ثقافة وفن

الوجه الآخر لشيوخ الصحافة…سليم اللوزي لم يكن الدفع للكتابة… بل لعدم الكتابة

شمس الدين العجلاني : 

للفساد والرشوة قصص وحكايا تبدأ ولا تنتهي، وبين الفينة والأخرى نقرأ أو نسمع عن هذه القصص وعن أبطالها في شتى المواقع والمناصب..
وحال الصحافة لا يختلف عن باقي قطاعات المجتمع فهو عرضة أيضاً لغزو الفساد والابتزاز والصفقات المباشرة وغير المباشرة؟ وهذا الأمر ينطبق على أيامنا السابقة وأيامنا الحالية…
ما أشبه اليوم بالأمس. أيام المحتل العثماني كانت صحفنا وصحفيونا عرضة للاستبداد وعرضة للإغراءات التي مارسها عليهم المحتل، فانحدرت بعض الصحف وبعض الصحفيين إلى الهاوية ليكونوا بجانب المحتل على حساب الوطن، فظهرت مجموعة من الصحف في بلاد الشام تناصر المحتل العثماني منها صحيفة «الجوائب» الذائعة الصيت التي صدرت في الآستانة يوم 31 أيار سنة 1861م، وكان القيّم عليها من أهم الشخصيات الفكرية والثقافية والسياسية آنذاك، ألا وهو أحمد فارس الشدياق!؟ وصحيفة «الرأي العام» التي كانت لسان حال جمال باشا السفاح، وعهد برئاسة تحريرها إلى شخصية بيروتية معروفة، وصحيفة «الشرق» التي كانت لسان حال أحمد جمال باشا السفاح وتناوب على إدارتها وتحريرها ثلاث شخصيات مهمة سورية ولبنانية، ولم يختلف الحال زمن المستعمر الفرنسي الذي مول العديد من الصحف والصحفيين…

ولم يختلف الأمر الآن عما سبق فالصحافة والصحفيون في أيامنا هذه هم عرضة لغزو أموال الخليج حسب قول ناصر الدين النشاشيبي: «المال وحده هو الذي أذل أعناق بعض الصحفيين في لبنان وأحالهم من أصحاب صحف إلى رجال تشريفات ومجالس أنس ومختبرات للأمراض الجنسية لحساب شيوخ البترول في دنيا الخليج». ولكن هذا لا يعني أن الفساد في الجسم الصحفي كان فقط بأموال الخليج، بل هنالك العديد من الأنظمة والحكومات الديمقراطية والاستبدادية في خضم الفساد للصفقات والابتزاز للجسم الصحفي.
لم يكتب الكثير عن الصحفيين المتورطين في قضايا بيع أوطانهم وبيع أقلامهم، ولدى التدقيق، قد نجد في قائمة شيوخ الصحافة، من كانوا يلهثون وراء المال!؟ وكان أجرأ من كتب في عصرنا الحديث عن هؤلاء المتورطين ضد أقلامهم، الصحفي والكاتب الفلسطيني ناصر الدين النشاشيبي، ونقيب الصحافة اللبنانية إسكندر الرياشي..

سليم اللوزي
المعروف عن اللوزي أنه صحفي، روائي وناشر لبناني شهير، ومؤسس ورئيس تحرير مجلة الحوادث الأسبوعية.. ولد في مدينة طرابلس عام 1922م.
تلقى دراسته في مدرسة الصنائع حيث شكلت الكتب حيزاً كبيراً من حياته. سافر إلى يافا في فلسطين باحثاً عن آفاق جديدة لنفسه، التحق عام 1944 بإذاعة الشرق الأدنى ككاتب للتمثيليات الإذاعية. ثم استقال ليعمل في مجلة «روز اليوسف» في مصر. عاد إلى بيروت عام 1950م بعد أن وجه انتقاداً إلى رئيس وزراء مصر ليتابع الصحافة المكتوبة في صحيفة «الصياد» لصاحبها سعيد فريحة. انتقل بعدها لصحيفة «الجمهور الجديد» وأخذ من «دار الهلال» مقراً له مراسلاً لمجلتي «المصور» و«الكواكب». ذاع صيته وانتشر اسمه في الدول العربية كافة.
في 19 تشرين الأول عام 1957م أصدر العدد الأول لمجلة الحوادث بعد أن حصل على امتيازها.
صدرت بحقه مذكرة توقيف في عام 1957م رداً على مقال لاذع له «لن أركع». وصودرت أعداد «الحوادث ». وفي عام 1973 كان اللوزي في الصف المعادي لسورية ونقل مجلته إلى لندن. كما كان معادياً ومنتقداً لمبادرة الرئيس السادات عام 1977م.

اغتيال اللوزي
اختُطف اللوزي في بيروت إلى جهة مجهولة يوم 25 شباط عام 1980، وعثر على جثته يوم 4 آذار في أحراج عرمون (جنوب بيروت) واكتشفها راعي غنم شاب وأبلغ الجهات المعنية عنها.
لم يحدد حينها تاريخ الوفاة ولا هوية القتلة. لكن هنالك جهات لبنانية وعربية وجهت أصابع الاتهام إلى جهات سورية.
اغتيل اللوزي بوحشية بسبب كتاباته وعذب وأحرقت يده اليمنى التي يكتب بها. وحسب توصيف الحادث: «فإن مجهولين أقدموا على خطف الصحفي اللوزي صاحب مجلة الحوادث بقوة السلاح يوم 24 شباط ثم قتله بإطلاق النار عليه من مسدس حربي غير مرخص وتعذيبه جسدياً.. وتبين من تقرير الطبيب الشرعي: إنه تم إطلاق الرصاص علي رأسه من الخلف، ووضعوا يده اليمنى التي يكتب بها في حامض فتاك لكي تذوب في السائل الحارق وتتآكل العظام والأربطة حتى أطراف الأصابع، وهناك كسور في الأضلاع الصدرية ما يدل على أنه جرى تعذيبه بوحشية على مدى ثمانية أيام، وفي التقرير إشارة إلى رصاصة غير قاتلة نفذت من الخد الأيمن للتعذيب».
هذا هو الوجه المشرق لهذا الصحفي العريق الشهيد، ولكن ما الوجه الآخر له!!؟؟

الوجه الآخر للوزي
نقرأ من خلال السطور والصفحات المطوية سيرة مغايرة لما قرأناه عن سيرة حياة اللوزي؟؟!!!.
في كتابه «حضرات الزملاء المحترمين» يقول النشاشيبي: إن ذهاب اللوزي للعمل في مجلة «روز اليوسف» كان يشوبه بعض الإحراج، فهو ذهب إلى مصر وعمل مصمماً للمقالات في المطبعة! ثم سمحوا له بنشر بعض الحكايات من دون أن ينشر اسمه، ثم كثر عدد حساده وأعدائه، وصدر الأمر بترحيله من مصر..!!! وكانت صوره أجمل من مقالاته، وكانت مقالاته قصيرة، ومهتزة!! اشترى مجلة لبنانية صغيرة في مدينة طرابلس اسمها «الحوادث» بمبلغ أربعة آلاف ليرة لبنانية..
عندما أقام اللوزي في لبنان، كان ينوي نشر مذكرات «ثريا خاشقجي» الملأى بالفضائح والصور الخليعة في مجلة «الحوادث» وحين اعترض الملياردير عدنان خاشقجي على الموضوع طلب سليم مئة ألف دولار آنذاك ثمناً لسكوته!! ودفع الملياردير المبلغ وسكت سليم؟! يقول النشاشيبي: «قال لي ذات يوم إن شيخ الإمارات دفع له الكثير لكي يكتب عنه. ومضت الشهور ولم يكتب سليم كلمة واحدة عن الشيخ المذكور. وعاتبه الشيخ قائلاً لسليم: لقد دفعنا لك ولم تكتب عنا!؟ فأجابه سليم: لم يكن الدفع ثمناً للكتابة، وإنما كان ثمناً لعدم الكتابة..!!
اللوزي حسب رأي النشاشيبي شبه «أمي» لم يدخل كلية، ولا جامعة، ولم يحصل على أي شهادة، ولكنه كان يعرف بعض الكلمات بالفرنسية، واستأجر محرر صحيفة «التايمز» اللندنية– تيدي هوتشكين– لكي ينشئ معه مجلة أسبوعية تصدر باللغة الإنكليزية.
خاض اللوزي، في سبيل الشهرة، المعارك الصحفية، فهاجم سعيد فريحة وابنه بسام وتحدث عن بسام وأنه يكسب الأموال عن طريق غير شريف وبأسلوب غير أخلاقي! أما سعيد فريحة فكتب عن اللوزي أنه: «كلب جعاري يكسب قوته بعرق ركبتيه!». اشتهر اللوزي على أنه خصم للثورة الفلسطينية ولرئيسها، وكان صديقاً دائماً لشيوخ البترول في الخليج! وهنا نذكر أيضاً أن السادات اتهمه بالعمالة لدول الخليج وأنه يبالغ في تقدير سعر نفسه عندما يتعامل مع دول الخليج…
كان اللوزي جريئاً إلى حدّ التهوّر.

من قتل اللوزي؟
اتهم البعض في لبنان وجهات عربية معروفة السياسة والتوجه، جهات سورية أنها تقف وراء اغتيال اللوزي، ولكن المفاجأة فجرها عبدالرحمن شلقم مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة ووزير خارجيتها على مدى تسعة أعوام، وذلك في لقاء على فضائية العربية أجراه معه عام 2011م المذيع اللبناني طاهر بركة ضمن برنامج «الذاكرة السياسية» ففي الحلقة الثالثة والأخيرة وفي الدقيقة 11 و40 ثانية من بدء الحلقة دار الحديث التالي بين شلقم والمذيع بركة:
بركة: كان أيضاً «والحديث عن القذافي» يقتل من يهاجمه في لبنان.
شلقم: صحيح متل المسكين هاد بتاع الحوادث سليم اللوزي، كتب كتاب العقدة والعقيد فطلب من فصيل من الفصائل الفلسطينية أن يحرقوا يده في أسيد فأحرقوها وقتل يعني.
بركة: كانت عملية ليبية خالصة فقط.
شلقم: نعم وكانت بتعليمات منه هو شخصية معمر القذافي.
وفي مقابلة أجراها غسان شربل مدير تحرير صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 18 تموز 2011م مع شلقم أقر بأن القذافي كان يستأجر الكثير من الثورجيين لتصفية حساباته مع أعدائه وخصومه وبينهم اللوزي الذي تجرّأ على الدكتاتور الليبي حين أصدر عنواناً ناقداً على غلاف مجلة الحوادث تحت عنوان «العقدة والعقيد». جاء في حرفية المقابلة:
شربل: هل كان يستخدم (القذافي) مجموعات غير ليبية في التنفيذ؟
شلقم: لا شك في أن الأجهزة الليبية استخدمت صبري البنا «أبو نضال- زعيم فتح- المجلس الثوري» وكارلوس ومجموعات أخرى. سمعت في تلك المرحلة رواية تقول: إن مجموعة فلسطينية استُخدمت في اغتيال صاحب مجلة «الحوادث» سليم اللوزي بعدما وضع غلافاً في المجلة بعنوان «العقدة والعقيد» وإنه طلب من المنفذين غمس يد اللوزي بالأسيد قبل قتله ليكون عبرة لمن يهاجم القذافي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن