ثقافة وفن

الإيقاعات الشعرية هذه المرة بأشكال هندسية … عناية بخاري لـ«الوطن»: أردت من خلال الألوان أن أشير إلى طبيعة الحياة المعيشة في سورية

| سوسن صيداوي

العناية مركزة، المثابرة والاجتهاد في تحقيق الحلم أمر ليس بالسهل في مواجهة ظروف الحياة وواجباتها، وعلى الخصوص عندما يتعلق الأمر بامرأة تتحدى لتنطلق في مجتمعنا الشرقي. الحديث عن الفنانة التشكيلية عناية بخاري المعروفة بلقب المثابرة، والمكتسب منذ أكثر من ثلاثين عاما، فبحسب الأصدقاء من الفنانين التشكيليين، إنها فنانة مجتهدة إلى حد التخمة، تنسى العالم ومحيطها وحتى نفسها ولشهور في مرسمها كي تنجز عملها. وفي هذه الفترة قدمت الفنانة التشكيلية تجربتها الجديدة التي استغرقت منها وقتا لثلاث سنوات في معرض فردي جديد، لأعمال متفاوتة الأحجام بشكل ملحوظ، بين الجداري الضخم، والكبير، والمتوسط. بتقنيات تنوعت بين طباعة الشاشة الحريرية، أو الطباعة والتلوين، أو التلوين الزيتي. خارجة في هذه التجربة من العناصر الطبيعية متجهة إلى الأشكال الهندسية والخطوط والإكثار من النقط، في تسع وعشرين لوحة، جاءت تحت عنوان: «إيقاعات شعرية» عُرضت في المركز الوطني للفنون البصرية بطريقة جد رائعة.

علاقات أشكال هندسية مع الألوان

عن خصوصية معرض «إيقاعات شعرية» أشارت التشكيلية عناية بخاري إلى أن هذا المعرض هو نتاج عمل ثلاثين عاماً في تقنية طباعة الشاشة الحريرية، لافتة إلى أن توجهها حالياً نحو الأشكال الهندسية مبتعدة عن تجربتها الطويلة مع الأشكال النباتية، ومتابعة «عملت على تقديم هذه (الإيقاعات الشعرية) عربون امتنان وشكر ومحبة لزوجي الفنان نذير إسماعيل رحمه الله، وجاء الاسم، وكأنني ألقي له الشعر من خلال أعمالي وألواني المطروحة. بصراحة استغرق مني هذا المعرض ثلاث سنوات عمل من عام2015، حيث جمعت بين طباعة الشاشة الحريرية إضافة إلى أعمال أخرى زيتية، ومازلت متأثرة بالطبيعة وبخطوطها المنتشرة في كل شيء بالأشجار والنباتات وحتى المخلوقات المجهرية التي لا نراها بأعيننا المجردة، ولهذا أردت أن أكثر في اللوحات من الخطوط سواء في النقط أم الأشكال الهندسية، مازجة من الألوان المتعددة والمتنوعة الدرجة عملا متميزا، واختياري للألوان منطلق من إيماني الكبير بالتفاؤل والحياة، فسورية بلد الحضارة ولهذا هي الأجمل، ومهما تعرضت إلى ظروف سيئة، فستبقى أرضها وشعبها نابضين بالحياة، لذلك أردت من خلال الألوان أن أشير إلى طبيعة الحياة المعيشة في سورية. أتمنى أن أكون وفقت فيما قدمته لأنني بالنهاية أردت أن أقدم للجمهور شيئاً جديداً من حيث اللون والشكل الهندسي». وكانت الفنانة خصت بالحديث عن عملين فنيين قائلة: «هذان العملان مميزان بالنسبة لي، فكل واحد منهما مكون من ثلاث قطع، ويمكن تركيب هذه القطع مع بعضها بعدة احتمالات، يصل في أحدهما لمئة احتمال، وفي الثاني لأربعة وسبعين احتمالا، وهو ما ينتج في كل مرة عملاً فنياً جديداً، وما يميزهما أكثر أنه يمكن أن يقام لكل منهما معرض خاص، يتم من خلاله تجريب احتمالات العرض أمام الجمهور ليشاهدوا كيف تتغير العلاقات بين الأشكال الهندسية والألوان منتجة أعمالاً فنية جديدة».
أما عن حجم الأعمال وطريقة العرض تحدثت الفنانة «هنا في المعرض الحالي قمت بطباعة الشاشة الحريرية مع تشكيلاتها مستخدمة كما ذكرت العديد من الألوان وهذا الأمر جد معقد، وخصوصاً أن أحجام الأعمال كبيرة فمنها ما هو بطول ثمانية أمتار وأخرى بطول ثلاثة أمتار. أنا أحب الأعمال الكبيرة الحجم، وأشعر بالراحة وبالحرية في التعامل مع العمل الفني الكبير إلى جانب السعادة في توصيل الفكرة بشكل أفضل للمشاهد، ويرجع السبب- ربما- لأنني أتعلق بالطبيعة وبرحابتها، أو لأن الحجم الكبير يساعدني على التعبير بشكل أكبر. وهنا لابد لي من الإشارة إلى طريقة العرض، فهي من أحد أسباب نجاح المعرض، بالنسبة للأعمال المعروضة لا يوجد صالة قادرة على استيعابها وعرضها في صالة المركز الوطني للفنون البصرية، المهيأة لاستقبال مثل هذه الحجوم الضخمة من الأعمال الفنية بشروط عرض احترافية تخدم العمل والمشاهد في الوقت نفسه».

محدودية طباعة الشاشة الحريرية

من جهته تحدث الدكتور غياث الأخرس مدير المركز الوطني للفنون البصرية عن متابعته للفنانة البخاري منذ أكثر من عامين في مرحلة تطويرها لتقنيتها ولأحجام أعمالها «المعرض شفاف وجميل، مادته معقدة قليلا، وهي الشاشة الحريرية، إضافة للأحجام الكبيرة، لهذا أنا أراه معرضا جدّ مناسب ومتجانس مع بعضه، ومن اسم المعرض (إيقاعات شعرية) نلاحظ أن هناك إحساساً عالياً وشفافية واضحة من خلال الألوان، ولابد من الإشارة إلى أن الأعمال المطروحة معقدة، لأنه من المعروف في طباعة الشاشة الحريرية، أن يكون هناك ثلاثة ألوان، ولكن في الأعمال الحالية جمعت الفنانة في كل لوحة العديد من الألوان، هذا إضافة إلى الدقة في الأشياء الهندسية، وإن كان لديها تكرار في العناصر من لوحة لأخرى، هذا من جهة ومن جهة أخرى أنا سعيد جداً لأن الصالة استطاعت أن تضم هذا المعرض بشكل جميل، وخاصة أن أحجام الأعمال تتطلب صالة كبيرة، وهذه أول مرة نعرض أحجاماً كبيرة في المركز».

الفنانة مجتهدة لحد التخمة

بينما تحدث الفنان التشكيلي محمود الجوبرة عن مثابرة واجتهاد الفنانة التشكيلية قائلاً: «الفنانة عناية بخاري هي فنانة مجتهدة حتى التخمة، فهي تنسى نفسها كامرأة وربة منزل وتبقى في مرسمها عدة أشهر، ما قدمته في هذا المعرض متميز، وخاصة بالنسبة للفنانة التشكيلية السورية، فنحن نعرف أنهن في مجتمعنا قليلات، ورأيت في هذا المعرض طباعة شاشة حريرية ترقى للعمل الفني وتجمع عناصر، صحيح أنها زخرفية ولكنها عناصر جمالية، وحتى هذه اللحظة لم أر أعمالا بهذه الأحجام كلوحة مثلا من ثمانية أمتار، بصراحة من الصعب أن يتحكم فنان بهذه المساحة فهي تحتاج إلى الجهد الكبير وإلى الكثير من الأناة والصبر».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن