الأولى

الطائرات المسيّرة

|تيري ميسان

إن الحادث الذي وقع في 5 و6 كانون الثاني الجاري في طرطوس وحميميم له أهمية قصوى، بعد أن حاولت ثلاث عشرة طائرة مسيًرة معا، تدمير سفن روسية راسية على رصيف الميناء، وطائرات جاثية على الأرض.
ولأول مرة تحلق هذه الطائرات المسيًرة في ساحة معركة بسورية، بأسراب متناسقة، وهذه التقنية، التي كان الخبراء العسكريون الغربيون يناقشونها منذ دراسة جون أركيلا ودافيد رونفيلدت لمصلحة مؤسسة راند كوربوريشين في عام 2005، هي بالأساس فكرة إيرانية، صارت تتقنها الآن بالإضافة إلى إيران كل من الصين، وربما أيضاً إسرائيل وكندا والولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وربما آخرون أيضاً.
من الممكن من الناحية النظرية، إرسال مجموعة من الطائرات من دون طيار لتدمير هدف ما، أما في حال كانت تطير في سرب منسق، مثل أسراب النحل، يصبح من الممكن تدمير بعضها، ولكن ليس كلها، وسيصل الناجون في نهاية المطاف إلى الهدف.
الهجوم الذي وقع في الفترة من 5 إلى 6 كانون الثاني، نجح جزئيا: فقد أظهر أنه يمكن تنسيق عمل الطائرات المسيًرة من خلال الأقمار الصناعية، على الرغم من وجود نظام روسي لقطع اتصالات أسلحة حلف شمال الأطلسي.
هنا تجدر الإشارة إلى أنه ما من أحد على الإطلاق يعرف كيف يعمل السلاح الروسي، وبالطبع لماذا مرت طائرات من دون طيار عبر منطقة أنشطة ذلك السلاح, مع ذلك، تمكن الجيش الروسي في النهاية من تدمير سبع طائرات مسًيرة، والسيطرة على الطائرات الست الأخرى وإنزالها إلى الأرض، لكن ثلاثاً منها انفجرت أثناء هبوطها، فيما تم الاستيلاء على الثلاث الأخريات بحالة سليمة.
لقد أظهر تحليل هذه الغنائم الثلاث أنها كانت مصنعة من معدات بدائية جدا، ومجهزة بقنابل محلية الصنع، لم تكن تستحوذ على تقنية متطورة، أو مكلفة ماديا، وكانت فقط مزودة بتنسيق مع بعضها البعض بواسطة إشارات الأقمار الصناعية التناظرية.
وللمرة الأولى، لم يكتف الجهاديون بالحصول على صور الأقمار الصناعية في ساحة المعركة فحسب، بل صار بإمكانهم الوصول إلى خدمة التوجيه من الأقمار الصناعية، لتوجيه طائراتهم المسيًرة.
لم يتأخر الرد الروسي على هذا التصعيد، فقد قتلت القوات الخاصة الروسية جميع الجهاديين الذين شاركوا في هذه العملية، ومحت مستودعهم في قرية الموزرة من على وجه الأرض.
وعلى المستوى السياسي، أشارت هيئة الأركان العامة الروسية إلى أنه حتى لو كانت هذه الطائرات المسيًرة بسيطة جدا، إلا أنه لا يمكن تجميعها في إدلب إلا من قبل أفراد تلقوا تدريباً خاصا لدى مُصنع تلك الطائرات، وأن القنابل التي تم تسليح الطائرات بها، كانت مصنوعة من متفجرات نادرة، وثمة عدد ضئيل من الدول يٌصنعها، منها أوكرانيا.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره الروسي فلاديمير بوتين أنه على الرغم من أن الطائرات المسيًرة قد أقلعت من محافظة إدلب، إلا أن تركيا غير متورطة بتاتا في هذه الهجمات، وساعد هو نفسه الاستخبارات الروسية على تحديد إحداثيات الجهاديين المعنيين، والقضاء عليهم جميعا.
وفي السياق نفسه، أكد المصدر الروسي وجود طائرة تجسس أميركية كانت تحلق في المنطقة خلال عملية الجهاديين، وقال الرئيس بوتين بعد تبرئة تركيا من أي اتهامات بهذا الخصوص، إن أجهزة استخباراته عرفت من هي الدولة، من دون أن يسميها، التي زودت الجهاديين بهذه الأسلحة وقدمت لهم الدعم بالأقمار الصناعية، كما أفادت وسائل الإعلام الروسية أن الجهاديين الذين أطلقوا هذه الطائرات المسيًرة ينتمون إلى «حركة أحرار الشام الإسلامية»، وهي مجموعة تعمل لحساب المملكة المتحدة، وأن «وزير خارجية» هذه المجموعة الإرهابية، لبيب النحاس، هو ضابط نشط في جهاز المخابرات البريطانية «إم. آي6».
باختصار، كان الهدف من هجوم الطائرات المسيًرة هو إثارة نزاع بين موسكو وأنقرة، على غرار اغتيال السفير أندري كارلوف في 19 كانون الأول 2016.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن