قضايا وآراء

الحرب المؤجلة

| مازن بلال

تنظر واشنطن إلى ما يمكن أن يحدث في سوتشي على أنه إعلان لانبثاق محور وليس حواراً سورياً، فنوعية التنسيق بين الدول الضامنة تشكل لها مؤشراً على طبيعة النظام الشرق أوسطي القادم، وكل الإجراءات التي قامت بها مؤخراً بما فيها عمليات تسليح لـ«حرس الحدود»؛ تهدف للتأثير في مسار إقليمي أكثر من كونه اعتراضا على مسار داعم لحل الأزمة السورية.
ما قامت به الولايات المتحدة لم يستفز تركيا فقط، لأنه كان إعلاناً صريحاً عن تفكيك قوة الشرق الأوسط بالكامل، فهو انطلق من كسر القواعد بشكل عام ابتداء من الضغط على إيران عبر اتفاقاتها النووية، وصولا إلى مسألة نقل سفارتها إلى القدس، وأخيراً إيجاد مناطق عسكرية خاصة في سورية وعلى طول الحدود السورية مع العراق وتركيا، فالإستراتيجية الأميركية بدأت تنظر إلى شرقي المتوسط من زاويتين أساسيتين:
الأولى – عدم القدرة على التعامل مع الدول القائمة حالياً كحليف بعيد المدى في صراعها على مستوى تفردها بالنظام العالمي، فمعظم هذه الدول تهالكت أدوارها على امتداد السنوات السبع من الصراع في سورية.
دعمت الولايات المتحدة كل التحالفات التي ظهرت خلال الحرب في سورية، وتركت هامشاً واسعاً لهذه الدول كي تتعامل عسكرياً مع أزمات المنطقة، وعلى الأخص في اليمن وسورية، وكان الثمن الحقيقي لهذه الإستراتيجية هو التدخل العسكري الروسي وإعادة توزع القوى من جديد، فظهرت قوة تنسيق غير متوقعة تجمع أنقرة وموسكو وطهران، وهو أمر أربك التوازنات في المنطقة ودفع «إسرائيل» للتعامل المباشر عبر جملة عمليات عسكرية واعتداءات على الأراضي السورية، ولكن الشكل الجديد للعلاقات في المنطقة أصبح عملياً خارج نطاق المسار السابق، ومن غير المتوقع أن يستقر سابقا وفق السياق الأميركي لمرحلة ما قبل الأزمة السورية.
الثانية – تعميق المشاكل الروسية في تعاملها في سورية، ومسألة تسليح بعض القوى في سورية هو تشويش واضح على كل الخطوط التي تحاول موسكو تجميعها سواء في سوتشي أم من خلال علاقاتها مع أنقرة ومع العديد من القوى الإقليمية أيضاً.
استطاعت واشنطن خلال السنوات القليلة الماضية الحد من «الفورة» الدبلوماسية الروسية، فهي أبعدت السعودية والعراق وحتى مصر قدر الإمكان عن المسار الذي رسمته موسكو في المنطقة، لكن السياسة الروسية استمرت في تركيزها على إيران وتركيا وهو ما دفع البيت الأبيض إلى الدخول بشكل مباشر في إزعاج أنقرة، والمراهنة على دفعها في مسار مختلف حتى ولو اضطر إلى «تفكيكها».
كل الدبلوماسية القائمة اليوم وكل الإجراءات الأميركية وحتى الروسية هي تعويض عن عدم القدرة على خوض حرب مباشرة لتغيير التوازنات، والمجازفة بزج تركيا بحرب ضد الأكراد ستكون نقطة تحول في المنطقة عموماً لأنها ستدفع إلى حرب طويلة لها طابع «إثني – قومي» غير مسبوق منذ الحرب العالمية الأولى، والصدام المتوقع في عفرين السورية لا يعبر فقط عن خطر تركي يهدد الأرض السورية، بل أيضاً نوع من «هندسة» الصراعات ودفعها باتجاه مختلف، وهو الوجه الآخر لعملية نقل السفارة الأميركية للقدس التي أعادت كل الحسابات لمرحلة ما قبل أوسلو.
جغرافية الصراع الدولي اليوم تمر ضمن المحور الذي يتشكل من أربع دول في المنطقة هي سورية، العراق، إيران وتركيا، وهو ما يجعل النظام الشرق أوسطي القادم على خط جبهة إقليمية لا ترى الولايات المتحدة أي حرج في إشعالها ما دامت تؤدي إلى توتر يربك موسكو، وربما يؤجل من الاستحقاقات التي ستؤدي إلى توازن جديد بين الشرق والغرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن