلالها اختار المرء تقويم تلك الأحداث وما سارت عليه وما نجم عنها، بما يخلق حيرة تطول نمط استيعاب بالثقافة العربية المعاصرة وإخفاقها في ربط الأسباب بالنتائج، متابعاً: «علما بأن جيل الرواد في عصر النهضة العربية قد حقق مكاسب رسخت مفاهيم ما زالت مجتمعاتنا تسير عليها، حيث تم توطين وتوظيف قيم التنوير في ثقافتنا، بما ساهم بقدر ملحوظ في متطلبات المشروع النهضوي العربي، رغم أن هناك من يتمترسون حول تصورات محددة للتاريخ ولأدوار الفكر في التاريخ، ومرة أخرى نشير إلى الموروث وقوته في سد أي متغيرات أو حتى مجرد تنوير، بل إنه يقف سداً منيعاً أمام أي طرح يحاول تغيير مفاهيم سار عليها الناس، ويسندهم في ذلك قوة التقاليد والعرف، وقناعاتهم الشخصية، ما جعل بعض المفكرين يعتقدون بتأرجح قيم التنوير في فكرنا المعاصر والراهن العربي ومن حركة المد والجزر وموجات العطاءات والحماسة لمشروع التنوير الذي أصبح محدود الأثر والتأثير في ظرف فكر محافظ وقيم مرتبطة بذلك الفكر يصعب اختراقها، ونعترف بأنه صراع لا يمكن حدوث حل له بين ليلة وضحاها، فالمشروع قائم على المحاولات المبذولة في ظل نيات مخلصة رغم وعورة الطريق والحاجة إلى قطع مسافات زمنية ليس معلوماً طولها أو قصرها».
وأضاف د. طه حسن طه في مكان آخر بأن كلمة ثقافة تمثل المرتكز الأساسي، كما تظل حاجتنا إلى ثقافة التنوير مرتبطة باسم خريطة عملية للطريق الذي ينبغي أن نسلكه، وهذا يتطلب منا وضع تصور موضوعي ورؤية ثاقبة وانفتاح روحي وذهني، ولا يتم ذلك إلا عبر طرح أسئلة ذات صلة بجوهر التنوير، لافتاً إلى أن الحل يكمن في استيعابها والإجابة عنها بعملية اجتهادية تصدح بالثوابت والمسلمات التي لا اجتهاد فيها، وتعالج القضايا الأخرى بفهم منفتح مؤسس ومستند إلى قيمنا الروحية، مشدداً على أننا بحاجة ماسة وفعلية لقيم تتناغم وتنسجم مع تاريخنا وأصالتنا، لذلك نشترط أن يكون التنوير متسقاً مع قيم وشروط حياتنا الواقعية والفعلية، هادفاً إلى إخراج الفرد من وحدته وتخلفه، في ظل العديد من الصعوبات ومشقة الوصول إليه نتيجة الإحباطات والعثرات والمعوقات التي تقف دون الوصول إلى نتائج إيجابية، وخاصة أن تراكمات التاريخ تمثل كماً هائلاً من العوائق والحواجز. ذاكراً عدداً من مظاهر الفكر منها: الغلو في نقد المدرسة السلفية التقليدية، وإظهار جمودها وانغلاقها على الواقع المعاصر، والاعتماد في تفسير النصوص الشرعية والأحكام الثابتة على العقل المجرد والمصلحة الذوقية وتأويلها وتنزيلها على أرض الواقع من خلال هذه الرؤية، والدعوة لتجديد الفكر الإسلامي وتأطيره من جديد، ونقد التيارات الإسلامية الحركية من غير تمييز واتهامها في مقاصدها بتسييس الدين لمصلحتها ووصمها بالانتهازية، والتأكيد المستمر على خيار الديمقراطية في الإصلاح، والدعوة لـ«الإسلام المستنير» كمخرج من الجمود والتقليد الذي تعيشه بعض المجتمعات الإسلامية، وتجلية التاريخ الإسلامي بدراسة سلبياته وإيجابياته وأسباب انحرافاته السياسية والفكرية.

التنوير في مواجهة الإرهاب
من جانبه تحدث د. شاهر إسماعيل الشاهر عضو اتحاد الكتاب العرب في سورية في مداخلته التي حملت عنوان: «التنوير في مواجهة الإرهاب» عن مفهوم التنوير شارحاً بأن التنوير ثورة كاملة بكل أبعادها، في الفكر والعلم والثقافة والرواية السياسية والممارسة، وعقد اجتماعي يستلهم قيم المعاصرة والأصالة، بين الحكومات والشعوب. موضحاً بأن التنوير ليس مسألة إصلاح ديني، وليس مسألة إعمال العقل في رؤية النص وتحليله، بل هو عملية شاملة، ومنظومة متكاملة في الأدب والفن والعلم والثقافة والتربية والسياسة والاقتصاد والمجتمع، تجعل من إنسانية الإنسان باعتبارها قيمة حضارية ومحوراً لفعلها الخلاق بما يحقق التطور والتقدم الحضاري في مسيرة التاريخ البشري. متابعاً بأن الحديث في التنوير يستوجب تحقيق خمسة شروط، أولها بأن الإيمان مسألة فردية وبأن علاقة الإنسان بربه لا تحتاج إلى وساطة، ثانيها بأن نؤمن بأن العقل والعلم لا يتناقضان مع الدين، فالعقل السليم لا يستبعد إمكانية الوحي، فالخالق القادر لا يصعب عليه شيء، أما الشرط الثالث الذي تطرق إليه د. الشاهر فهو تعزيز الأخلاق في سلوكنا، والأخلاق ليست بديلاً للدين، لكن كل الأديان تحض على الأخلاق، على حين جاء الشرط الرابع بالتمييز بين الدين والسلطة، فالدين علاقة بين العبد والخالق ولا يجب أن يتحول إلى أيديولوجيا، بينما الشرط الأخير يتحدث عن العمل على تحديث المجتمع، فلا يمكن الحديث عن التنوير في مجتمع متخلف، كاشفاً بأن أهمية التنوير تأتي من دوره في كشف حقيقة الجماعات الدينية السياسية، وخطورة أفكارها لأنها مستمرة في الخداع وتسويق الوهم ومحاولة إقناع الناس بأنها هي الحل، مؤكداً بأن الحل يكمن بفصل الدين عن السياسة، كما كان إعمال هذا الفصل في أوروبا طريقة للتقدم العلمي والارتقاء الإنساني، طبعاً من دون أن يؤدي هذا الفصل إلى إبعاد اللـه عن حياة المجتمع، مشيراً إلى ضرورة بقاء الدولة المدنية محترمة لحقوق المواطنين على أساس مبادئ الحرية والعدالة والمساواة بغض النظر عن الانتماءات الدينية واللغوية والعرقية.
وتابع: إن المواجهة الفكرية لا تقل أهمية عن المواجهة الأمنية والعسكرية، وخاصة أن الفكر هو الحامل الرئيس الذي تنهض به الأمم وتبنى من خلاله الأوطان وتستشرق مستقبلها، وبالتالي كان على المؤسسات الفكرية العمل على تعزيز الوعي التنويري لدى الشعوب في مواجهة الخطر الذي يشكله هذا الفكر المتطرف والجماعات التي تتبناه وتداعيات انتشار الفكر الهدام على كيانات الدول وتعايش المجتمعات ووحدتها وانسجامها.

توزيع جائزة القدس
في ختام فعاليات اليوم الثاني، قام الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بتكريم الأدباء الفائزين بجائزة القدس، التي تعد من أرفع الجوائز، وكان خصها الاتحاد للمبدعين العرب، وقام كل من الأمين العام للاتحاد حبيب الصايغ من الإمارات ونوابه مراد السوداني من فلسطين ود. وجيه فانوس من لبنان، بتسليم الجائزة- جائزة القدس في النقد الأدبي- للدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية، وحصل الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية د. محمد سلماوي من مصر على جائزة القدس في الرواية، على حين تسلّم الأديب زكي درويش من أدباء فلسطين الداخل جائزة القدس عن فئة القصة القصيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن