ثقافة وفن

«من الشام سلام لفيروز» من الوفاء ردّ الجميل … أسامة جحجاح لـ«الوطن»: أعمالي في معرضي التكريمي«للسيدة» هي تطور لنهجي منذ عشر سنوات

| سوسن صيداوي

العلاقة بين الشام وفيروز علاقة خاصة، ومشاعر السوريين المكنونة للسيدة مميزة عن غيرها من الفنانين. فالسوريون يعتبرون أن السيدة فيروز خاصتهم، لأنها مرتبطة بالصباحات والمساءات. هي المحبوبة والمعشوقة، هي فصول السنة الأربعة. فيروز… هي بساطة الريف وفرح الأعراس وكل الأعياد، هي طابع وطني سوري، حضورها مرتبط بمناسبات دورية عدة وبأماكن وبقطع جغرافية منها:معرض دمشق الدولي، نهر بردى، وجبل الشيخ. بصوتها وأغانيها حيت المقاومة والانتصارات السورية، بنبرات صوتها عانقت كل شبر في سورية، ليس هذا فقط بل كما قالها سعيد عقل «فيروز تقطع القطيعة بين لبنان وسورية» حيث أعادت السيدة العلاقات بين اللبنانيين والسوريين في الخمسينيات، و«قطعت القطيعة» بين البلدين الجارين في الستينيات، وباتت رمزاً لشراكة مهما حاولت الظروف أن تجعلها مضطربة.

ولأن الوفاء طبع متأصل للسوريين، لهذا قام أحد أبنائها الفنان التشكيلي أسامة جحجاح بافتتاح معرضه «من الشام سلام لفيروز» في غاليري الأرب هاوس في دمشق. يضم المعرض الذي يستمر حتى 22 كانون الثاني الحالي، ستة عشر عملاً متفاوتة الحجم، لوحات للسيدة فيروز مستوحاة من أعمالها مع إضافة شخصيات فنية عملت معها كعاصي وزياد الرحباني، عبر نوع من التوليف ما بين الطباعة والتحسيس، مازجاً الفنان التشكيلي لمساته الفنية المتناغمة بين الرسم الكلاسيكي وتقنيات الكمبيوتر والرسم الحروفي على سطح اللوحة. هنا لا بد من الإشارة إلى أن تجارب الفنانين في الدول العربية الذين برعوا في هذا المضمار قليلة، وبرأي الكثير من الاختصاصيين إن للفنان مطلق الحرية في استخدام المواد والأدوات التي تعبّر عن فنه وتقدمه في النهاية ضمن إطار جميل.

من الوفاء رد الجميل
اقترح التشكيلي أسامة جحجاح (1972) في تجربته الجديدة، ألبوماً لونياً موازياً لأعمال فيروز بوصفها تاريخاً حيّاً واكب دمشق في مجدها وألقها، راغبا من خلال معرضه رد الجميل لصوت رافق كل مناسبات وأوقات الدمشقيين بشكل خاص والسوريين بشكل عام. حيث قدمت الأعمال بطريقة مازج فيها الفنان جحجاح صورة المغنيّة بالشخصيات الأخرى والحروف مع ألوان معتّقة، في محاولة كما تحدث لردم المسافة بين الرسم الكلاسيكي والنبرة الغرافيكية المتطورة إضافة إلى الكولاج قائلاً: «ما أود تأكيده من خلال معرضي الحالي هو أن سورية التي أعطت الحضارة والثقافة والإنسانية الشيء الكثير، هي عصية على الموت بعد سبع سنين من حرب شُنّت لفنائها، وستبقى دائماً قادرة على تكريم من وقفوا إلى جانبها في محنتها وكانوا أوفياء لها، واليوم وفي معرضي «من الشام سلام لفيروز» من الضروري أن نقوم بتكريم السيدة فيروز، وخاصة أن في كثير من الأحيان يأتي التكريم متأخراً. ومن ثم عرفان بالجميل لهذه السيدة العظيمة التي لم تدخر الكلمة واللحن في خدمة قضايانا منذ أن احتضنتها دمشق وإذاعتها في الخمسينيات، إضافة إلى مواقفها الداعمة للمقاومة وللقضايا سواء في حرب تشرين أم أغانيها للقدس والأقصى والجنوب اللبناني.. إذاً جاء المعرض كتكريم وهدية متواضعة للسيدة فيروز. الأعمال الستة عشر والمقدمة في معرض اليوم، تعتبر تطوراً لتجاربي وللنهج الذي اتبعته منذ عشر سنوات، فالبدايات كانت مع فن الغرافيك الذي تدرّج مع التجربة والخبرة، ليمتزج مع الألوان الزيتية والإكريليك مع إدخال«عنصر الديجيتال» بين مكوناته، وهو دمج بين الفن الكلاسيكي والعالم الرقمي لردم الفجوة التي تحول دون تفاعلهما ضمن عمل تشكيلي واحد، وأنا لا أعتقد أن هذا الاندماج يقلل من القيمة الفنية للعمل، فمهمة الفنان هي خلق الجمال والتفاعل مع بيئته وأدوات حضارته. هذا هو المعرض الفردي السابع لي، وأنا اخترت إطلاق معرضي من هنا من دمشق، إضافة لكون الشام لها مكانة خاصة في قلوبنا، وكذلك للرابط القوي الذي بين الشام وفيروز. وعلى فكرة تمت محاربتي بشكل كبير في عام 2007 لأني أدخلت الآلة على الفن التشكيلي، ولكنني أرد على الاتهامات بأن إدخال الآلة في الفن لا ينتقص من قيمة العمل الفنية، فالصاروخ لا ينتقص من القيمة الفنية للمنحوتة، هذا وكنت قد طوّعت برامج الكمبيوتر لخدمة الفن التشكيلي، وليس للعمل الغرافيكي أو التصميم الإعلاني».

التكريم سوري
تحدث معاون وزير الثقافة السيد علي المبيض عن طبيعة العلاقة الخاصة التي تربط بين السوريين وفيروز قائلاً «كلنا نعلم بأن العلاقة جميلة وتفاعلية وتبادلية بين السوريين وفيروز، حتى تكاد تكون جزءاً من الذاكرة الجمعية-خاصة للدمشقيين-لارتباط حفلاتها مع الرحابنة على مسرح دمشق الدولي وتغنيها بمدينتهم. ومن جهة أخرى أن يأتي التكريم للسيدة فيروز من فنان سوري فهذا أمر جميل وإيجابي، ومعبر عن حب السوريين لهذه القامة الغنائية العملاقة التي شكلت قيمة فنية مضافة للموسيقا العربية. وبالنسبة للفنان التشكيلي أسامة جحجاح، إنه فنان جميل مثل لوحاته في أسلوبه الذي يدعى «الكمبيوغراف» حيث مزج ما بين الغرافيك والتكنولوجيا المعاصرة «الكمبيوتر» في تجربة مميزة ومهمة.

الشام وفيروز
بدأت حكاية فيروز مع دمشق عام 1953حينما سمعها الأمير يحيى الشهابي كبير مذيعي إذاعة دمشق ومدير البرامج فيها الذي على الفور تواصل مع حليم الرومي الذي استدعاها مع عاصي الرحباني، حيث عرض عليهم الأمير الشهابي العمل في إذاعة دمشق، فوافقوا لأن إذاعة دمشق كانت من أقوى الإذاعات العربية. وأصبحت فيروز تحضر كل أحد مع الأخوين الرحباني إلى دمشق، لتسجيل أعمالهم لمصلحة الإذاعة السورية. ومن هنا الحب الكبير الذي أعطته دمشق لفيروز، قابلته الأخيرة بحب أكبر من خلال مجموعة من الأغنيات غنّت بها دمشق. فشاميات فيروز من أجمل ما قام الرحابنة بتلحينه وجميعها قدمتها فيروز على مسرح معرض دمشق الدولي الذي ارتبط باسمها في ذاكرة الدمشقيين مثل «يا شام عاد الصيف» و«شام يا ذا السيف». ولا يمكن أن يطويه النسيان بأن من أهم حفلات السيدة في أيلول 1961، حيث شدت بأجمل أغنياتها عن الشام «سائليني يا شام» رائعة سعيد عقل الشعرية. ومن الأغاني أيضاً التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بمعرض دمشق وفيها الكثير من المعاني أغنية «قرأت مجدك» وأيضا «طالت نوى وبكت»، وبعدها تعود فيروز إلى سعيد عقل فتغني قصيدة «نسمت من صوب سورية الجنوب». وهنا لابد من الإشارة إلى أن الأغنية الوحيدة التي قدمتها فيروز عن الشام وليست من تلحين الرحابنة، هي قصيدة «مرّ بي يا واعداً وعدا» التي لحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب وكانت أيضاً من شعر سعيد عقل. وفي عام 1973 جاءت أغنية «بالغار كلّلت أم بالنار يا شام» من نظم وتلحين الرحابنة بعد الانتصارات التي حققها السوريون فـــي معارك«حرب تشرين».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن