ثقافة وفن

الكلمة الموقف

د. اسكندر لوقــا : 

ثمة رجال في الحياة تحترم رأيهم حتى إذا كان مخالفا لرأيك، فماذا عن رجال تتفق معهم في الرأي؟ أتأمل بهذه المعادلة وأنا أعود إلى أرشيفي لأقرأ فقرات وردت في خطاب القائد الفرنسي الفذ في أربعينيات القرن الماضي الجنرال شارل دوغول ألقاه في مدرج الجامعة السورية [دمشق حالياً] حول سياسة فرنسا في الشرق.
في خطابه المذكور، أظهر الجنرال دوغول أنه يمتلك الجرأة الأدبية القصوى، إن صح التعبير، ليقول عن ساسة بلاده كلاما يدينهم لأنهم لم يكونوا قادرين على الوفاء بالتزاماتهم تجاه البلاد العربية وخصوصاً تجاه سورية، تلك التي أعلنوها في سياق وعود واتفاقيات يعود تاريخها إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية.
يقول الجنرال دوغول في خطابه على مدرج الجامعة بتاريخ 30 تموز عام 1941 وبحضور جمع من رجالات الدولة السورية: يجب وضع حد للانتداب في البلاد العربية. ويجب أن تعمل فرنسا الحرّة على تحقيق الاستقلال الناجز والسيادة الكاملة لسورية.
وكما هو معروف، كانت قوات فرنسا الحرّة قد دخلت الأراضي السورية مع القوات الحليفة البريطانية، بعد تطهيرها من القوات الفيشيّة في الثالث عشر من الشهر عينه.
إن كلاما كهذا إن دل على شيء، فهو يدل على أن قائله ليس إنسانا يعيش على هامش الأحداث التي تدور حوله، كما هو حال العديد من الرؤساء الفرنسيين الذين تعاقبوا على السلطة في فرنسا بعد الجنرال دوغول، والذين كانت تعميهم مصالحهم الخاصة عن رؤية الحدث وتفهم تداعياته. ومن هؤلاء، على سبيل التذكير، شيراك وساركوزي وأخيراً هولاند، الرئيس الحالي لفرنسا، الطامع وراء تحقيق الكسب المادي للحيلولة دون وقوع فرنسا في مربّع العجز المالي وذلك باستجداء فرص عقد الاتفاقات لتوريد الأسلحة إلى البعض من الدول العربية.
وبطبيعة الحال، لا يمكن للتاريخ، آجلا أم عاجلا، أن يتخطى تقييم الرجال بين من كانوا يملكون الجرأة لعرض وجهات نظرهم أمام الملأ، وبين من كانوا غير قادرين على مثل هذا الفعل، بطرح غطاء التمويه على مقاصدهم في السعي وراء الكسب المادي على حساب الكسب الأخلاقي في التعامل مع الحدث وتداعياته.
من هنا يبقى أحدنا ينظر إلى الرجل من خلال ما يعتقد ويعلن، لا من خلال مجرد كلام يطلقه ويسعى إلى خداع الآخرين به. شارل دوغول يبقى زعيماً فرنسياً له اعتباره في الوطن العربي وفي سورية خصوصاً، على حين آخرون جاؤوا من بعده لم يكونوا قادرين على ترسيخ بصمتهم في تاريخ المنطقة على نحو ما فعل دوغول بكلامه الجريء، الموقف. ترى هل لأنهم كانوا يفتقدون مكون الرجولة في ذواتهم؟ سؤال يوضحه قول الحكيم تيموثاوس (12 – 80): إن الرجل الجدير برجولته إذا لاح له الكسب فكر أولا في الشرف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن