قضايا وآراء

عفرين تعيد خلط أوراق الشمال

| أنس وهيب الكردي

أطلقت تركيا عمليتها العسكرية في منطقة عفرين وفي ذهنها تقليص قدرة واشنطن على المناورة في شمالي سورية وخصوصاً في ظل الخطط الأميركية لإنشاء قوات أمنية في شمالي شرقي البلاد.
بدا أن شريكتي تركيا الضامنتين للمحادثات السورية السورية في العاصمة الكازاخية أستانا، إيران وروسيا، موافقتان على هذه العملية أو على الأقل لا تمانعانها، وأن الولايات المتحدة، وعلى الرغم من كل الدعوات الصادرة عن وزارة خارجيتها للتهدئة، غير قلقة حقيقةً حيال مصير عفرين بمثل قلقها على مصير منبج أو ما بعدها من مناطق شرقي سورية، هناك حيث تنتشر قواعد عسكرية أميركية وتنوي واشنطن إرسال دبلوماسييها ومدنييها وشركاتها تحضيراً لمرحلة ما بعد تنظيم داعش.
ظهرت الموافقة الروسية على العملية العسكرية التركية من إخلاء روسيا لعناصر شرطتها العسكرية من نقاط المراقبة في محيط عفرين، ومن السماح للطائرات التركية بشنها ضربات جوية على مواقع مسلحي «وحدات حماية الشعب» الكردية في محيط المنطقة مع بدء العملية التركية هناك، أما الإيرانيون فبخلاف موقفهم الرافض لـ«درع الفرات» قبل حوالي العام ونصف العام، جاءت مواقفهم متفهمة داعية في الوقت نفسه تركيا إلى الانتهاء من العملية بأسرع وقت، والالتزام بعملية الحوار السياسي.
المواقف الرافضة بقوة للعملية التركية صدرت عن دمشق والقاهرة، وبدا أن السوريين والإيرانيين قرروا رفعوا زيادة مستوى تنسيقهما في مرحلة ما بعد عملية عفرين، ولهذا وصل رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران كمال خرازي إلى دمشق والتقى الرئيس بشار الأسد.
السلطات السورية زاوجت موقفها الرافض بتقديم دعم عسكري لمسلحي «وحدات حماية الشعب» في عفرين، بحسب ما تواترت أنباء على حسابات معارضة في مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت نفسه طالبت دمشق بتعاون ما بين الجيش السوري و«وحدات الحماية» يستهدف تطهير الشمال السوري من النفوذين التركي والأميركي، في دعوة صريحة لـ«وحدات الحماية» من أجل فك تحالفها مع الولايات المتحدة التي لم تظهر أدنى اهتمام بمصير عفرين، مفضلة إطلاق مواقف وتصريحات إعلانية من دون أي سند على الأرض.
هكذا، ثبت أن دمشق هي الداعم الوحيد والحقيقي لـ«وحدات حماية الشعب»، بينما لم تتعد مواقف القوى الدولية والإقليمية سوى الخضوع لمنطق القوة التركي، وإن كانت تسعى إلى الاستثمار في الأزمة المتنامية من أجل جر الأتراك إلى تقديم تنازلات في قضايا أخرى، هي بالنسبة لروسيا وإيران الإعداد لمؤتمر سوتشي ومواجهة السياسة الأميركية الجديدة في شرقي سورية، وبالنسبة لواشنطن والقوى الأوروبية زيادة نفوذها بين «وحدات حماية الشعب» وحزب العمال الكردستاني بالتصدي إعلامياً للأتراك وفي الوقت نفسه الإعداد لسبل حماية جيبي منبج والطبقة الواقعين غربي نهر الفرات في المنطقة المحسوبة على الروس.
مجريات العملية العسكرية الميدانية في عفرين على الأرجح أن تكون بصعوبة ما جرى في جيب جرابلس وصولاً إلى مدينة الباب، الذي نفذت فيه تركيا بالتعاون مع الفصائل المدعومة منها عملية «درع الفرات»، واستغرقت أكثر من سبعة أشهر ولم تتمخض سوى عن طرد تنظيم داعش من رقعة أرضية مساحتها ألفا كيلو متر مربع.
على الأرض وفي الجو، ستعمل روسيا وإيران على مراقبة التحركات العسكرية التركية في عفرين كي لا يذهب الأتراك بعيداً في عمليتهم العسكرية، بينما ستقوم روسيا وحدها هذه المرة بتقييد تحركات الطائرات التركية في شمال حلب، بعد أن لعبت هذا الدور الولايات المتحدة إبان عملية «درع الفرات»، والسبب وراء ذلك أن موسكو أعلنت بعد اتفاق توصل الضامنين في لقاء أستانا الرابع من أيار من العام الماضي، على إقامة مناطق خفض التصعيد، عن إغلاق المجال الجوي في غربي سورية أمام طائرات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وبينما ستعمل الولايات المتحدة على حشد مزيد من الموارد من أجل حماية منبج والطبقة، الهدفين الأبرزين للأتراك والروس، سيعمل الروس على حماية منطقة الشهبا حول تل رفعت، وزيادة اختراق مناطق المسلحين في ريف إدلب الجنوبي وصولاً إلى مركز المحافظة، بينما ستدعم دمشق مقاومة «وحدات الحماية» في عفرين من أجل تعطيل العملية التركية وفي الوقت نفسه التحضير لعملية جسر الشغور.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن