قضايا وآراء

سورية بين ديمقراطية ولا ديمقراطية!

| غسان يوسف

بإعلان التحالف الدولي نيته تشكيل قوة أمنية جديدة قوامها نحو 30 ألف شخص لنشرها على الحدود السورية مع تركيا والعراق وشرقي الفرات، تكون الولايات المتحدة قد أعلنت بشكل رسمي نيتها تقسيم سورية إلى «سورية الديمقراطية» أي المنطقة الشمالية الشرقية من سورية التي تسيطر عليها ما تسمى «قوات سورية الديمقراطية – قسد» وهي التسمية البديلة للجيش العربي السوري و«سورية اللا ديمقراطية» والمقصود بها الجمهورية العربية السورية ناقص المنطقة الشمالية الشرقية.
وهنا لا بد من العودة إلى البداية حيث يقول محللون سياسيون أميركيون: إن هذه التسمية تحمل دلالة سياسية كبيرة لأن مراكز الدراسات والقرار في الولايات المتحدة ظلت تبحث عن تسمية مناسبة لجيش مرادف للجيش العربي السوري، بعدما غلب طابع التطرف على الحركات والمنظمات الإسلامية التي تقاتل الدولة السورية! ليكون الخطر الحقيقي في هذه التسمية التي تحمل في الأساس معنى انقسامياً، بدعم واضح وصريح من الولايات المتحدة!
ولا يخفى على متابع أن الهدف الحقيقي الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية في سورية هو التقسيم، ويبدو أنها وجدت ضالتها في حزب الاتحاد الديمقراطي الذي عمل على إقامة حبال الود مع المجموعات الإرهابية في بداية الأزمة، لكن تضارب مصالح تركيا مع الأكراد ومع حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه الذي يتبنى عقيدة حزب العمال الكردستاني، الناشط في تركيا، جعل رئيسه السابق صالح مسلم يدير الظهر إلى تركيا وينسق تنسيقا كاملا مع الولايات المتحدة.
في مقابلة لصالح مسلم على قناة «فرانس 24» سألته المذيعة: هل ستسمحون للجيش السوري بدخول الأراضي التي تستولون عليها؟ قال: «لا، لأننا نعتبر أن جيش النظام هو المشكلة لأنه يريد أن يفرض قوانين الدولة السورية» ومن هنا نرى أن النزعة الانفصالية كانت موجودة لدى هذا الحزب وقيادته منذ بداية اندلاع الأزمة في سورية، وكل من راهن على حزب الاتحاد الديمقراطي خسر الرهان.
الولايات المتحدة التي شعرت بالخطر جراء الدخول الروسي إلى سورية بدأت تسابق موسكو بإحراز نصر على داعش بغية استثماره سياسيا من جهة، والحيلولة دون خروج أراض من تحت سيطرة عصابات داعش لمصلحة الجيش السوري.
الخطة الأميركية كانت تهدف إلى الاستيلاء على محافظة الحسكة بكاملها ودير الزور والرقة ومد الشريط الكردي من القامشلي إلى عفرين ما يعني قيام دولة جديدة باسم «سورية الديمقراطية» يهيمن عليها الأكراد وكل من يوالي الولايات المتحدة من العرب!
لم يكن البعض يصدق ما كتبناه منذ سنتين حول هذا الموضوع حتى إن اختيار العلم الذي ترفعه ميليشيات «قسد» لم يحمل أي معلم جغرافي سوى نهر الفرات الذي يقسم سورية إلى قسمين، ولم يكن إبقاء لواء اسكندرون ضمن الخريطة إلا نوعاً من الابتزاز لتركيا بأننا جاهزون لتحريك قضية اسكندرون في استغلال وقح لقضايا الشعوب وقت الحاجة!
اليوم أصبح ما كنا نحذر منه واقعا لا تكهنات ولا تخيلات، إنه معطيات واضحة والكل يتذكر الوثيقة التي سربتها «القناة العاشرة» الإسرائيلية في الثلاثين من كانون الأول الماضي التي تفيد بأن الولايات المتحدة وإسرائيل توصلتا خلال محادثات سرية جرت في الثاني عشر من شهر كانون الأول 2017 بين مستشار الأمن القومي لرئيس الحكومة الإسرائيلية مئير بن شبات ومستشار الأمن القومي الأميركي هربرت مكماستر إلى اتفاق يقضي بأن تبقي الولايات المتحدة قواتها في سورية لحين ضمان أمن إسرائيل! الأمر نفسه أكده موقع «ديبكا» الإسرائيلي في الثامن من كانون الثاني الجاري عندما نقل الموقع عن مصادر سعودية أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تستعد لتقسيم سورية من خلال إقامة دولة كردية في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي بمساحة تزيد على 12 بالمئة من مساحة سورية، والكل يتذكر زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان لمحافظة الرقة بعد طرد داعش منها في 18 تشرين الأول الماضي، وهذا يؤكد أن دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة وبالتعاون مع دول إقليمية ما فتئت منذ حرب تشرين تضع سيناريوهات التقسيم لسورية والمنطقة لتطبيق خطط وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر وأفكار برنارد لويس وزبغينو بريجينسكي.
ومن هنا يمكن القول: إن الولايات المتحدة تريد أن تسخّن القضية الكردية وتستخدمها ورقة للضغط ليس على روسيا وسورية وإنما على الدول الإقليمية الأخرى المتضررة من إقامة كيان كردي كتركيا وإيران والعراق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن