ثقافة وفن

كيف نعيد ثقة المواطن بإعلامنا ونعالج واقع الترهل الذي أصابه؟ … تغيير الذهنية والنهج وعدم تحصينه من النقد ورفع وصاية بعض الجهات عنه

| طرطوس- سناء أسعد

الإعلام الناجح هو الإعلام الذي لا ينحصر الاشتغال فيه على أحد أو لا يكتفي ببعض مقومات نجاحه دون مقومات. هو الإعلام الذي يتم إعداده ليكون مستعداً وقادراً على مواجهة جميع الظروف الاستثنائية، والطارئة.

والقول بأن أي وسيلة إعلامية في العالم كله تتمتع بحرية كاملة ومطلقة ليس إلا ضرباً من ضروب الخيال. بل يمكن القول إن سقف هوامش الحرية المتاحة يختلف من وسيلة إعلامية لأخرى ومن بلد لآخر. فدائماً هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، والمشكلة لم تكن يوماً بهذه الخطوط، وإنما تكمن بتلك القيود التي يبالغ بفرضها لدرجة الاختناق. بالمحسوبيات التي تسيء للإعلام وتشوه صورته وتجعل منه منظومة فاسدة مترهلة تحكمها المصلحة والشخصنة.

وإذا ما طرح ملف الإعلام السوري للمناقشة نجد أن هناك الكثير من الملاحظات والانتقادات التي تطوله والحديث دائماً يدور حول كيفية تطويره والارتقاء بأدائه ودوره بما يتناسب مع حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه ولاسيما في زمن الحرب، ولكن دائماً يكون للرغبة والأمنيات بتقديم أنجع الحلول النصيب الأكبر عند أي طرح، أما فرص التطبيق فكم هي قليلة!

وبين الرغبة وعدم التطبيق انقسمت آراء المواطنين السوريين بين من يرى أداء إعلامنا جيداً قياساً بالإمكانات الضعيفة ونسبة لا يستهان بها باتت ثقتها بإعلامنا شبه معدومة وترى أنه لم يرتق لمستوى الحرب والهجمة الإعلامية الشرسة التي شنت ضدنا.

فكيف نعيد الثقة بإعلامنا إلى المواطن السوري بعد أن باتت شبه معدومة؟ وكيف نعالج واقع الترهل والفساد الذي أصاب عمق الإعلام وجوهره؟ هل أعطي الإعلامي هوامش الحرية الكافية للقيام بواجبه المهني؟ وما الأسس التي يجب اتباعها لتأهيل وتطوير الكادر الإعلامي بما يتناسب مع أهمية الإعلام ودوره؟

تعريض الإعلام للمنافسة

الإعلامي الدكتور محمد قطان يقول: لم يعرف العالم يوماً قوة ذات تأثير أعظم ممّا يتمتّع به الإعلام في زماننا. لقد أصبح الإعلام قوة إستراتيجية تتمّ من خلالها صناعة الرأي العام وتحديد سلوك الجمهور وبلورة منظومة القيم الفكرية والسياسية والأخلاقية التي تشكّل هوية الأمة ووعي المواطن لذاته ولعلاقته مع الآخر داخل الوطن وخارجه.

ولا تقتصر مهمة الإعلام على دعم صناعة القرار في بلد ما، وتحقيق الوحدة السياسية خلف صناعة القرار فحسب، بل أصبح الإعلام وسيلة رئيسة في إدارة العلاقات الدولية والرأي العام الدولي، وفي التأسيس للخطط والبرامج الدولية، سواء كان هدفها الحروب والعدوان، أم كان هدفها إحقاق الحق في العلاقات الدولية وإقامة نظام دولي عادل.
في عصرنا هذا، لم يعد من الممكن النظر إلى الرأي العام على أنه طفل نطعمه ما نقرّره له، ونربّيه على القواعد والأخلاق والقِيم التي نرغب.

إذ تقوم التكنولوجيا بكشف الجمهور على طيف واسع من المؤثّرات العالمية المتناقضة، والتي سيطر فيها بشكل كاسح الإعلام الغربي والأميركي بشكل خاص، وكشفت الرأي العام عن كلّ ما يحمله هذا الإعلام من قِيم العدميّة الوطنية والتسطيح الثقافي والعنف والابتذال، بل كشفته أيضاً على قِيم مهمة ومتقدّمة، مثل قيم العمل والروح الجماعية. وعلى سبيل المثال، فلقد كانت الإدارة الأميركية بحاجة إلى ذريعة الحادي عشر من أيلول 2001 كي تتمكّن من إقناع الرأي العام الأميركي بقبول الحرب على أفغانستان وجريمة احتلال العراق.

بل يمكن القول: إن العتاد الإعلامي قد أصبح يفوق في تأثيره العتاد العسكري والاقتصادي من خلال قدراته على الترويج وخلق الصورة النمطيّة التي تهيّئ لنجاح السياسة ذاتها، إذ يتمكّن الإعلام من تحويل النصر العسكري إلى هزيمة سياسية، وتحويل الهزيمة إلى نصر. فالتصوّر المعنوي عن معايير الهزيمة أو النصر، يصبح أهم من التصوّرات العسكرية عنها. وبذلك، فإن كنّا نتحدّث عن ميزان قوى إستراتيجي، فلا يمكن ألا نأخذ في الحسبان ميزان القوى الإعلامي.

ويتابع: يلعب الإعلام دوراً حاسماً، ليس فقط في تقوية تعزيز المناعة الوطنية والأخلاقية لدى المجتمع، بل في تحقيق الرّدع النفسي السلبي لدى جمهور الخصم وتفتيت عضد عزيمته وتفكيك عناصر معنويّاته وقناعاته السياسيّة بمشروعه. أثر الإعلام في تدمير الاتحاد السوفييتي، بحيث يمكننا القول: إن الإعلام في عصرنا هو الذي يلعب دوراً حاسماً في حسم الصورة النهائيّة لأي منافسة إستراتيجية يلعب فيها دوراً رئيساً إلى جانب العوامل الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

مضيفاً: إنّ جوهر الفعل الإعلامي هو نقل الوعي من الإدراك العقلي إلى الانخراط العاطفي، ومن التبنّي الفكري إلى التبنّي المعنوي.

وهدف الفعل الإعلامي يقوم على نقل وعي الجمهور من مرحلة رفض فكرة ما إلى مرحلة القبول بها، أو تقوم على نقله من مرحلة القناعة العقلية الدارجة بفكرة ما إلى التبني الشعوري والتعصّب لها.

فقد تثيرك صورة مناضل جريح، لكنّها لن تثيرك بقدر ما تثيرك صورة جنازير دبابة تسحق لعبة طفل أمام منزل محترق، فالصورة الإيحائية التي يثيرها الإعلام تنقل الفكرة من العقل إلى القلب ومن القناعة إلى التعصّب.

ومن جملة الأدوات المهمة التي يستخدمها الإعلام في تأثيره، هو ما يُعرف بـ«التأثير التكراري» للإعلام. حيث يعكف الإعلام بمختلف أدواته ووسائله ومحاور عمله على بثّ رسائل إعلامية مختلفة، ولكن هذه الرسائل تلتقي على شيء واحد يربط خيوطها الإعلامية، ألا وهو تكرار مفاهيم متشابهة ومتضافرة تخدم الترويج لفكرة أو مفهوم سياسي أو اجتماعي وإعلامي من خلال عمل تراكمي حثيث وطويل الأمد. نمط كهذا من التأثير الإعلامي يتحقق، سواء أدرك المتلقّي ذلك أم لم يدرك، وسواء كان محصّناً ضدّه أم معه.

لكنّ الرأي العام لا يلعب دور المتلقي الصامت الأصمّ، فالعلاقة بين الإعلام والجمهور ليست وحيدة الاتجاه. فثّمة علاقة عكسيّة غاية في الأهمية تنطلق من الجمهور إلى الإعلام وأدواته، إذ تنشأ عصبيّة متبادلة بينهما بحيث يتعصّب جمهور ما لأداة إعلامية ما، لكنّه في الوقت ذاته يصبح حاكماً لها وحكماً عليها ومرجعاً لسياساتها.

ولكي تستطيع الأداة الإعلامية أن تؤثّر في الرأي العام وتكسب ثقته، يرى قطان أنه ينبغي لها أن تسير على أساس جملة من الشروط والإستراتيجيات:

1- على الإعلام أن يعرف المسافة التي تفصل بين الوعي الراهن للجمهور، والأفكار التي يحاول إيصالها إليه. وكيف يمكن الاستفادة من حالة معيّنة من الإحباط لتوليد فعل سياسي أو جماهيري معيّن يفيد عصبيّة ما، تخدم صانع القرار.

2- الرأي العام بحدّ ذاته متحوّل ومتبدّل تحت تأثير ظروف حياته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وما لم تكن وسيلة الإعلام على دراية بالمزاج السائد لدى الجمهور تجاه تلك القضايا، وما لم تكن قادرة على التنبّؤ بردّة فعله على خطابها الإعلامي، فإنها ستصاب بالفشل التام.

– تنمو التجربة المعنويّة والشعوريّة والمعرفيّة للجمهور مع انفتاحه الجارف على مختلف مصادر الإعلام. هذا الوضع يضع الإعلام الوطني أمام تحدٍّ مصيريّ.

أ- فمن خلال المنطق الإعلامي الراهن، لم تعد الحقيقة مهمّة بحدّ ذاتها، بل ما هو مهم هو ما يمكن إثباته منها للرأي العام. ولم يعد الحق مهمّاً بحدّ ذاته بقدر ما أصبح مهماً أن تثبت للرأي العام أن الحق جدير بالدفاع عنه ومن المجدي العمل على تحقيقه.

ب- وعلى حين تنفتح التجربة الإعلامية للجمهور على تيارات متلاطمة من القيم والمفاهيم التي تهطل عليه من كلّ حدب وصوب، تتعاظم أهمية شكل المعلومة وشكل التجربة الإعلامية على حساب المضمون. ومن هذا المنطق الإعلامي الدارج، ليس من المهمّ صحّة ما تقول، بل إن ما هو مهمّ هو شكل التقديم ومدى التأثير ومدى القدرة على الإقناع.

ج- لم يعد من الممكن التحكّم في ما يتلقّاه الجمهور من تأثير إعلامي، ولم يعد من الممكن عزل الجمهور عن محيطه الطبيعي الكوني العالمي. ففي جزء من الثانية ينتقل المتفرّج والمبحر على الإنترنت من عالم إلى عالم، من منظومة قيم لأخرى، من صورة معيّنة لحقّ معيّن إلى عكسها، ومن عصبيّة إلى نقيضها. وأداته في الحكم ليست العقل وحده، بل تشير الدراسات الإعلامية إلى أننا لا نقوم باختيار عقلاني محض في قراراتنا اليومية إلا في 15بالمئة من الحالات، أما الحالات الأخرى 85 بالمئة، فهي متأثرة بقوة بالإعلام والترويج والقيم الدارجة فمن حيث المبدأ، كي نشتري سيارة بالمنطق العقلي، يكفينا أربعة دواليب ومحرّك وقُمرة آمنة. فمن منّا يشتري سيارة كهذه؟

ويرى أيضاً أن الاستجابة لهذا التحدّي المصيري الذي يجابهه الإعلام الوطني تتطلب:

أ- القيام بدراسات سبر متعدّدة وتراكمية للرأي العام، ولمجموعة القيم والمفاهيم والأولويات السائدة في مجتمع معيّن ودراسة حراكها ونموّها. فما العناصر المتراجعة، وما العوامل والقيم الصاعدة؟ هل يميل الناس للحلول الفردية أم الجماعية؟.. إلخ.

ب- دراسة سلوك ومواقف ومزاج النخب الثقافية والنخب التقليدية الضابطة لمفاهيم وقيم هذا المجتمع، والتركيز على كيفيّة نقل مستوى الرأي الرائج لدى الجمهور ليقترب من إدراك الأهداف الكامنة وراء السياسة المعتمدة.

ولكي يتمّ ذلك أيضاً، ينبغي تعريض الإعلام أو كشفه للمنافسة، فلا يكون محصّناً من المراجعة والنقد. إذ يجب ألا يكون الإعلام مغطّى ومحمياً من المحاسبة، بغضّ النظر عن مستوى نجاحه في الترويج للقيم التي أُسّس لخدمتها، ولا يجوز السماح للإعلام أن ينسى جمهوره ويتوجّه لإرضاء الجهات المموّلة، بغضّ النظر عن مستوى أدائه واحترافه. ومعيار ذلك هو دراسات الرأي العام التي تسمح بمعرفة مقدار إخفاق أو نجاح الإعلام على المدى القريب أو المتوسّط أو البعيد، في تحقيق أهدافه.

لذلك، فإن السؤال الأساسي الذي يعطي كلّ المعنى لدور الإعلام هو: ما منظومة القيم، وما التوجّهات السياسية الجوهريّة التي ينبغي أن يعتمدها الإعلام في نقله للمعلومة والخبر والحقيقة؟ فمن دون منظومة واضحة، ومن دون رسالة محدّدة بدقّة كاملة ويعرفها كلّ العاملين في الإعلام، لا يمكن لأي إعلام تحقيق أدنى مستوى من النجاح.

ويتابع: أكثر الأمور فشلاً وخطراً في الإعلام، هو الخبر والمعلومة والقيم الصمّاء بلا طعم ولا رائحة ولا لون. إنه الإعلام الذي يجعله خوفه من الخطأ يمسخ وجهه عن أي مضمون حقيقي، فيكتفي بترديد كلام فاقد لأي مصداقية أو معنى.

إنّ استمرار دعم الإعلام ينبغي أن يرتبط بشكل وثيق بمحاسبته على أدائه، وعلى نجاحه وفشله. إن إهمال ذلك لا يؤدّي فحسب إلى سواد خطاب خشبي تكراري مسبق الصنع، بل يخفض مستوى الاصطفاء داخل المؤسسة الإعلامية كما تطرد العملة الرديئة العملة الجيدة، وتتراجع مصداقيّة الأداة الإعلامية ليصبح اسمها بحدّ ذاته عبئاً على رسالتها.

وتشكّل نسبة الفائدة والقيمة المضافة كثافة الجديد في المعلومة والمادة الإخبارية عنصراً أساسياً في تحقيق مصداقية المادة الإعلامية وأداتها في العصر الرّاهن. فالرأي العام ليس مجرّد موضوع للإعلام، بل يصبح الرأي العام في الأزمات والمنعطفات هو القطب القائد، ويصبح الإعلام موضوعاً للرأي العام، فيلهث الإعلام وراء جمهوره يحاول استعادة مكانته لديه.

وفي كثير من الأحيان، يلتقط الجمهور والرأي العام مبادرة سياسية أو ثقافية أو فكرية ليتجاوز بها الوعي الإعلامي الرائج لدى النّخب الإعلامية والسياسية. فنجد الإعلام فجأة هو الذي يركض وراء الرأي العام، ويصبح الرأي العام هو صانع إعلامه، ليفرض من جديد منظومة جديدة من القيم والأولويات على الإعلام ذاته.

وبالنتيجة، يمكن أن نقول: إن الإعلام هو إحدى الحلقات الرئيسة التي تربط المجتمع بالسياسة والدولة، والتي تربط مواقف الرأي العام من القضايا الدولية وبالقيم الإنسانية.

فبقدر ما تكون حلقة الربط بين الجمهور والسياسة، حيّة ومتبادلة وصادقة ومؤثّرة، تكون العلاقة بين المجتمع والسياسة صحية وقوية، ويكون الإعلام مؤثّراً وناجحاً وموضوعياً وأداة تخدم السياسة الوطنية، لا عبئاً عليها.

الحرية الصحفية لا تأتي بقرار

الإعلامي الدكتور فائز الصائغ يقول: من أبسط وظائف الإعلام وحملة الأقلام صناعة وتحصين الرأي العام، تنويره، معالجة مشكلات وأوضاع الناس، طرحها مناقشتها، تسليط الضوء عليها والحث لإيجاد الحلول لها تباعا.
المعادلة بسيطة، فبمقدار اقتراب الإعلام من وظائفه ومنها الاقتراب من الناس، يكون إعلاما ناجحا، مقبولا متابعاً والعكس صحيح.

قد لا يكون القياس صحيحا 100 بالمئة في الوضع الراهن بسبب الظروف الاقتصادية والجغرافية وقدرة الإرهابيين ومموليهم ومرتزقتهم تقطيع أوصال الوطن ولكن هذا واقع تجري معالجته بمختلف الوسائل لعودة سورية إلى وضعها الطبيعي.

ويرى الصائغ أن الثقة بين الوسيلة الإعلامية والمواطن لم تفقد بل تعززت وذلك بسبب إدراك المواطن حجم المؤامرة الكونية على سورية وحجم المال الذي تم توظيفه وحجم الإعلام المعادي المسخر لتنفيذ مراحل المؤامرة.

متسائلا: ترى وبعد سبع سنوات وبعد الصمود الأسطوري للشعب والجيش وتماسك الدوله ومؤسساتها والانتصارات التي تحققت هل يجوز لنا الحكم بانعدام الثقة بين الإعلام والمواطن أم إن الانتصار السوري يشمل مناحي الحياة السورية المختلفة ومنها الإعلام؟ متمنياً: لو أننا نحن الإعلاميين ننصف إعلامنا قبل أن ينصفنا الآخرون.

ويتابع قائلاً: لا يخفى على أحد أن الحصار والمقاطعة والاستهداف حالت دون تطوير أدوات الإعلام وتحديث الوسائل في زمن تتطور فيه تكنولوجيا الإعلام بشكل متسارع وعدم توافر التمويل اللازم وخاصة من القطع الأجنبي إذ عانت منه سورية خلال السنوات الماضية.

ويضيف: أرى أن الترهل المهني لم يصب الإعلام. صحيح أن الإعلاميين بحاجه إلى تدريب مستمر ولم يسبق أن تدرب الإعلاميون من قبل على هذا النمط من الإعلام المعادي والفبركات وطمس الحقائق وتصنيع التضليل وغير ذلك إلا أن الإعلام السوري استطاع النهوض والاستنفار والرد والمتابعة، ساعدنا في النجاح أننا نملك الحقيقة ونعمل على أرضنا كما ساعدنا مستوى الوعي عند الناس والجمهور المتابع وإدراك الرأي العام السوري حجم المؤامرة وحجم الأدوات وحجم المال وحجم الضغط الإعلامي العالمي على سورية الذي سخرت من أجله مختلف أساطين ووسائل الإعلام الغربي والعربي معا ومع ذلك كان المواطن السوري الواعي معنا ويتابعنا ونتبادل وإياه الثقة بالثقة والمصداقية بالحقيقة.

أما إذا كان المقصود الترهل الإداري أو المالي أو كثرة العاملين وربما قلة الإنتاج مثلاً فهذا الأمر تجري معالجته الآن ووزارة التنمية الإدارية أجرت دراساتها وتصنيفها العلمي واعتقد أن المسألة قيد الإنجاز.
وللإنصاف أقول: إن الإعلاميين والإعلام عموماً كانا على قدر المسؤولية الاستثنائية التي حكمت أداء الإعلام خلال السنوات العجاف.
وعن الحرية يقول الصائغ: الحرية الصحفية لا تأتي بقرار ولا هي هبة من السلطات ولاهي مكافأة على نجاح أو عقوبة على فشل. ومادام التمويل والموازنات والمكافآت من الحكومة فالحرية ستبقى مؤطرة بما تريده الحكومة ولهذا نلمس أن الحرية في صحيفة «الوطن» أفضل من الصحف الحكومية الأخرى، رقيب «الوطن» صاحبها أما رقيب الصحف الحكومية فهو الحكومة ووزراؤها والمتنفذون فيها، لا أنكر المحاولات المبذولة لانتزاع الحرية أو بعضها لكنها تبقى في إطار فردي ربما يدفع صاحبه الثمن مما حصل في حياتنا الصحفية وفي بعض الأحيان كان الثمن باهظا وقد دفعته مرارا على سبيل المثال.
الحرية الملتزمة والواعية تبدأ من الاستقلال المالي والإداري والتراتبية المعروفة، الصحف الخاصة متحررة من كل هذه «المعوقات» والقيود وهي ملتزمة بمفهوم إعلام الدولة بينما الصحف الرسمية لا تزال تحت خيمة إعلام الحكومة أو الإعلام الحكومي والرسمي.

في بيان لرئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الشعب في الدور التشريعي الماضي قال: إن الحكومة تسعى إلى أن يكون الإعلام إعلام الدولة بدلاً من الإعلام الحكومي بما يعني المزيد من الحرية من جهة ورفع مستوى الأداء الإعلامي، مرت السنوات ولم يتغير أي شيء.. ذهب الوعد وذهب صاحبه.

مسألة الحرية شائكة في العالم كله إذ لا حرية ولا ديمقراطية في أي وسيلة. السلطة أو المال أو الاثنان معا يتحكمان بالوسيلة وبالصحفي أحدهما أو كليهما.

تغيير الذهنية والنهج والسعي للتطبيق

الإعلامي نزار الفرا يقول: للأسف أننا أجدنا وأبدعنا في تفريغ المصطلحات التي أصبحت شعارات من مضمونها، فمن يتحدث عن شفافية الإعلام وضرورة التصاقه بالمواطن وقضاياه هو من يهتز لأي كلمة نقد تكون لمصلحة المواطن، لا يمكن أن يكون الإعلام في صف المواطن إلا إذا تخلى القائمون عليه عن فكرة أنهم وحدهم أصحاب الفكر والرؤية وأن المواطن لا يعرف مصلحته ولا يستطيع أن يستوعب إلا ما يريد القائمون على الوظائف العليا بالإعلام أن يعطوه إياه.

ويرى الفرا أن معالجة ذلك تكون بتغيير الذهنية والنهج وليس بالقرارات والقوانين، لأن المشكلة دائماً بالتطبيق، وجزء من طريقة تغيير هذه الذهنية هي دور الإعلاميين بالضغط بالنهج السليم والقدرة على تحمل كل الضغوط والمواقف السلبية لمن لن يروق لهم ذلك، إذاً هو جهد جماعي من العاملين في الإعلام والذين يريدون فعلاً مكانة متميزة للإعلام السوري عند أبناء وطننا وليس عملاً فردياً.

مضيفاً: ودائما نقول إن سقف الحرية الإعلامية في سورية ليس منخفضاً وليس سيئاً وهي معطاة للإعلاميين بشرط أن يتحرروا هم أنفسهم من السقوف المنخفضة الموجودة أحياناً في أذهانهم فقط فهناك الكثير من البرامج الجريئة التي تتحدث بلسان المواطن وهي موجودة بالفعل بالإعلام الرسمي من تلفزيون، وإذاعة، وصحف وموجودة بالإعلام الخاص بشكل أبرز أحياناً بسبب الهامش الأكبر الذي يتمتع به الإعلامي في الإعلام الخاص في سورية.

وعن تطوير الكادر الإعلامي يقول الفرا: أنا أرى أن الأزمة في سورية وضغط العمل الكبير وخصوصاً في السنوات الأولى للحرب صقلت خبرات الإعلاميين بشكل كبير ومن ثم تحصلت خبرة عملية لا يستهان بها لدى الإعلاميين السوريين أكثر بكثير مما يعطى عادة في المجال النظري في بعض المعاهد التدريبية التي تعطي دورات إعلامية.

ومن ثم خبرتنا اليوم داخلية مملوءة بالشواهد الحية التي لا يملكها بعض الإعلاميين في الخارج الذين يسوقون أنفسهم في مراكز تدريبية سورية أنهم أصحاب خبرات مميزة ونحن دائماً- للأسف- نحب من يأتون إلينا من خارج سورية وننظر إليهم أنهم يملكون مالا نملك ولديهم ما ليس لدينا.

نجاح الإدارة وإتاحة المجال أمام الإبداع

الإعلامي هني الحمدان يقول: الإعلام ناقل أمين وموضوعي وجسر وصل بين الجهات المعنية في الدولة والحكومة مع المواطن وكلما كانت الرسالة الإعلامية واضحة وبسيطة وشفافة وصادقة تشرح القرارات والإجراءات التي تهم المواطن وتستطلع تأثيرها في حياته ومعيشته وتنقل رجع الصدى إلى هذه الجهات أي تتيح المجال للمواطن كي يتنفس ويعبر عن رأيه بما يجري حوله كلما اتسع جسر الثقة وصار أقوى وأمتن فالإعلامي مسؤول أيضاً عن نقل رأي المواطن وتقييمه لما يجري حوله.

والرسالة الإعلامية هي مرآة الواقع ترصد ما يحدث وتنقله بدقة وسرعة وهذا لا يتناقض مع الدور الأساسي للإعلام في ضخ مفاهيم جديدة تعزز كرامة المواطن وتحث الجهات المعنية على تقديم الخدمات الأفضل من إجراءات وتسهيلات بما ينعكس على تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن.

ويتابع: إن نجاح أي عمل ولاسيما في الإعلام يكون مرهوناً بمدى نجاح الإدارة وتفهمها لطبيعة العمل الإعلامي وتأمين احتياجاته ومتطلبات عمله واحتياجات المحرر للطبيعة الخاصة للمؤسسات الإعلامية واختلافها عن إدارة المؤسسات والوظائف العامة وعندما تتعامل الإدارات مع الإعلام كمهنة ذات طبيعة خاصة وتتيح المجال أمام الإبداع والأفكار الجديدة غير النمطية فسينعكس ذلك على الرسالة الإعلامية وفعاليتها وتأثيرها، ولا نريد أن نتهم أحدا لكن بعض الإدارات ساهمت في نمطية الأعمال الإعلامية في ظل غياب المبادرة وسرعة التعامل مع الأحداث انتهاء بإتقان صناعتها.

رفع وصاية بعض الجهات عن إعلامنا

الإعلامي هيثم يحيى محمد يقول: ان إعادة الثقة بإعلامنا لعقل من فقدها وتعزيز الثقة عند من لم يفقدها ويثق به بنسب مختلفة ولكنها تطالب بتطويره أكثر وتقوية دوره، ومعالجة أي ترهل أو فساد فيه يتطلب الكثير من العمل الموضوعي والجريء من وزارة الإعلام من جهة المبادرة والاقتراح أو القرار، ومن مجلس الوزراء من جهة القرار إذا احتاج الأمر إلى قراره، بناء على اقتراح من الوزارة أو من اتحاد الصحفيين. وكل ذلك ضمن مشروع تطويري متكامل يتم التوصل إليه بالمناقشة والحوار عبر ورشات عمل موسعة ومتخصصة تقيمها الوزارة بالتعاون مع اتحاد الصحفيين خلال فترة زمنية محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، كما يتطلب عدم تدخل بعض الجهات في هذا العمل إلا من باب التوجيه ودعم التنفيذ.

ويتابع: وضمن هذا الإطار لابد من تأهيل الكادر الإعلامي الموجود واستبعاد كل من هو غير قابل للتأهيل الذاتي أو المؤسساتي بعد إخضاعه لتقييم موضوعي تجريه شخصيات إعلامية مشهود لها بالمهنية والحرص والموضوعية. ولا بد من إسناد المهام الرئيسيّة في المؤسسات الإعلامية (مدير عام- مدير- رئيس تحرير- مدير تحرير- أمين تحرير- رئيس قناة- رئيس قسم- وأي مهمة في التحرير… الخ لكوادر مؤهلة مهنياً ومن جوانب مختلفة وبناء على توصيف وظيفي وأسس محددة يتم وضعها في إطار المشروع التطويري الذي تحدثنا عنه والابتعاد في هذا المجال عن العلاقات الشخصية والمصلحية.

مضيفاً: ولا بد من دعم هذه الكوادر وكوادر الإعلام بشكل عام مادياً من حيث الراتب والتعويضات مع وضع نظام حوافز دقيق نشجع من خلاله العمل اﻻعلامي النوعي الذي يقوي سلطة الإعلام ودوره الوطني، ولا بد من رفع وصاية بعض الجهات عن إعلامنا وأن تكون مرجعيته واحدة وفق ما ينص عليه قانون الإعلام وأن تعطى لمؤسساته والقائمين عليها حرية النشر وسرعة التصرف وقرار التعامل مع أي حدث يحصل سواء أكان حدثاً أمنياً أم عسكرياً أو سياسياً أو اقتصادياً أو حزبياً بعد التنسيق والتواصل مع الجهات ذات العلاقة من جهة الحصول منها على المعلومات المطلوبة بخصوص الحدث وبما يساعدها في السبق الإعلامي ومصداقية الخبر وبحيث يصبح إعلامنا المرجعية للجميع في الحصول على المعلومة بخصوص أي حدث على أرض الوطن بدل أن يكون الجهة التي نكلفها بتكذيب الإعلام الخارجي الذي يسبق في نشر هذا الحدث بعيداً عن الدقة في معظم الحالات.

وطبعاً ما تقدم يتطلب من الوزارات والجهات ذات العلاقة تقديم المعلومة للإعلام بسرعة وفور طلبها وليس كما يحصل الآن حيث يعاني إعلامنا كثيراً للحصول على المعلومة كما يعاني من التدخل والتقييد في النشر المتعلق بالأمور السياسية والعسكرية والأمنية والحزبية ولا داعي للتفاصيل.

ختاماً

المحاولات الخجولة التي تتلخص بمجموعة من الاجتماعات والمؤتمرات وبعض القرارات التي يمكن أن تبقى حبيسة السطور لا يمكن أن تكون حلا لعلاج مكامن الضعف والترهل والفساد الذي أصاب واقعنا الإعلامي.
ما نحتاجه هو قلبة نوعية كاملة تتلخص بإستراتيجية جديدة فعلية وحقيقية وجدية في التطبيق ليكون لدينا إعلام قوي، فعال ومؤثر بأدائه ودوره الذي يجب عدم الاستهانة به.
فالوقت لا ينتظر المهملين، والتطور لا يرحم المتخلفين عن مواكبته، والثقة لا تأتي من الفراغ، كما أن هوامش الحرية المتاحة لم تكن يوماً مجرد غلاف أو عنوان لمضمون فارغ من معناها الحقيقي أو مجرد صوت ينادي بها من جهة ويندد بتطبيقها من جهة أخرى.
البلد الذي يمتلك جيشاً عسكرياً أذهل العالم بقوته وصموده وتماسكه يليق به أن يمتلك في المقابل جيشاً إعلامياً يوازيه قوة وتماسكا، فلا تستهينوا بما نملك من نخب فكرية وثقافية قادرة على بناء هذا الجيش وقيادته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن