من دفتر الوطن

كرسي الاعتراف!

| عصام داري 

هل جرب أحدكم محاسبة نفسه، ولو مرة في الشهر، بالسنة، بالعمر؟ هل مارستم يوماً معاقبة أنفسكم على أخطاء وخطايا ارتكبتموها وسببت الأذى للآخرين، بل أثرت في حياتكم وغيرت مسار مشواركم في هذه الدنيا؟
أنا – على سبيل المثال – وضعت نفسي على كرسي الاعتراف وبدأت بمحاكمة عادلة وصارمة وكشفت كل الأخطاء الصغيرة التي ارتكبتها في حياتي، أما الأخطاء الكبيرة فتجاهلتها وتركتها لله تعالى، وهو غفور رحيم!.
الأمر لا يتعلق بي بشكل شخصي، بل بالأغلبية الساحقة من الناس، فعندما أتحدث عن بعض الأخطاء، فإنني أنبه الآخرين إليها كي لا يقعوا فيما فعلت، ويصبحوا على ما فعلوا نادمين.
لعل الخطأ الكبير الذي تكرر في حياتي أكثر من غيره هو تأجيل عمل أو اتخاذ قرار ما، فأقول سأفعل ذلك غداً، أو بعد غد، ومازال في العمر بقية، و«العمر بيخلص والشغل ما بيخلص!» وهكذا.
لكنني وجدت مع مرور الأيام أنني فرطت بكثير من الأشياء المهمة، وخسرت أشياء أخرى كانت في المتناول، وتأكدت من أهمية وصدقية المقولة التي تقول: «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد».
لو لم أتقاعس لكانت الأمور أفضل مما سارت عليه، لكن ذلك لا يدعوني إلى الندم، فما حصل حصل، لكن بالإمكان لمن يقرأ هذه الحروف أن يتجنب تلك الأخطاء التي اقترفها الآخرون، وبالتالي أن يحسن من أوضاعه في المجالات المختلفة، وأن تكون قناعاته بما يقوم به أفضل.
أسوأ ما يواجهنا في الحياة وجود أكثر من درب ومفرق حاسم، في الدراسة والعمل والأصدقاء والحب والزواج، في الحب الخيار ليس بأيدينا مئة بالمئة في معظم الأحيان، لذا نتمنى أن تكون الخيارات إجبارية، وكنت أكره وجود سؤال اختياري في الامتحانات المدرسية، فالمفاضلة هنا تحيرني، وأحياناً تجعلني أنتقل إلى الأسئلة الإجبارية، وعندما أعود إلى السؤال الاختياري يكون الوقت قد انتهى، وذهبت علامة السؤال أدراج الرياح!.
ترى هل تميل النفس الإنسانية إلى قبول القرارات الإجبارية والخيارات الإجبارية والدروب ذات الاتجاه الواحد لأنها تريح وتخلص الإنسان من التفكير المتعب في ما يجب القيام به؟
هذه مشكلة لا علاقة لها باعترافاتي التي كنت بدأت مقالتي بها، ويبدو أنني خرجت قليلاً عن الموضوع، لكن ذلك ليس سهواً، بل تقصدت الهروب كي لا يجرني كرسي الاعتراف إلى الدخول في مواضيع قد تشعل حرائق صغيرة!
لكنني أعترف أن من أخطائي أنني لم أغش في حياتي، والزمن يعطي الغشاش مكانة ليست له، ولم أسرق في زمن اللصوصية وفي وضح النهار، وأنني لا أكذب حتى في الأول من نيسان، في عصر الكذب والرياء والمحاباة، و«الكذب ملح الرجال» وبهارات النساء!.
أعترف بأني كنت طيب القلب زيادة على اللزوم، ما عرضني لمواقف «بايخة» وجعل بعض الأشخاص يظنون الطيبة نوعاً حضارياً من أنواع الغباء، فاستغبوني وقبلت بلعبة الاستغباء!.
هناك الكثير من الأخطاء والخطايا التي لن أقع فيها لو عادت عجلة الزمن إلى الوراء، لكنها لن تعود قطعاً، إنما قد تعود من خلال غيري إذا استفاد من تلك الأخطاء ولم يقع فيها، لكن الخشية أن من سيفيد من تجربتي سيتحول إلى إنسان قاسي القلب، صلف، انتهازي، لص ومرتشٍ، لكنه ناجح جداً!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن