الأولى

هزيمة فيلتمان

| تيري ميسان

تداولت وسائل الإعلام الغربية بعجالة وقائع مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، والبعض منها تجاهله تماما، على حين قلبت نتائج المؤتمر المشهد الدبلوماسي الدولي رأساً على عقب.
منذ عام 2012، والمفاوضات على اختلاف مشاربها، بدءاً من جنيف، إلى فيينا، وصولا إلى أستانا، لم تثمر عن شيء، لا بل اتضح أن مديرية الشؤون السياسية في الأمم المتحدة، هي أبعد ما تكون عن السعي لإيجاد حل، وتبذل قصارى جهدها لإطالة أمد المفاوضات قدر المستطاع.
في النهاية، حصلت الحكومة السورية في عام 2015 على وثيقة مسربة من هذه المؤسسة الأممية، وهي في الواقع خطة تقع في نحو خمسين صفحة، وضعت التفاصيل للاستسلام الكامل وغير المشروط للجمهورية العربية السورية، وبالخوض في صفحاتها نكتشف تدريجيا أن عملية التنسيق المعقدة بين أطراف العدوان، من منظمات حكومية دولية، إلى دول أو جماعات جهادية، كانت تتم من نيويورك، وبالتحديد من مكتب مدير هذه الإدارة جيفري فيلتمان، السفير الأميركي السابق في بيروت، الذي نظم عملية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري عام 2005، واستمات في تحميل الرئيسين بشار الأسد واللبناني إميل لحود مسؤولية ارتكابها.
وبصبر لا محدود، عرقلت الدبلوماسية الروسية في مجلس الأمن محاولات هؤلاء المسؤولين الدوليين الكبار المحمومة لإراقة المزيد من الدماء، وفي الوقت نفسه، منحت جيشها الوقت الكافي، لقصف التحصينات التي بناها «الجهاديون» في سورية، وللجيش العربي السوري ليتمكن من استعادة الأراضي التي خسرتها الدولة السورية.
لا أحد يعرف في الوقت الحالي من يدعم فعلاً أعمال التخريب التي يقودها جيفري فيلتمان مع موظفيه، الأخضر الإبراهيمي، ومن بعده ستيفان دي ميستورا، فضلاً عن ذلك، ثمة ما يؤكد أن فيلتمان يحظى بدعم من كبار ضباط البنتاغون، إضافة إلى بعض الشركات المتعددة الجنسيات مثل لافارج، وتويوتا.
لهذا قررت موسكو إشراك إيران وتركيا بتنظيم مؤتمر سوتشي، ورداً على ذلك، عقد مؤيدو الحرب في 23 كانون الثاني الماضي في باريس مؤتمراً «ضد إفلات المجرمين الذين يستخدمون الأسلحة الكيميائية، من العقاب»، شاركت فيه أربع وعشرون دولة، من بينها تركيا، التي يروق لها اللعب دوما على الحبلين، وكان الهدف هو تنسيق تقارير بعثة الأمم المتحدة المخصصة، التي يسيطر عليها فيلتمان، لاتهام الرئيس الأسد بجرائم خيالية جديدة، بغية منعه من الترشح في استفتاء الشعب السوري، في نهاية الحرب.
بالطبع لم يهتم أحد بأسباب رفض هذه البعثة الذهاب إلى سورية للتحقق ميدانياً من القيل والقال الواردة في تلك التقارير التي جمعتها، والتي رفضها مجلس الأمن جملة وتفصيلاً.
في نهاية المطاف، دفعت ضخامة المؤتمر المبعوث الدولي دي ميستورا للذهاب إلى سوتشي، لأن كل سورية كانت ممثلة فيه، باستثناء اللجنة العليا للمفاوضات، الموالية للسعوديين، وحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يمثل الأكراد الانفصاليين.
اعتمد المؤتمر إعلاناً مكوناً من 12 نقطة، وهو في الواقع يعبر عن خطة الرئيس الأسد المقدمة في 12 كانون الأول 2012، والتي اعتمدها مجلس الأمن بنفسه من خلال القرار 2254، ووجد دي ميستورا نفسه محاصراً، بل مجبراً على الترحيب بالنتائج التي تمخض عنها المؤتمر، والتي دأب على رفضها طوال سنوات خلت، لكن لعل الأسوأ بالنسبة لجيفري فيلتمان، هو أن يجد نفسه مجبراً على الاعتراف باختصاص اللجنة التأسيسية التي أنشأها مؤتمر سوتشي.
بعد وقت قصير من تعيين فيلتمان لدى الأمم المتحدة في 1 تموز 2012، عقدت فرنسا مؤتمر أصدقاء سورية في باريس بمشاركة 130 دولة، ومنظمة حكومية دولية، وقد أطلقوا معا عمليتي «بركان دمشق وزلزال سورية»، ولم يبق منهم في الوقت الحالي سوى بضع دول فقدت آخر مصداقية لها في مؤتمر سوتشي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن