قضايا وآراء

«إسرائيل».. تعقيدات الأزمة السورية

| مازن بلال

استهدفت أعمال العنف والإرهاب منذ بداية الأزمة السورية قواعد الدفاع الجوي السورية، وإذا كان لهذا الأمر دلالاته الخاصة فإن ما نشهده اليوم لعودة الدفاعات الجوية موضوع يحتاج للتوقف، وقراءة السيناريو الذي نشهده منذ مدة ليست بعيدة حول مسألة التصدي لصواريخ وطائرات «إسرائيلية»، فبغض النظر عن الأهمية العسكرية لما يحدث إلا أنه يحمل بوادر مرحلة خاصة من التشابك الإقليمي والدولي، فـ«إسرائيل» هي التي تواجه حالة غير مسبوقة منذ عام 1973، حيث أصبحت الجولان خارج الاتفاق بفصل القوات الموقع عام 1974 ونجم عنه هدوء كامل طوال أربعة عقود.
عمليا فإن إسقاط طائرة إسرائيلية، وقبل ذلك بأشهر إطلاق صواريخ على طائرة إسرائيلية فوق لبنان، يشكل مقدمة على أن الحل السياسي في سورية لا يخضع فقط للشروط الدولية والإقليمية القائمة الآن، وأن الدولة السورية في مجابهتها مع «إسرائيل» تملك قواعد إضافية داخل الحل السياسي، وفي المقابل فإن السياسية «الإسرائيلية» لديها أيضاً مجابهة تريد خوضها أو على الأقل طرحها داخل حزمة الحل، وهناك اعتباران أساسيان في هذا الموضوع:
– الأول أن سورية هي جبهة تصادم أميركي روسي بكل ما يعنيه هذا التصادم من وجود قوات وقواعد وعمليات جوية، وهو أمر غير مسبوق بالنسبة لـ«إسرائيل» تحديداً.
إن أحد الأمثلة المعاصرة هو ما جرى عام 1973 عندما تحرك الأسطول السادس باتجاه شرقي المتوسط نتيجة حرب تشرين، وأدى هذا الأمر إلى تسارع الجهود الدبلوماسية لتطويق الحرب وتحولت إلى معارك ثابتة على الأخص على جبهة الجولان، فالقوى الكبرى الموجودة اليوم هي في مجابهة سياسية بالدرجة الأولى، واختبارات عسكرية عبر معارك متفرقة تشكل بديلاً من المواجهات الكبرى، وهذا الوضع ليس مريحا لـ«إسرائيل» لأنه يحد من مرونة قواتها، وهو ما يمنعها من القيام بمغامرة مشابهة لما حدث عام 2006 في لبنان، ومع هذا الوضع فإن حدود حركتها السياسية تقلصت أيضاً لأنها ذراعها العسكرية كانت دوماً أداتها الأساسية لتحقيق الأهداف السياسية.
– الثاني أن «إسرائيل» تواجه تحالفاً مختلفاً عن السابق، فرغم أن ما يُطلق عليه إعلاميا «محور المقاومة»، يتحول سريعا لمحور سياسي إستراتيجي يوسع الجبهة العسكرية والسياسية في مواجهة «إسرائيل».
ضمن الميزان السياسي فإن دائرة التحالف السوري هي أكثر صلابة من المساحة التي تسعى إليها «إسرائيل»، فالتقارير تتحدث عن مشروع علاقات مع الخليج العربي لن يقدم لها حالة أمن حقيقية نتيجة هشاشة هذه الدول، ومن ناحية أخرى التصدع الشرق أوسطي الذي لا يتيح إيجاد جبهة سياسية قوية.
السيناريو الذي شهدناه منذ شهر تقريباً وصولا لإسقاط طائرة «إسرائيلية»؛ يشكل اليوم جملة احتمالات على المستوى السياسي وليس فقط على الصعيد العسكري، لأنه يقدم الأزمة السورية على خلفية مختلفة تماماً، فهي بدلا من أن تكون توازن قوى إقليمية تعود من جديد إلى شكل كلاسيكي مرتبط بـ«إسرائيل» تحديدا، وإذا كان مستبعداً أن يؤثر في مسار الحل السياسي بشكل مباشر، لكنه سيأخذ الحل باتجاه عمق مختلف مرتبط بالتعقيدات القائمة وتأثرها على «موقع إسرائيل»، وربما الأهم هو التعامل من القوى السياسية السورية لبناء رؤية بناء على ما يحدث وتطوراته القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن