ثقافة وفن

جبرائيل وديع سعادة 96 عاماً على ولادته و21 عاماً على رحيله … نقل اللاذقية إلى العالم فكتب كثيراً عنها وعن آثارها وتاريخها وبها صار آثارياً

| نضال حيدر

«إنَّ الرجُلَ الذي أمامكُم هو عالِمُ آثارٍ وهو شاعِرٌ لأنه يُحِبُّ بلاده»…
بهذهِ الكلمات القليلة في عددها، والباهرةِ في معناها، قدَّمَ أندريه بارو مديرُ الأبنيةِ الأثريةِ في فرنسا، الباحثَ والآثاريَّ والأديبَ السوري جبرائيل سعادة في إحدى محاضراتهِ بمتحفِ «اللوفر».
وعنهُ.. قال الأديب السوري الكبير حنا مينة: «في اللاذقية بحران، بحر الماء، وبحر الآثار… فإلى بحر الآثار قبطان مركبهم العظيم الصديق العزيز جبرائيل سعادة».
وُلِدَ الباحثُ والآثاريُّ والأديبُ السوري جبرائيل وديع سعادة في مدينةِ اللاذقية يوم الأربعاء في 29 تشرين الثاني 1922م.
تلقى جبرائيل دراسته الابتدائية والمتوسطة في اللاذقية، وتابع دراستهُ الثانوية في بيروت، وهناك نالَ الجائزة الأولى عن قصيدةٍ كتبها باللغةِ الفرنسية.
حازَ جبرائيل الإجازة في الحقوق عام 1944، وفي عام 1960 نالَ الجائزة الأولى في المسابقة التي نظمتها وزارة الثقافة والفنون في الجمهورية العربية المتحدة عن مسرحيته «العاص لن ينسى».

سعادة: الوطنُ ليسَ أرضاً فحسب…
جبرائيل الذي أرادَ لهُ أهلهُ أن يكونَ تاجراً، لكنَّهُ.. ولحسنِ الحظ.. ( خيَّبَ أملهم) وصارَ آثارياً وكاتباً وأديباً وموسيقياً بارعاً، جازت شهرتهُ الحدود والأصقاع، أحبَّ مدينتهُ: اللاذقية؛ فأحبَّهُ أهلها.
لا عجب إن كانت الآثارُ عشق جبرائيل اللامتناهي، فهو العارفُ بأسرارها؛ الباحثُ عن كلِّ جديدٍ في ميدانها، وهو القائل: «كيفَ يمكنُ للإنسانِ أن يُحِبَّ شيئاً لا يعرفهُ؟!.. الوطنُ ليسَ أرضاً فحسب… هل أقولُ إن حُبي للوطنِ ازدادَ منذُ تلكَ الأيام ولا يزالُ كلَّما عرفتُهُ أكثر؟!… ».

منزلهُ المفتوحُ للجميع
أشرَعَ جبرائيل أبوابَ منزلهِ وسط مدينة اللاذقية أمام الجميع وبالأخص: للطلاب والباحثين والدارسين، الذين يطمحون للاستفادة من موسوعيته ومن مكتبته الضخمة التي كانت تضم ستة عشر ألفاً من المجلدات في مختلف ميادين الثقافة والأدب والعلوم، إضافة إلى العديد من المجلات الأدبية والتاريخية والجغرافية والآثارية والجيولوجية والفيزيائية واللغوية والعلمية، وقد تبرعَ بالمكتبة إلى جامعة تشرين حسب وصيته بعد مماته.

نقلَ اللاذقية إلى العالم
نقل جبرائيل اللاذقية إلى العالم، فكتب كثيراً عنها وعن آثارها وتاريخها، وهو أسَّسَ نادي اللاذقية الرياضي واُنتُخِبَ رئيساً لهُ، وهو الذي أصبح فيما بعد نادي تشرين الرياضي، كما أسس عام 1950 رابطة أصدقاء أوغاريت، وفي عام 1963 أسس فرقة اللاذقية للغناء الشعبي.
زارَ جبرائيل العديد من الدول العربية والأوروبية، ونشرَ مقالاتهِ في صحفٍ ومجلاتٍ محلية وعربية وعالمية: التبغ، النعمة، الحوليات الأثرية العربية السورية، المعرفة، العمران، الديار، تشرين، الوحدة، وغيرها.
ألقى جبرائيل محاضراته في معظم المدن السورية، كما ألقى محاضرات في: فرنسا، وإيطاليا، وسويسرا، وبلجيكا، ويوغسلافيا في نيسان وأيار من عام 1970، إضافة إلى تقديمهِ 90 حديثاً عن السياحة في الإذاعة السورية بين عامي 1969- 1971، ودأبَ منذ مطلع عام 1971 على تقديمِ حديثين أسبوعيين بالعربية وبالفرنسية.

إنجازاتٌ وإسهاماتٌ كبيرة
لم يَدرُس جبرائيل عِلمَ الآثار لكنَّهُ كانَ مُهتمَّاً بالآثارِ اهتماماً كبيراً، ومِن إنجازاتهِ: اكتشافُ آثارٍ تدلُّ على موقعِ مدينةِ «راميتا» القديمة، واكتشافُ موقعِ ابن هانئ الأثري، والاهتمامُ بالتعريفِ بموقعِ أوغاريت، وتأسيسُ «جمعيةِ أصدقاء أوغاريت» والمساهمةُ في تأسيسِ فرعِ جمعيةِ العادياتِ الأثريةِ في اللاذقية، والمشاركةُ في المهرجانِ الدولي للأيقونةِ السوريَّة.
ومن إسهامات جبرائيل الكثيرة: المشاركة في تأسيس جمعية أصدقاء الفقير الأرثوذكسية عام 1939، وكذلك في تأسيس حركة الشبيبة الأرثوذكسية التي انتُخِبَ رئيساً لفرعها في اللاذقية، كما أسهمَ عام 1945في تأسيس النادي الموسيقي، وبعد عامين أسهم في تأسيس الثانوية الوطنية الخاصة في اللاذقية، وبعدها في إنشاء فرع لعاديات حلب في اللاذقية.

الأديب.. الباحث.. والقنصل
كان جبرائيل عضواً في اتحاد الكتاب العرب بدمشق (جمعية البحوث والدراسات)، ورئيساً لفرع اتحاد الكتاب العرب باللاذقية، وعضواً في مركز الأبحاث التاريخية والأثرية التابع لمديرية الآثار والمتاحف، إضافة إلى عضويتهِ في لجنة الفنون الشعبية في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بدمشق، والقنصل الفخري لدولة اليونان في اللاذقية عام 1956.
شاركَ جبرائيل في الكثير من المؤتمرات والندوات، ومن أهمها: مؤتمر الآثار العربية في بغداد، مؤتمر الآثار الكلاسيكية- دمشق 1969، ندوة الدراسات الأوغاريتية- اللاذقية 1979، الندوة الدولية لعصر النور عام 1986، معرض الأيقونات- دمشق 1997.

جبرائيل سعادة مُكرَّماً
مُنِحَ جبرائيل وسام الصليب الذهبي من حكومة اليونان عام 1970، كما مُنِحَ وسام الاستحقاق من رتبة فارس من الحكومة الفرنسية عامَ 1989 تقديراً للجهود التي بذلها في خدمة العلم وعمله في الآثار والتاريخ، كذلك كرَّمتهُ مديرية الثقافة باللاذقية وأطلقت اسمه على قاعة المطالعة في المكتبة العامة بالمركز الثقافي، وأطلق مجلس مدينة اللاذقية اسمهُ على الشارع الذي كان يقطنه.

مؤلفاته وترجماته
كثيرةٌ هي المؤلفات والترجمات التي أنجزها الباحثُ والآثاريُّ والأديبُ والموسيقيُّ السوري جبرائيل ومن أهمها: محافظةُ اللاذقية، القديس إليان الحمصي، أبحاث تاريخيةٌ وأثريَّة، المختصَرُ في تاريخِ اللاذقية، رأسُ شَمرا وآثارُ أوغاريت، عندما تُغنّي اللاذقيَّة، دليلُ المُتحف الوطني بدمشق، ومعلوماتٌ موجزةٌ عن رأسِ شَمرا وأوغاريت، إضافة إلى مجموعتهِ القصصية: وراء القضبان، وترجمتهِ لروايةِ «الأبتر» للمبدعِ السوري ممدوح عدوان من العربيةِ إلى الفرنسية.
توفي الباحثُ والآثاريُّ والأديبُ والموسيقيُّ السوري جبرائيل سعادة يوم الجمعة الواقع في 16 أيار 1997 بعد حياةٍ حافلةٍ بالعطاءِ والإبداع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن