ثقافة وفن

تعايش الطفولة المبكرة مع الأبوين

| منير كيال

حفظت لنا الذاكرة الشعبية جملة من العادات والتقاليد التي صاحبت مرحلة الطفولة المبكرة وكان منها القيام بعمل السليقة لدى بداية ظهور أسنان الطفل، وهذه السليقة كما هو معروف تتكون من القمح المسلوق المجلل بمبشور جوز الهند وحب الرمان، والجوز المفروم والزبيب، ويهدى من هذه السليقة الأهل والجيران والمعارف ثم يعود كل من هذه الأطباق مع هدية للطفل بهذه المناسبة.
كما تدعو أسرة الطفل الأهلية إلى وليمة قوامها المعاليق المشوية أو المطهوة مع الكزبرة والثوم، وتكون هذه العزومة لدى بداية مشي الطفل بعد مرحلة الحبو أو الزحف.
ولا تكاد فرحة الأبوين توصف لدى بدء الطفل بالنطق، وفي حال تأخر نطق الطفل، فإنهم كانوا يسقونه، من عرق الطنجرة، وهو البخار الذي ينعقد على غطاء آنية الطبخ المعروفة باسم الطنجرة، وذلك من أجل أن تنفك عقدة لسانه ويشرع بالنطق.
وكانوا إذا تأخر مشي الطفل، يعمدون إلى ربط إبهامي قدمي الطفل بخيط أو نحوه، ويأخذونه إلى أقرب مسجد بالحي أو الحارة، وقت صلاة الظهر في يوم الجمعة، ومعهم مقص، فإذا خرج أول المصلين، فإنهم يناولونه ذلك المقص لقص الخيط الذي يربط بين إبهامي قدمي الطفل، اعتقاداً منهم أن ذلك يعجل بمشي ذلك الطفل.
ولعل من الطريف أن نذكر أنه إذا صعب شفاء الطفل من المرض، قيامهن بأخذ ثقل وزن المصحف ماء فيصب ذلك الماء على رأس الطفل، وقت التذكير لصلاة يوم الجمعة لمدة ثلاثة أيام جمعة متتالية وإذا كان الوقت شتاء، فإنهن يفترن ذلك الماء قليلاً.
وعندما يأخذ الطفل بوعي ما حوله، يعمد الأبوان إلى غرس بعض المعارف التي توسع مدارك الطفل، كأن تحكي له الأم أو الجدة حكاية العصفور الذي عمد إلى الوضوء، وحكاية هدّى الحمام، وحكاية أو لعبة: وِز، فإذا انتهت الأم أو الجدة من الحكاية فإنها تعمد إلى كركرة الطفل من كفه إلى كتفه وهي تقول: كركر… كركر.
وقد تعمد الأم أو الأب إلى تلقين الطفل معرفة ما يحيط به بأسلوب المغالطة، ما ينمي عند الطفل سرعة البديهة والتمييز، ومن ذلك لعبة: هدّى الحمام مع هدّى الحمام، وطار الحمام مع طار الحمام، فيضع الأب أو الأم كفيهما على الأرض مع مقولة هدى الحمام أو مقولة طار الحمام فيسارع الطفل إلى القول الحمام ما بيطير.. وقد يشارك باللعبة التي يلاعب بها الأب الطفل عدد من الأطفال كما الحال بلعبة وِز.
ومع الألعاب التي تلاعب بها الأم الطفل، لعبة خنصر خناصر التي ترمي إلى تعليم الطفل التمييز بين أصابع الكف، فتمسك الأم. بكف الطفل وتسرع بثني أصابع هذه إصبعاً إثر إصبع فتقول:
خنصر خناصر (عن الخنصر)
عمي أبو ناصر (للبنصر)
عيشة الطويلة (للإصبع الوسطى)
لحّاسة اللبن (للسبابة)
قتال القمل (للإبهام)
فضلاً عن ذلك فقد حفظت لنا الذاكرة الشعبية الكثير الكثير من تلك الممارسات التي كان الغرض منها توسيع مدارك الطفل مع ما يحيط به، ومن ذلك لعبة أو مقطوعة: وز ومقطوعة طيمشة ومنيمشة وغير ذلك كثير ولا مجال للخوض فيه والبحث.
وبالطبع، فإن مرحلة ملاعبة الأب للطفل تأتي بعد مرحلة مداعبة الأم لطفلها، لأنها تبدأ من مرحلة المكاغاة إلى مرحلة التدريب على النطق ثم مرحلة تعريف الطفل على الأشياء مما حوله، وتكون الأم بهذه المرحلة إما حانية على الطفل، وإما حاضنة له وقد ضمته إلى صدرها، وقد تكون تلك المداعبة النطقية للطفل وهو على فخذي الأم وقد مددتهما والطفل مسجى عليهما، فتهز الأم الطفل وهي تغني له، كما يكون تعليم الأم لطفلها وقد أجلسته أمامها تعلمه مبادئ المعرفة فإذا أخذ يعي ما حوله يكون اكتسابه المعرفة باللعب مع إخوته أو مع أطفال آخرين، ومن هذه الألعاب لعبة الشوحة الخطافة ولعبة خاتم وزير، ولعبة الطميمة أيضاً، وغير ذلك من الألعاب التي تجعل الطفل قابلاً للتعايش مع أنداده، أكان ذلك بالزقاق أم في دار الخوجة أو بالكتاب.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن