اقتصاد

حلفاء الدولار!

| علي محمود هاشم

لا تخلو قبّعة التجار من ذريعة أو أخرى للنيل من السياسة النقدية في أي من حالاتها، هذه طبيعة الأشياء، ما كان مفاجئاً هو انضمام اتحاد المصدرين للجوقة متلطياً وراء شعار «ضرورة تثبيت السعر» للإعلان عن «مخاوفه» من التصاعد الأخير لسعر الصرف، في مفارقة لا تبدو منسجمة مع مصالحه.
لبعض التجار تطلعاتهم المتوقعة في التقاط لحظة الانتقام من السياسة النقدية بعدما وصفهم حاكم المصرف المركزي بـ«المحتكرين» ساعة «صدمة الدولار» نهاية العام الماضي في إعلان رسمي نادر الحدوث عن الامتعاض من تمسكهم بالمعادلة السلبية «توظيفات قليلة/ أرباح فاحشة».
مبدئيا، تستدعي احتجاجات التجار والمصدرين النقدية الأخيرة بما فيها ذهابهم إلى ابتكار «مخاطر» لتصاعد الدولار «على الأسعار والصناعة»، رداً من عيار: أيها السادة التجار، ما زالت أسعاركم على دولار 514 ليرة، فيما تمويل مستورداتكم متاح على دولار 434، فلماذا قد تتخوفون من صعوده النسبي المؤقت مؤخراً؟ وللمصدرين: أيها السادة، ليس لدينا صناعة تصديرية يخشى عليها بالقدر الذي توحون به.. حتى الآن!
والحال كذلك، كان ليجدر باتحاد المصدرين -في هذا الوقت بالذات- ضبط حماسته الإعلامية وسوق الذرائع ذاتها بمناسبات متعاكسة كما فعل مع خفض سعره نهاية العام الماضي، ومع ارتفاعه مؤخراً، أما التجار، ومع إصرارهم على المضي في حرتقاتهم الممجوجة، فقد بات من الأسهل للجميع معاينة تحالفهم الفاضح مع تأرجح سعر الصرف على اعتباره ذريعتهم المثلى لتقليم أظافر التسعير الذي أعلنته وزارة التموين مؤخراً لآلاف السلع، ومناسبتهم الفضلى لتجديد مطلبهم السرمدي في إطلاق العقال لولع استيرادهم المنفلت.. كل ذلك، قبل أن ينبري أحد نقابييهم لامتطاء عنان الموجة وشحن شجاعة اللحظة في إشهار «كلمة سرّهم»: «اتركوا الاقتصاد يعمل وفق آلياته الحقيقية»!
منطقياً، لا يجد المرء تفسيراً اقتصادياً لاتخاذ بعض التجار قضية تخلخل سعر الصرف المؤقت كمنصة لإطلاق شعارهم «اتركوا الاقتصاد». لمثل هذه الأسباب الوجيهة، يشعر المرء بالمشروعية لدى النظر إلى تراجع سعر الليرة كمصلحة منوطة بالتجار وحدهم، أو هذا على الأقل ما ساهموا ويواظبون على تعزيزه من انطباع، فما قاله نقابيّوم ذاك بين سطور شعاره «اتركوا الاقتصاد»، إنما يستبطن في مسودتّه لسان حالهم يفيد بأن: كل وقوف بيننا وبين نهمنا الفاحش للربح والاستيراد إنما سيكلفكم مزيدا من الاختلالات النقدية.. أعطونا ما نريد، من دون اهتمام بالاقتصاد بما فيه مصالح المستهلكين والميزان التجاري الذي قد يكون مرشحاً لمزيد من التقهقر إلى أسوأ من الـ9 بالمئة التي أعلنتها وزارة الاقتصاد مؤخراً كنسبة لتغطية صادراته لمستورداته!
السياق الاتهامي السابق لبعض التجار يتخذ مشروعية اللحظة وفقا لتصنيف المستفيدين راهنا، لكنه لا يلبث أن يتسق مع بعده الموضوعي المديد حال إضافته إلى ممارساتهم التقليدية المستمرة في الضغط على سوق النقد، إن عبر الحماية المحمومة المستمرة لقلاع التهريب في أسواقنا، أم عبر تزوير البيانات الجمركية والتلاعب بكمياتها، بما يحقق لهم فوائض أرباح مخفيّة لا يمكن ضبط حجمها، ومن ثم قياس ضغوطها على العرض الدولاري مع تحويلها بنكنوتا صعبا يتم «تصديره» إلى بنوك الخارج!
ثمة شره لااقتصادي خاطف للدولار شهدته الأيام الأخيرة أعقب وفرة كبيرة منه نهاية العام الماضي، وخلال الأسابيع الأخيرة تم امتصاصه عبر طرق تقليدية معروفة ليس التجار ببعيدين عنها، قبل أن تساندهم أدوات طارئة كاجتياح الموجة الجديدة لشبكات التسويق الهرمي التي تتعامل بالدولار، لمحافظاتنا، وإن صحّت المعلومات المتداولة، فثمة كتلة دولارية طائلة يتم تسريبها خارجاً بشكل يومي، وبهدوء مريب!
ما سبق، يؤشر إلى تأرجح سوق النقد بفعل فاعل يقبع بين ظهرانينا، وتتوافق مصالحه وأهدافه مع بعض نخبنا، وحان الوقت لكبح ممارساته النقدية السوداء مع كل تقلص نسبي في الأرباح الفاحشة، وهذا من مسؤولية الحكومة والمصرف المركزي وأجهزتنا الرقابية والاقتصادية والمعنية.. ورغم تفرغها لقضايا قد تتمظهر كأكثر أهمية في الوقت الراهن، إلا أن استمرار البعض في خنق التحسن المفترض في البعد الاجتماعي للسياستين النقدية والإنتاجية، إنما يتهدد الانتصارات العسكرية والسياسية من أبواب اقتصادية تكاد تكافئ في خطورتها الإرهاب التكفيري بعينه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن