قضايا وآراء

قرار ضم المستوطنات

| تحسين الحلبي

تزداد يوماً تلو آخر مطالبة الأحزاب والوزراء في الكيان الإسرائيلي بضم أراضي الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، لكن هناك من يفضل سياسة التدرج في عملية الضم والبدء بالأراضي التي وصفتها اتفاقية أوسلو بمناطق «جيم» أو «سي» وهي تقع خارج منطقة المدن الفلسطينية وكثافة السكان، وكان قرار حزب الليكود الحاكم الأخير قد طالب الحكومة بضم كل المستوطنات القائمة على أراضي الضفة الغربية أولاً ثم الانتقال إلى بقية المناطق.
وتعترف الباحثة الإسرائيلية في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي INSS بنينا ساربيط باروخ أن الحكومة الإسرائيلية لم تعد تخشى في هذه الظروف من الإعلان أن سبب الضم هو «حق» إيديولوجي صهيوني يهودي بأن هذه الأراضي كلها يملكها اليهود بموجب «التوراة» واسمها «يهودا والسامرة» وليس الضفة الغربية!
وتضيف في بحثها هذا إن منطقة «جيم» وهي التي اتفق في أوسلو على خضوعها للسلطات الإسرائيلية بانتظار الحل النهائي يعيش فيها ما بين مئتي ألف إلى ثلاثمئة ألف من الفلسطينيين، وإذا جرى ضمها للسيادة الإسرائيلية فسوف يتحولون إذا بقوا فيها إلى «مواطنين إسرائيليين» على غرار الفلسطينيين الموجودين في الجليل أو فلسطينيين بإقامة مؤقتة.
وتبلغ مساحة أراضي جيم 60 بالمئة من كامل أراضي الضفة الغربية ويعد أي قرار إسرائيلي تجاه هذه المناطق قراراً أحادياً بموجب اتفاقات أوسلو وينتهك الاتفاقية وقرارات الأمم المتحدة أيضاً. وهو يؤدي إلى حرمان الفلسطينيين الذين يعيشون في منطقة «أ» التي تديرها السلطة الفلسطينية من زراعة أو متابعة مصالحهم في أراضي «جيم» المعدة للضم فتصبح السلطة الفلسطينية ومدن وقرى أراضي «أ» محاصرين ضمن مساحة 12 بالمئة من كامل أراضي الضفة الغربية.. ويذكر أن ما يزيد على 1.5 مليون من الفلسطينيين الذين يقيمون في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 لا يملكون سوى 6 بالمئة من كامل مساحة فلسطين المحتلة عام 1948 هم وقراهم ونطاق أراضيهم.
ولاشك أن قرار الضم الإسرائيلي سيشكل بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمنح القدس للسيادة الإسرائيلية إجراءاً يقضي على المشروع المسمى «دولتين للشعبين» لأن المخطط الإسرائيلي المستند للمزاعم التوراتية بضم الضفة الغربية يعني رفض وإنهاء مشروع إتاحة الفرصة لنشوء دولة فلسطينية في الضفة الغربية.
يقول أحد قادة المتشددين المستوطنين وزير الزراعة والتطوير في الحكومة الإسرائيلية منذ عام 2015 اوري أرئييل إن «أراضي إسرائيل غير قابلة للقسمة مرة أخرى لأن بريطانيا قسمتها عام 1920 إلى قسمين أحدهما غرب نهر الأردن والأخرى شرق نهر الأردن لأن فلسطين كانت حدودها تمتد حتى حدود العراق الحالية مع المملكة الأردنية ويحتفظ أرئييل بخريطة في مكتبه ويطالب باستعادة بقية فلسطين القائمة في الأردن! وهذه الإستراتيجية الصهيونية التوسعية كان «أرئيل شارون» رئيس الحكومة الإسرائيلية سابقاً قد تبناها حين عمل على مشروع تحويل المملكة الأردنية إلى دولة للفلسطينيين وترحيل الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة وبقية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 إلى شرقي نهر الأردن.
وإذا كان الفلسطينيون بكل منظماتهم وشرائحهم يرفضون هذا المشروع ويقاومونه ويتمسكون بترابهم الوطني داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948 وعام 1967 فإن أخطر ما تواجهه القضية الفلسطينية، بعد ضم القدس المحتلة وقرار ضم المستوطنات الموجودة على أراضي الضفة الغربية هو قيام نتنياهو بالشروع بجدول عمل تدريجي لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني في داخل الأراضي المحتلة تمهيداً لمشروع توطينهم خارج وطنهم التاريخي، وفي هذه الظروف بالذات يقوم نتنياهو باستغلال الانقسامات في المنطقة وتقاربه مع بعض الحكام العرب لكي يحقق ضمن تنسيق أميركي- إسرائيلي أهداف استكمال المشروع الصهيوني بتصفية حقوق الشعب الفلسطيني فيما بقي من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعند ذلك يصبح الشعب الفلسطيني كله لاجئاً خارج وطنه التاريخي لا قدر الله ولا سمح، فهل يدرك الحكام العرب الذين يتقربون من نتنياهو مضاعفات أخطر خطة في هذا القرن؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن