ثقافة وفن

لا يوجد موسيقي يقدم الموسيقا من دون أن يستمع لموسيقا الآخرين…حسام الدين بريمو لـ«الوطن»: تعلمنا الآرامية قبل الوقوف على المسرح وجرأتنا لا تصل حدّ الطيش

 عامر فؤاد عامر : 

فنان سوري ارتبط باسمه الكثير من الألقاب، والصفات، من مدرس، ومؤسس، وعازف، وقائد أوركسترا، ومدير لفرق فنيّة، وغيرها من الصفات، والألقاب، لكن بصمته الواضحة أكثر هي في مشروعه الفني، وفرقة لونا للغناء الجماعي، التي جاء منها 7 فرق وليدة حتى اليوم، ويحمل في خطواته الفنيّة رسالة قلّما يسعى إليها موسيقيو اليوم، وفي تفاصيل حياته الفنيّة الكثير من المشاركات داخل سورية وخارجها، وفي أهم المهرجانات الموسيقيّة، ولديه رصيد كبير من شهادات التقدير، لا يسعنا ذكرها هنا، وفي جعبته أيضاً المزيد من المشاريع الموسيقيّة الفكريّة التربويّة، ويعمل اليوم على تدوين المقامات الموسيقيّة السوريّة، وكيف تطوّرت استناداً لبحثه في الآراميّة، ولنتعرف أكثر على شخصيّة الفنان «حسام الدين بريمو» ورسالته وعن فرقة «ياونا» الوليدة حديثاً، وتربية الطفل الموسيقيّة، كان لنا الحوار معه في «الوطن».

بين الفنان والتقني

يؤثر الفنان في المجتمع لامتلاكه خصوصيّة فريدة تميّزه عن غيره من الناس، وحول هذه الكلمة كان سؤالنا الأول للفنان «حسام الدين بريمو» وما الذي يلامس من هذه الكلمة في روحه ومسيرته الخاصّة، وعن هذا السؤال كانت الإجابة: «الفنان قادر على تلمّس الجمال، وليس فقط الأداء، وامتلاك تقنيّاته، بل عليه أن يشعر بفنّه، فلا يوجد موسيقي يصنع الموسيقا من دون أن يستمع لموسيقا صنعها الآخرون، وهذا من حيث الإحساس، ولكن من حيث الدور الفاعل؛ فإن امتلك الأدوات ولم يستطع التأثير في الآخرين فهو تقنيّ فقط. الفنان هو القادر على استخدام التقنيات والإحساس لصناعة فنّ يؤثر في الآخرين، فهذا هو تعريفه». ومن فلسفة هذه الكلمة وما يخصّ «حسام الدين بريمو» في العلاقة معها، يجيب: « قد يشاركني في هذه الخصوصيّة آخرون، لكن ما أشعر به هو أنني لا أستطيع أن أترك بشخصي منفرداً أثراً في الآخر من خلال فنّي، إذ يجب أن يتوافر لدي شركاء لصناعة فنّي فأشعر أن نوع الفنّ الفردي يترك أثراً منقوصاً عن نوع الفنّ الجماعي لدى المتلقي، فالهدف عندي هو أن نكون أمّة كتلة وإلا فإن هذه الأمة تذهب إلى الزوال، وهذه القاعدة هي واضحة في عملي مع الكورال ومع مجموعة المغنيين أو الراقصين أو أي فرقة، فالمجموعة تقدم للمتلقي نوعاً من الجمال لا يصنعه الفرد، وهذه هي رسالتي الفنيّة التي أسعى دائماً لتحقيقها».

العلم بالموسيقا
علاقة جدليّة بين الفرد والمجموعة، فبعد صدور المشروع الفني إن كان معرضاً فنياً أو حفلة موسيقيّة أو راقصة؛ فالمجهود بالمجمل ينضوي تحت اسم القائد أو المشرف، وهنا قد لا تتحقق عدالة معينة في ملاحظة ما يقدمه الفرد والمجموعة من جهود تخصّ كلّ منهما على حدة، وعن هذه العلاقة الجدليّة يجيب ضيفنا الفنان «حسام الدين بريمو»: «هذه الجدليّة لها علاقة بأمرين الأول نوع هذا الفنّ وتقنيته، وثانياً كيف يمكن أن يقدّم القائد أو المشرف نفسه للآخرين، وبالعودة للأمر الأول فمثلاً على مدرب الكورال أن يمتلك المقدرة على الغناء، وعليه أن يعلم في الموسيقا كعلم أكثر من كلّ عناصر الكورال، وكيف يخرج الصوت من الإنسان، ويدرب كلّ عناصر الكورال ضمن مفهومه ومعارفه لذلك، ويفهم تفاصيل موسيقيّة كثيرة لا يفهمها الآخرون، بالتالي هذه الجدليّة تختلف لو كان لدينا معرض لوحات أو صور لمجموعة من الفنانين أشرف عليها مدير صالة أو معرض أو مدرسة، فقائد الأوركسترا السيمفونيّة يجب أيضاً أن يفهم في تفاصيل كلّ آلة موسيقيّة أكثر من العازفين على آلاتهم، إضافة لملاحظة أن هناك أنواعاً من الفنّ تمشي من دون قائد وأنواعاً أخرى لا تمشي من دون قائد، فلا يمكن لكورال أن يكون من دون قائده، والذي يعدّ هنا لاعباً أساسياً لا يمكن للصورة أن تأخذ اكتمالها دونه». بالعودة للأمر الثاني وكيف يمكن للقائد أو المشرف أن يقدّم نفسه للآخرين كان تعليق وإجابة الفنان «حسام الدين بريمو» هما التالي: «كيف يمكن لي وأنا أروّج للفنّ الجماعي أن أقدّم اسمي على المجموعة فحتى إعلاميّاً يأتي اسمي بعد اسم الفرقة بل يكون اسم الفرقة بالحجم الكبير واسمي بالحجم الأصغر، والإحساس الداخلي لدي هو البذل لرسالتي في تقديم الفنّ والجمال باللغة الجماعيّة، أمّا عن فكرة تصفيق الجمهور لقائد الفرقة وانحنائه لهم، فهو مجبور لشكر الناس وتشجيعهم وتصفيقهم بالإنابة عن المغني والعازف بل يبقى رأس أولئك مرفوعاً لا ينحني كما ينحني رأس قائد الكورال، وهذه التقاليد هي فلسفة مهمّة جداً يجب إدراكها».

فرقة أم فرق وليدة
مع وجود عدد من الفرق يسعى الأستاذ «حسام الدين بريمو» لتربيتها وإنشائها وتدريبها وانطلاقها، وهو قائد فرقة لونا التي أطلقت عدداً كبيراً من الفرق الوليدة وما زالت، ولكن يلاحظ هنا فكرة وحدة الجهد وتشتته، وكيف يمكن المحافظة على الأمر مقارنة بتكثيف الجهد في فرقة واحدة فقط، وعن هذه المسألة تحدّث إلينا قائلاً: «الجهد مشتت سلفاً قبل وجود هذه الفرق وكلما أقرر إنشاء فرقة أترك جزءاً من نشاطاتي الحياتيّة، فمثلاً كنت سابقاً أعطي دروساً خاصّة وعندما قررت إنشاء فرقة سنا تخليت عن هذه الدروس، وكنت أدرس في معاهد موسيقيّة بعدما أنشئت فرقة شام، وهكذا تنحصر نشاطاتي في مقابل تأسيس فرقة أو إطلاقها، فأنا سأترك كلّ شيء في حياتي إلا مشروعي في فرقة «لونا» ومع مرور الوقت سيكون لدي مساعدون ولن يبقى الجهد مرتبطاً بشخصي فقط، وعموماً أنا أعمل منذ السادسة والنصف صباحاً وإلى الحادية عشرة ليلاً بصورة يوميّة، وإن مرّ ربع ساعة من الزمن لا أعمل بها يتسبب لي هذا الأمر بوجع وهكذا تعودت حبّ العمل، ومنذ أيام ولّدنا فرقة جديدة هي فرقة «ياونا» وهي فرقة من فرق «لونا» وهي فرقة جديدة سيربيها آخرون وسأشرف عليها من بعيد، والأستاذ «محمد شباط» هو من سيدرب أعضاء الفرقة على الدبكات والرقصات، وهي فرقة رقص مؤلفة من خريجي وطلاب قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق، و«ياونا» ستشارك في حفلات فرق «لونا» من خلال الدبكات والرقصات التي تختصّ بها، والاسم آرامي ويعني الحمامة، بالتالي التكثيف الذي ذكرناه سابقاً يتمّ مع وجود المساعدين».

الآرامية لغة العرض
في حفلة أخيرة قدّمها الفنان حسام الدين بريمو على مسرح دار الأوبرا في دمشق كان هناك مجموعة كبيرة من الأغاني التي أنشدها المغنون باللغة الآرامية لأغانٍ سمعناها بالعربيّة وبألحان مألوفة، فهل مخزون «حسام بريمو» بالآرامية وافٍ لخوض مغامرة من هذا النوع، وتقديمها بصورة جميلة لا يملّ منها المتلقي، وحول هذه النقطة كان الحديث: «الحفلة التي قدّمناها كانت ضربة جرأة لا تصل حدّ الطيش، وحتى وصلت الحفلة للشكل النهائي اعتمدت على مخزون مجموعة من الأشخاص العارفين في اللغة الآراميّة، وأوّلهم الأستاذ «جورج رزق الله» الذي وضع قاموساً في هذه اللغة ومناهج تدريسها كما قام بتدريس مئات الناس هذه اللغة، فهو مرجعنا الأساسي، وقد شرفنا بحضوره ودرسنا اللغة الآراميّة أنا والفرقة كاملة في دورة مكثفة في ثلاثة أشهر وسنتبعها لاحقاً في دورات أخرى جديدة، بالتالي عملنا على توجيه ذهننا لفهم الآراميّة، للنفوذ للمعنى نحو العربيّة، بالتالي تعلمنا الآراميّة قبل الوقوف على المسرح، فالموضوع يحتاج إلى جرأة وقد ارتكزنا فيها على العلم، وتدربنا عليها كثيراً. لكن معطيات كثيرة بالإضافة لشيخ كار اللغة الآرامية «جورج رزق الله» اعتمد عليها «حسام الدين بريمو» ومنها أنه قدّم أغاني باللغة الآرامية منذ سنوات خلال حفلات الفرق الموسيقيّة التابعة للونا، ومنها أنه كان على علاقة وطيدة مع القلمون ومعلولا وجبعدين أي الاقتراب من أناس يتحدثون اللغة الآراميّة ويحافظون عليها إضافة لملاحظة تقاليدهم وعاداتهم في الموسيقا والغناء.

الموسيقا والأطفال
يسعى في مشاريعه لجذب الأطفال للموسيقا عبر فرقه، ومن المهم تقديم هذه اللغة مبكراً لهم فهي تحمل لهم الارتقاء في التعامل الإنساني وصولاً لجيل أكثر نضوجاً وإنسانية وسلاماً، وحول هذه الخطوة ووعيها كانت الإجابة له: «هناك مقولة قديمة أمقتها وهي «ابنك لا تعلمه الزمن يعلمه» ولكن الزمن قد يعلم أولادنا على المهالك والقتل والفوضى كما وصلنا اليوم، وأنا أقول علينا تربية أولادنا والانتباه لهم دائماً ولتكن القواعد كثيفة وصارمة فعلينا النهوض بأطفالنا، لصناعة مواطن صالح وهذا ما أسعى به في فرقة لونا، فإن أنتجنا مواطناً صالحاً فهو الهدف وليس إنتاجاً موسيقياً ناجحاً، وهناك فرق بين الأمرين، فصناعة موسيقي مع مواطن صالح هي الأساس في لونا بالتالي عن طريق الموسيقا سنصلح المواطن ونطلقه، فالكتلة المتراصة المتحابة هي الغاية، بالتالي نصنع وطناً صالحاً وأمة جيدة، فالأمة التي تتنفس في الوقت نفسه لن تقتل بعضها بعضاً، والتربية هي الأساس قبل الموسيقا، فالاختلاف غنى وجمال وليس الهدف إلا صناعة لوحة جميلة وبالتالي سيكون الوطن جميلاً وهذا ما نسعى له في لونا للغناء الجماعي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن