ثقافة وفن

داعش النشأة والبنية والأهداف … المستفيدون من داعش هم رعاته… أميركا وإسرائيل والتمويل خليجي

| سوسن صيداوي

حتى القرن الثاني عشر الهجري، تمتع محمد بن عبد الوهاب بدعم أجداد آل سعود، واستطاع أن يطرح آراءه في السعودية، وهو الشخص الذي كان قد اتهم من جانب أبيه وأخيه باتباع أفكار منحرفة، ومع تسلمه السلطة اتسعت الأفكار الوهابية بدعم من الاستعمار البريطاني، ونشأت فجائع عظيمة لا تزال مستمرة حتى اليوم. هذا الأسلوب الفكري وصل من السعودية إلى الهند التي كانت في ذلك الوقت تحت الاحتلال البريطاني، فتشكل تيار وهابي تكفيري بين مسلمي هذا البلد، وظهر ونما هذا التيار في العديد من المجتمعات بأشكال مختلفة، وبهذا الشكل تحولت السلفية إلى الوهابية وتحولت الوهابية إلى التطرف، الأخير الذي هو ظاهرة معقدة، إذ تتخذ في طياتها أبعاداً خطرة إذا ما رافقتها اعتقادات طائفية، وأحد المكونات العقلية لهذه الظاهرة سوء استخدام الدين والروايات كوسائل غير موثوقة، والتطرف في هذه الحالة لا يمثل دينا لا يمتلك أي بعد عقلي فحسب، إنما للأسف أصبح يمتلك أبعاداً سياسية واجتماعية وثقافية وتربوية ومؤسساتية وتاريخية ودولية أيضا.

وفي الواقع بدأت الأجهزة الأمنية، تسعى بشكل متواصل إلى السيطرة على الصحوة الإسلامية وحرفها عن مسارها، ومن ثم لجؤوا إلى خلق جماعة متحجرة ومخيفة من خلال استخدام التيارات الفكرية المنحرفة وخاصة تيار القاعدة المرتبط ارتباطا عميقا نظريا وعقائدياً بالوهابية، و(داعش) هو إحدى الجماعات السلفية التكفيرية، التي أعلنت عن وجودها في ساحتي الحرب السورية والعراقية. هذا بعض مما جاء في المقدمة وبقلم د. علي أكبر ولايتي، من كتاب (داعش… النشأة والبنية والأهداف) الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية، ضمن «المشروع الوطني للترجمة»، الكتاب يقع في 324 صفحة من القطع الكبير، وهو من تأليف: د.سيد رضا صدر الحسيني، ترجمة: أيهم علي حسون، ومحمد عبد اللطيف علي، ومراجعة: د.نزار بني المرجة، د.حسام شعيب. وهو من الكتب القليلة، التي درست داعش ويكشف نشأتها وبنيتها وأهدافها بطريقة منهجية، ويقدم الدليل- بأناة الباحث- على ارتباط المنظمات الإرهابية بالخطط الإمبريالية الصهيونية لبلقنة كل من سورية والعراق، وفي السياق نفسه، على التناغم الأميركي معها واستثمارها في تنفيذ خطط الإدارة الأميركية في العالمين العربي والإسلامي. وللحديث أكثر عن الكتاب سنسلّط الضوء على بعض من نقاطه.
ظهور(داعش)

تحاول أميركا بتنسيق كامل مع الصهيونية والغرب كسر وتحطيم انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، وذلك ضمن قائمة أدوات جديدة في مقدمتها سلاح الإرهاب، وكانت أعلنت وزيرة خارجية أميركا السابقة هيلاري كلينتون في كتابها (الخيارات الصعبة) قائلة: كنت قد سافرت إلى12بلدا في العالم، واتفقت مع كثير من أصدقائي أنه في اللحظة التي يُعلن فيها عن تأسيس (داعش) سنعلن موافقتنا- نحن والأوروبيون- بشكل رسمي. وكان قد حصل الاتفاق على أن يُعلن عن الموافقة في (5تموز2013).

دعم أميركا لـ(داعش)
بات واضحاً منذ زمن طويل أن (داعش) و(جبهة النصرة) مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بـ(القاعدة)، ولكن هما أيضاً يحظيان بدعم أميركي. وبحسب ما جاء في الكتاب أن الهدف النهائي لأميركا هو حرمان جيران (إسرائيل) أي لبنان وفلسطين من دعم سورية وإيران لهما. وبناء على هذا، فتنظيم (داعش) الإرهابي ليس أداة أميركية لمحاربة الحكومة السورية فحسب، إنما هو وسيلة للضغط على إيران أيضاً. وبشكل عام فإن أميركا تستثمر (داعش) لأهداف ثلاثة:
1. الهجوم على أعدائها في منطقتي غربي آسيا وشمالي إفريقيا.
2. ذريعة لمتابعة تدخلاتها العسكرية في المنطقة.
3. زيادة برامجها التجسسية في البلاد، بحجة جدية محاربة الإرهاب وحفظ الأمن القومي.

خطوط أميركا الحمراء
يعتقد بعض المحللين الغربيين أن الهجمات الأميركية على (داعش) في العراق كانت محدودة ومركزية وجاءت لتنبيه التنظيم للخطّين الأحمرين لأميركا، الأول هو القاعدة العسكرية الأميركية في شمال غرب أربيل، وهم قلقون من أن يتحرك (دعش) وينقل تحركاته إلى شمالي العراق، فيتعرض أمن القاعدة العسكرية الأميركية للخطر. أما الخط الأحمر الثاني فهو مسيحيو العراق، واحتلال (داعش) مدينة مسيحية، حيث جرى قتل كثيرين من المسيحيين، إذ يريد الأميركيون أن ينبهوا (داعش) إلى أن إجراءاتهم هذه ستواجه الاصطدام مع الغرب.

التهديد الرئيس للكيان الصهيوني
يشير الكتاب إلى أن الكيان الصهيوني يرى أن مكافحة داعش أو أي ظاهرة أخرى، قد تؤدي إلى انشغال العالم عن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة إليها وهذا قد يوفر الظروف للتوصل إلى تسوية بشأن هذه المسألة، هذه المسألة تحوز أهمية كبيرة لدى الكيان الصهيوني، فمن الممكن أن يؤدي التعاون بين إيران وأميركا في مجال مكافحة (داعش) إلى إيجاد أرضية مشتركة لزيادة أوجه التعاون ومن ثم التوصل إلى اتفاق في شأن مفاوضاتهما، ومثل هذا التعاون خطر ويجب على الكيان الصهيوني منعه.

وجهة النظر الروسية الخاصة بسورية
تحت هذا العنوان يتحدث الكتاب أن موسكو تعلم أن الغرب يسعى للاستفادة من الإرهاب للقضاء على مصالح روسيا في المنطقة، أو حتى إدخال روسيا في مشكلات أمنية، لذلك هي تسعى إلى مواجهة هذا المخطط من خلال الدخول في صراع مباشر مع الإرهاب في سورية. لقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل رسمي دعم روسيا الكامل لسورية، في أثناء المؤتمر الأمني العام في طاجكستان، ودعا الدول لاتباع سياسة إيجابية مع سورية. كما بين الرئيس الروسي أن بلاده تدعم حرب سورية على الإرهاب، ولولا التدخل الروسي في سورية لتحول الوضع فيها إلى وضع مشابه للوضع في ليبيا.

داعش والدول العربية
أشار الكتاب إلى الدول العربية التي ينشط فيها (داعش) وهي ليبيا والعراق وسورية، معددا الدول العربية التي فيها عناصر لـ(داعش) وهي: لبنان والجزائر وفلسطين، مضيفاً إن الدول التي يهدف التنظيم للحضور فيها هي تونس والكويت. متوقفا في استعراض السلوك القطري وبالتحديد السلوك السلبي الذي اتبعه أمير قطر السابق حمد بن خليفة بدعمه للمجموعات الإرهابية التي تتستر بالدين الإسلامي وهي ضد الإسلام عمليا، الأمر الذي أدى إلى زيادة نسبة الإخلال بالأمن في منطقة غربي آسيا، وبأن هذه الإجراءات والأعمال كانت سلبية أكثر من أعمال السعودية نظرا لأن السعودية اتجهت نحو هذا السلوك مؤخرا، على حين اتبع الأمير حمد هذا السلوك منذ أواخر القرن العشرين.

(داعش) يرعى مصالح السعودية
نشرت الصحيفة الأميركية «ديلي بيست» مقالا يشير إلى دور الدول العربية الحليفة لأميركا في تشكيل تنظيم (داعش) الإرهابي: إن حلفاء أميركا في المنطقة يستثمرون من خلال (داعش). وبناء على التقرير فإن دول حلفاء أميركا الثلاث الكويت والسعودية وقطر، ترسل الأموال إلى داعش- الذي بناه- في عشر سنوات حلفاء أميركا في الخليج العربي من أجل تهديد العراق، كما أضاف المصدر: إن عمليات قوات داعش ضد الحكومة الشرعية السورية تدخل ضمن عمليات غسيل الأموال وتشير التقارير إلى حصول داعش على 430مليون دولار نقدا في هجومه على مصرف محافظة الموصل المركزي، كما يبيع داعش نفط المناطق الشمالية في سورية. ونقلت «ديلي بيست» تصريح (أندرو تايلر) رئيس معهد للاستشارات… واشنطن: «الجميع يعلم أن داعش يتلقى أموالا بشكل مباشر من الكويت».
هل (التحالف الدولي) ضد (داعش) لمصلحة سورية؟
الجواب الأول، يعتقد بتكرار الحرب بوساطة أميركا من أجل تثبيت وجودها ونفوذها في منطقة غربي آسيا، وأن هذا السيناريو مكرر، ويقوم على إيجاد المجموعات الإرهابية ودعمها في البداية، ومن ثم القضاء عليها بضربات عسكرية.
الجواب الثاني يقوم على نظرة متفائلة بالرغبة الحقيقية والصادقة لدى أميركا في محاربة الإرهاب، أو على الأقل حماية مصالح حلفائها في المنطقة. هذه النظرة التي تحاول بعض وسائل الإعلام ترويجها بهدف تجميل الصورة الأميركية، كما تحاول أن تضعف محور المقاومة ضد الهيمنة والصهيونية العالمية. هذا ويوجد رأي آخر يعتقد أن التيارات والتوجهات المتطرفة والتكفيرية والنزاعات الطائفية المتأصلة في المنطقة، مهدت لتدخل القوى العظمى لتحقيق أهدافها في المنطقة.
بالنتيجة فإن التحالف ضد داعش يتذرع باستهداف هذا التنظيم ويسعى إلى تنفيذ أهداف وسياسات ضد الجبهة السورية كما أن لدى التحالف ورقة رابحة وهي أن حليفي سورية الدوليين روسيا والصين لم يستخدما حق الفيتو ضد داعش لهذا لا يوجد مانع قانوني لتصرفات أميركا في سورية!.
مع هذا فإن سورية وحلفاءها استطاعوا التنبؤ بالنيات الأميركية وهم في حالة تأهب لأي عمل أميركي. كما أن القضاء على تنظيم داعش أو إضعافه هو في مصلحة سورية قطعا لكن خطط أميركا المقبلة مثل دعم ما تسميه المعارضة السورية إنشاء منطقة حظر طيران هي بالتأكيد ليست في مصلحة سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن