قضايا وآراء

واشنطن ولعبة الردع في تسخير الإرهاب

تحسين الحلبي : 

يبدو أن الحروب الكبرى بين الدول كان يحكم اندلاعها أو عدم اندلاعها بين دولة وأخرى عوامل تتعلق بمدى اقتناع جيش ما بقوة الردع التي يملكها الجيش الآخر المستهدف وقد سادت هذه الظاهرة في فترة الحرب الباردة بين الدول الكبرى ثم بدأت في التسعينيات وبداية الألفية الثالثة تظهر عوامل تجعل منظمة مسلحة (أي من غير الدول) تشن هجوماً على نيويورك مثلما حصل عام 2001 فالمنظمات المسلحة (من غير الدول) تمتلك في عملياتها وقراراتها عوامل الردع الموجودة والبارزة في دول كبرى أو دول عادية.
وهذا ما تفعله الآن مجموعات داعش وغيرها من المنظمات المسلحة ضد جيوش في دول عديدة.
وهذا الموضوع بدأ يظهر في تحليلات سياسية وعسكرية عديدة كشف بعضها أن واشنطن وجدت مصلحة كبيرة في دعم هذا النوع من (القوة المسلحة- من غير الدول) وتوجيهها ضد أي دولة كبرى أو صغرى ما دامت هذه المنظمات أو القوى المسلحة (غير النظامية) لا تضع في حساباتها عوامل الردع الهائلة التي تمتلكها دول كبرى أو دول عادية.. ويكشف (جيفري كنوبف) في مجلة (وورلد بولتيكس ريفيو) الأميركية أن الإدارات الأميركية وجدت أن عوامل الردع المتبادلة بين جيوشها وجيوش دول أخرى كبيرة أو متوسطة تحول دون وقوع الحروب التي تحقق مصالحها ولذلك بدأت واشنطن بالتركيز على جميع الأطراف الإقليمية أو الإثنية والطائفية التي يمكن أن تتشكل منها منظمات لا تخضع لقواعد (لعبة الردع) بهدف توجيهها إلى خصومها أو أعدائها.. لكن واشنطن رغم هذه الحسابات التي تعمل في مصلحتها لا تزال عاجزة عن تحقيق الأهداف التي تريدها من تسخير مثل هذه (القوى من غير الدول) (non state actor) رغم ما تولده هذه القوى مثل داعش والقاعدة والنصرة وغيرها من دمار وقتل في الدول التي تستهدفها ولذلك أصبح من الواضح أن موسكو وبكين وحلفاءهما الإقليميين في مناطق كثيرة يدركون هذه (اللعبة الأميركية) التي تولد عنها (الأزمة مع أوكرانيا) والأزمة في سورية والعراق وإذا كانت مثل هذه الحرب التي تشنها واشنطن على أغلب خصومها بوساطة (منظمات من غير الدول) يصعب نقلها إلى الساحة الأميركية الداخلية أو المجاورة حتى الآن فإن استمرار التصدي لها بمشاركة دول كبرى مثل الصين وروسيا سيؤدي في النهاية إلى أحد احتمالين: إما إلى انهيار كل أشكال الردع النظامي الأميركي واقتراب العالم إلى حافة حرب عالمية وإما إلى تسليم واشنطن بأن (قواعد لعبة استعانتها بهذه السياسة) ستولد لها خسارة مصالح كثيرة بسبب اتساع رقعة عمليات هذه (المنظمات المسخرّه) وقدرة روسيا وحلفائها على استنزاف مصادر قدراتها.. فلا أحد ينكر أن المصالح الأميركية في دول كثيرة في الشرق الأوسط بدأت تتضرر وخصوصاً في مصر وتونس بل في تركيا والعراق بعد أن تمكنت قوى جديدة داخل هذه الدول من توسيع هامش مبادرتها في التصدي لهذه الأدوات الأميركية. ومن الجانب الآخر بدأت الدول الأوروبية المتحالفة مع واشنطن تدفع ثمن هذه السياسة الأميركية داخل دولها حين بدأت هذه المنظمات (من غير الدول) تشن عملياتها الإرهابية فيها وتتسبب بتحريض الشارع الأوروبي على حكوماته مثلما حدث في فرنسا وبلجيكا والدانمارك وبريطانيا إضافة إلى ذلك يكشف (جيسون ديتس) في الموقع الإلكتروني (أنتي وور) أن إدارة أوباما بدأت تثير رعب المواطنين الأوروبيين في دول البلطيق القريبة من روسيا حين طلبت شق طرق وإقامة سواتر ترابية على حدود هذه الدول بحجة احتمال وقوع حرب عالمية ثالثة بين واشنطن وحلفائها وروسيا والصين وحلفائهما.
ويبدو أن واشنطن لجأت إلى هذه الإجراءات لكسب ثقة الدول الأوروبية وبأنها تسعى إلى حمايتهم لكن الرأي العام الأوروبي لا يجد أي مبرر أو ضرورة تستلزم أن تكون أوروبا ساحة حرب عالمية ثالثة هي الأشد فتكاً ودماراً من أي حرب عالمية سابقة.. وهذا ما جعل قادة الجيش الروسي يؤكدون أنهم لا يكترثون بسياسة الاستفزاز الأميركية وأنهم واثقون من قدرة جيوشهم على ردع واشنطن وحلفائها من مغامرة كهذه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن