الصفحة الأخيرةمن دفتر الوطن

رسائل لم تصل

| حسن م. يوسف 

عندما تلقيت الدعوة لحضور مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي، كتبت على صفحتي في الفيسبوك، العبارة التالية: «صديقي السوري، أنا ذاهب إلى سوتشي، إذا أعرتك صوتي فماذا تقول؟»
والحق أن الوجع كان يغلب على إجابات جميع الأصدقاء من دون استثناء. بعض (الظرفاء)، اتصلوا بي هاتفياً، وأبلغوني على الحد بين المزاح والجد، أنهم يريدون أن يرسلوا معي أشياء غير لائقة لبعض المعارضين، الذين كانوا وما يزالون يقبضون رواتب ضخمة، بالعملة الصعبة من وكلاء الخراب، أمراء المازوت، الذين يأتمرون بأوامر الغرب المتصهين.
كان من الطبيعي تماماً أن تجيء تعليقات الأصدقاء، على لسان حالي، متباينة من حيث العمق والدقة والجمال، وفقاً لتباين ثقافاتهم واختلاف طباعهم ومواقفهم، لكن الأغلبية الساحقة منها، كانت من حيث التوجه، تمتاز بالحس الوطني السليم، وتطالب بسورية واحدة، موحدة، لكل مواطنيها.
فكرت في البداية أن أختار أكثر تلك الرسائل تكثيفاً، لأن فرصة الكلام لن تزيد على ثلاث دقائق. لكنني غضضت النظر عنها كلها وعزمت أن أحمل للمؤتمر رسالتين لا ثالثة لهما، الأولى وجهها، منذ آلاف السنين، الإله السوري بعل لأخته وزوجته وعشيقته، ربة الصيد والحرب عناة يقول فيها، كما لو أنه يخاطب سورية:
«أقيمي في الأرض وئاماً، وابذري في التراب محبة، واسكبي السلام في جوف الأرض وليهطل الحب مخترقاً جوف الحقول».
أما الرسالة الثانية التي أردت إيصالها فهي من أم شهيد شدتني من ياقة سترتي، وقالت لي والدموع تطفر من عينيها: «أريد أن يرجعوا لي ابني!»
كنت أريد أن أبلغ المؤتمرين أنهم، حتى لو اتفقوا على كل شيء، لن يستطيعوا أن يعيدوا لتلك المرأة السورية المقهورة فلذة كبدها الشهيد! لكنهم يستطيعون لو استمعوا لنداء السلام والعقل أن يمنعوا احتراق قلوب المزيد من الأمهات السوريات على أبنائهن.
غير أني، مع الأسف، لم أتمكن من إيصال أي من هاتين الرسالتين للمؤتمرين في سوتشي، لأنني طلبت الكلام خطياً، وتم تجاهل طلبي.
لن أسمح لنفسي أن أحدثكم عما جرى في اجتماع سوتشي المغلق من أشياء بالغة الإثارة، فبعد الافتتاح أخرجت رئاسة المؤتمر الإعلاميين من القاعة، وأخرجت بذلك حقي في نقل ما يجري داخل القاعة إلى خارجها، غير أني لا أجد حرجاً في أن أحدثكم عن مدى شعوري بالخجل في الفندق، والباص، والمطعم، لأن من يفترض بهم أن يمثلوا سورية، ذات تسعة الآلاف عام من الحضارة، لم يتمثلوا في سلوكهم الحد الأدنى من اللباقة والانضباط، بل بلغوا في كثير من الأحيان الحد الأقصى من الفوضى والضجيج والتدافع، حتى إن عملية الصعود إلى الباص الذي سيقلنا إلى مطار سوتشي تحولت إلى معركة بالألسنة والأيدي والأرجل، ما كنت لأصدقها لو لم أرها بأم عيني!
لقد سبق لي أن طالبت مراراً بضرورة تطبيق مبدأ الدور في كل مرافق الحياة بقوة القانون، وها أنذا أطالب بذلك مجدداً، لأن إعادة البناء ستكون بلا معنى ولا جدوى، إن لم تبدأ بإعادة بناء الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن