شؤون محلية

أفكار ورؤى حول إعادة بناء مؤسسات الدولة

| نبيل الملاح

إن المرحلة التاريخية التي مرت بها سورية خلال العقود الماضية شهدت أحداثاً كبيرة ومهمة أثرت تأثيراً مباشراً في بنية الدولة والمجتمع، وأدت إلى نهوض وهبوط في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ لكن بقي العنوان الأهم لكل هذه المراحل «عروبة سورية» وانتماءها إلى محيطها العربي الذي جعل منها «قلب العروبة النابض».
ورغم الجهود المبذولة لبناء مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، لم تثمر هذه الجهود في الوصول إلى ما تصبو إليه جماهير الشعب الذي يتمتع بكل مقومات النهوض والبناء، حيث مرت هذه المؤسسات كلها أو بعضها بتماوج في أدائها وتداخل في وظيفتها.
لذلك سأحصر موضوعي بإعادة بناء مؤسسات الدولة بناءً عنصرياً سليماً؛ برؤية إستراتيجية قد تكون صالحة لكل البلدان العربية؛ بعيداً عن التنظير، وذلك ضمن إطار الدولة المدنية الديمقراطية التعددية.
أبدأ بعرض بعض المبادئ والمفاهيم التي لا بد من التذكير بها مسبقاً:
1- إن النظام الديمقراطي يرتبط بوجود مؤسسات قوية تتمثل في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، فضلاً عن الصحافة والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني.
2- الشرط الأساسي للتقدم سيادة القانون واستقلال القضاء عن السلطة السياسية وتطبيق حكم العدالة على الجميع والابتعاد عن الانتقائية.
3- ترسيخ أسس التفكير العقلاني والعلمي.
4- الهدف الرئيس للعدالة الاجتماعية تضييق الفجوة الاقتصادية بين أفراد المجتمع.
5- الدولة ظاهرة سياسية اجتماعية شكلت محتوى متميزاً للنشاط الإنساني والانتقال من الوحشية والبربرية إلى المدنية والحضارة.
6- ضبط العلاقة بين الدين والدولة باعتبارهما الثنائي التاريخي لتجليات الروح والجسد، الشريعة والقانون، الأسطورة والعلم، الله والإنسان، النقل والعقل.
7- الاشتراكية ليست في حال احتضار بل في حالة تحول ضمن إطار تحول المشهد الأيديولوجي برمته.
8- العروبة مواطنة.
9- الحق فوق القوّة، والشعب فوق الحكومة.
10- إن هدف التنوير الأسمى هو منح العقل البشري جميع الحمايات والأسباب التي تمكنه من أن يواصل مسيرته.
في السلطة التشريعية
إن الحياة البرلمانية في سورية بدأت منذ عام 1919، وأعطت جميع الدساتير البرلمان (مجلس الشعب) سلطتين أساسيتين هما: إقرار القوانين والرقابة على أعمال الحكومة وحجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء؛ إلا أن أداء البرلمان في إطار ممارسته لهاتين السلطتين لم يكن على ما يرام وتراجع من دور لآخر رغم عدم وجود أي مسوّغ لذلك.
وهذا ما دعاني إلى كتابة مقال في صحيفة الثورة بعدد يوم 26 تموز 2007 بعنوان «مجلس الشعب ودوره الرقابي» قلت فيه: إنه يقع على عاتق مجلس الشعب مجتمعاً وعلى عاتق كل عضو من أعضائه مسؤولية وطنية كبيرة يحاسبهم عليها الشعب الذي انتخبهم ويحاسبهم عليها أيضاً التاريخ الذي لا يرحم من قصر بحق وطنه، وإن مسؤولية مجلس الشعب وأعضائه يجب أن تكون بمستوى السلطات والصلاحيات التي منحها لهم الدستور، وأن يكونوا محل ثقة من انتخبهم وتفهم أوضاعهم ومعاناتهم والسعي لمعالجتها وتغليب العام على الخاص، وأن العمل الجاد والمسؤول هو الذي يجب أن نمارسه بعيداً عن الشعارات والجدل وأن علينا الحديث عن السلبيات قبل الإيجابيات، وتمنيت أن يساهم مجلس الشعب في مكافحة الفساد من خلال سلطاته وصلاحياته التي خوله بها الدستور، وبينت أن المشكلة ليست في القوانين والتشريعات وإنما في التنفيذ والتطبيق بل في منفذيها، وأن الاستقرار التشريعي أمر مهم جداً.
ونحن ننظر إلى سورية المستقبل، نطمح أن يتم في المرحلة المقبلة –مرحلة ما بعد الأزمة- انتخاب برلمان يضم الكفاءات والشخصيات الوطنية المرموقة للنهوض بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه كسلطة تشريعية ورقابية.
وفي هذا السياق أرى أنه من المفيد إلحاق أجهزة الرقابة والتفتيش بالبرلمان بدلاً من تبعيتها للسلطة التنفيذية، الحكومة، وإعادة النظر بمهامها وأسلوب عملها من خلال مراجعة قوانين إحداثها لتكون أكثر فاعلية وتؤدي وظيفتها في حفظ المال العام ومنع وقوع خلل وتجاوزات للقانون.
وللأسف فإن أداء هذه الأجهزة قد تراجع لدرجة أن الفساد اخترقها ووصل إلى داخلها، وأدى ذلك إلى طمس قضايا فساد كبيرة أضرت باقتصاد سورية بل أضرت بسورية وأمنها.
وإنني أجد من المفيد إيجاد صيغة محددة لتقديم نتائج عمل أجهزة الرقابة والتفتيش إلى الرأي العام عبر وسائل الإعلام منعاً لأي محاولة بقصد تجاوز أو إخفاء حالة من حالات الفساد.
وفي كتابي الذي أصدرته بعام 2004 بعنوان «تجربتي في الحزب والوزارة» تمنيت على وزارة المالية أن تتقدم ببيان يتضمن المبالغ التي استردت فعلاً من مختلسيها وسارقيها وأعيدت إلى خزينة الدولة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن