ثقافة وفن

تزدحم الكلمات وداعاً في يوم تأبين الشاعر الراحل عمر الفرا…نزار الفرا: ترك لي والدي موروثاً كبيراً ونصيحة في البساطة والقرب من الناس أكثر

عامر فؤاد عامر- ت: طارق السعدوني : 

حضر بيننا يحمل غربة البادية والمدينة، ليغرس رمحه في ديوان الشعر العربي ثائراً على تفاصيل الحياة وتقاليدها البالية، فكان فارساً بامتياز، وقادراً على وضع مكانة لشعره، كُلل بالاحترام والتقدير من الجميع من دون منازعة، وكتب الشعر باللغة المحكيّة والفصحى، فأبدع في كلتيهما، إلا أن قصيدة «حمدة» هي الأبرز من بينها، وهي الأيقونة التي صدّرته، والتي حازت شعبيّة كبيرة تخطت حدود البلد، فأعطت لشعره صفة الثوريّة والرفضيّة على تقاليد موروثة كرست الخطأ في طباع البشر، إلا أن قصائد أخرى حملت طابع التفوق أيضاً ومنها قصيدة «وطن» التي تتحدث عن وصيّة أبٍ لابنه في حبّ الأرض وعشق ترابها ومقت الغربة، و«عروس الجنوب» التي تصف الشهيدة سناء محيدلي، وقصيدة «حديث الهيل»، و«جول جمّال»، و«الياسمينة»، و«رجال الله»، و«عرار»، و«بليلة عواصف»، والكثير من القصائد الجميلة التي حملت أثراً كبيراً في ذاكرة الشعر العربي.

حاضرون لوداعه
الحفل التأبيني للشاعر الكبير «عمرا الفرا» الذي حضره لفيف من محبّيه، ومن الإعلاميين، ومن ضيوف جاؤوا من المحافظات السوريّة، ومن لبنان الشقيق، كان في مكتبة الأسد الوطنيّة في الثاني من آب الجاري. وقد بدأ بدقيقة صمت إجلالاً لأرواح شهدائنا الأبرار، وبالنشيد العربي السوري، وبكلمة ألقاها وزير الثقافة «عصام خليل» عبر فيها عن علاقة شخصيّة جمعته بالفقيد بدأت بمحبّة لتذوق لونه الشعري ثم بالاحتكاك معه في أمسياتٍ شعريّة، ثم وجّه تحيّته للضيوف والحضور جميعاً، وقدّم قصيدته في تحيّة خاصّة للجيش العربي السوري، والمقاومة، وأنّ الطريق إلى النصر هو هدف الصامدين، الذي سيكون بلوغنا له في الوقت القريب.

في فيلم توثيقي
تلا ذلك فيلم وثائقي عن الشاعر «عمر الفرا» الذي بيّن تفاصيل مهمّة من حياته، منذ ولادته في 10 حزيران 1946 في بادية تدمر في منطقة القريتين إلى يوم وفاته في دمشق في 21 حزيران 2015 ورقاده إلى جانب الشاعر الكبير «نزار قباني» معرجاً على مواقف عاشها الشاعر وتُحسب له، ومن بينها العلاقة بينه وبين القائد الراحل «حافظ الأسد» والسيد «حسن نصر الله»، وأيضاً على العلاقة بينه وبين المرأة والمقاومة وخصوصيّة شعره في الغربة والتكريم وعشق الشعر والقصيدة وعلاقة المرأة مع مجتمعها، مع مشاهد خاصّة من لقاءاتٍ تلفزيونيّة وقصائد على المنابر ومع جمهوره ومحبيه، كما سلط الفيلم الضوء على طبيعة الشاعر الراحل في نقاط جوهرية في العلاقة مع الكلمة وعشقها وعائلته والمحبة التي تربطه معها، ومع الناس والودّ الذي يكنه للجميع.

شهادة أهله
كلمة آل الفقيد ألقاها الإعلامي «نزار الفرا» الذي وصف باختصار المشهد في حضور محبّيه لوداعه، وفي العلاقة التي بناها بينه وبين الناس الذين أحبوا شعره، وعن العلاقة الخاصّة معه، وهو والده، وعن بساطة «عمر الفرا» في الحياة وفي حبّه للشاعر، وقربه من معاناة الناس، وفي النصائح التي قدّمها له، وفي الأبعاد التي اكتسبها من الحياة، والمعارك التي خاضها معها، وعن الموروث الذي تركه له، من حكايا جميلة، ومن قصائد كالجواهر، يمكن أن يرويها لأبنائه وأحفاده مستقبلاً، وعن مكارم الأخلاق، والمحبّة التي أوفى بها لكلّ من كان قريباً منه، وقد شكر «نزار الفرا» في نهاية كلمته الحضور، وكلّ الكلمات الوفيّة التي وصفت الراحل بمحبّة وصدق.

الحياة في كلمة الفرا
من الكلمات التي ألقيت في الحفل أيضاً كلمة «نوار الساحلي» عضو كتلة الوفاء للمقاومة اللبنانية، والذي قدّم كلمته بوصفٍ عن الراحل تقديراً لمسيرته، وعن علاقته الطيبة مع الإنسان، والمقاومة، والجنوب، والأرض، والشهادة، مشيراً إلى أن رحيل «عمر الفرا» لن يكون رحيلاً ما دامت الكلمة التي وضعها كلمة مؤثرة في الوجدان البشري، وفي قضايا الحقّ، والحريّة، واستعادة الأرض المغتصبة، وفي هذه الكلمة أيضاً ربط العلاقة بين سورية ولبنان وبقائهما في خندق واحد في مقاومة العدوان والصمود في وجه المتآمرين، وأن هذه العلاقة التي مهدت دائماً لتحقيق الانتصارات والصمود من خلال التلاحم السوري اللبناني الذي يعدّ أمراً مصيرياً ربّانياً فرضته الجغرافيا، وإرادة الإنسان، وبهذه الوحدة يمكن مواجهة المصير ودعم مشروع المقاومة ودحر مشروع الصهاينة والإرهاب التكفيري، وبذلك سيكون طريقنا النصر وتحقيق الأهداف التي نتطلع إليها في وحدة الأرض والعيش بسلام وطمأنينة.

روح الشاعر تُسأل
كلمة المقاومة الفلسطينية ألقاها الدكتور «طلال ناجي» نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي بين فيها مدى حزنه على الشاعر الكبير، وتلازم هذا الحزن مع الجرح الأكبر فلسطين وتشتت العرب وعدم الاكتراث للمحور الأساسي، وتخاذل قيادات العرب في مواقفهم، وخلال كلمته التي مزج فيها بين روح الشاعر وهمّ الشعب العربي بالمجمل يسأل طلال ناجي روح الشاعر في يوم تأبينه «أطويلٌ طريقنا أم يطول»؟ أمام عجز الأمة العربية عن الالتفات لمصابها في أجمل بلادها في العراق وتحطيم آثارها وتضييع فلسفة المأمون والغدر في اليمن وتشويه مملكة سبأ، لكنه من مشهد آخر يبقى أمل الأمة في المقاومة وعدم الاستسلام لرغبة الغرب في تحطيم رموزنا وتشويه الحضارة، وتعليق الأمل الأكبر على مقاومة سورية للإرهاب التكفيري من قلب العروبة دمشق.

تحية في قصيدة
ألقى الشاعر «نزار بني مرجة» قصيدته في يوم التأبين، وذلك بعد إلقائه التحيّة، والتحدّث عن العلاقة الطيبة التي جمعته به، وخاصة في مهرجان شعر المقاومة الذي أقيم في طهران. ومما جاء في هذه القصيدة:
كنت تمتشق القصيدة
وزرعت في الرأس الرسالة
وزرعت أشجار الكلام
كنت تمتشق القصيدة
لن يمروا
ففي الوجدان إيماءٌ ورائحة الخزامى…
شاعر مُقاوم

رئيس اتحاد الكتاب العرب «حسين جمعة» وضمن كلمة أصدقاء الفقيد ركّز على عدّة أفكار منها أن شعر الراحل في كلّ ما قاله هو شعرٌ فصيح بإيقاعاتٍ بدويّة معروفة، علماً أن اللهجة البدويّة هي إحدى لهجات العرب، وأيضاً الشعر حالة وجدانية يأتي على حالة الشعر سواء كان بدوياً أم فصيحاً، وفي كلا النمطين هو شاعر مقاوم، ويمكن القول بأن الشاعر عمر الفرا شاعر مُقاوم والغاية الأساسية في شعره هي كيف يُبنى الإنسان المعاصر، وكيف يمكنه التخلّي عن عاداتٍ سلبيّة قديمة وبالية ومتخلفة، ورثها ممن سبقوه.
يذكر أن من بين الحضور في الحفل، المستشارة السياسية والإعلامية «بثينة شعبان»، وعضو القيادة القطرية «خلف المفتاح» والوزير اللبناني السابق «عبد الرحيم مراد».

عمر الفرا في سطور
شاعر سوري من مدينة تدمر، درس وتعلم في مدينة حمص، كما عمل في مهنة التدريس قرابة سبعة عشر عاماً فيها، بدأ كتابة الشعر الشعبي منذ عمر الثلاث عشرة سنة، اشتهر بطريقة إلقائه المميزة، وألقى الشعر باللهجة البدوية فأتقنه كما أتقنه بالفصيحة. وقد تنوعت مواضيع قصائده بين القصص الاجتماعية، والمناسبات والأحداث التي تهم المجتمع والمقاومة، توفي عن عمر يناهز 66 عاماً إثر نوبة قلبية، ودفن في مقبرة «الباب الصغير» في دمشق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن