قضايا وآراء

سياسة ترامب أدت لتراجع الديمقراطية السياسية وأضعفت الرأسمالية الاقتصادية

| قحطان السيوفي

الديمقراطية الغربية في حالة ركود وتراجُع. ويتراجع أيضاً الإيمان بالاقتصاد العالمي الليبرالي. هل ثمة صلة بين الاثنين؟ الديمقراطية والرأسمالية كانتا متلازمتين، واليوم تشهدان فترة صعبة، روبرتو فوا من جامعة ميلبورن، وياسشا مونك من جامعة هارفارد، أشارا إلى أن فترات العولمة مرتبطة بانتشار الديمقراطية لكن «الانفصال الديمقراطي» ينجم عن ضعف وفقدان الإيمان بالديمقراطية في الولايات المتحدة وأوروبا وخاصة في زمن الرئيس الأميركي دونالد ترامب. في تقريرها السنوي الأخير تقول مؤسسة فريدام هاوس «إن ما مجموعه 67 بلداً عانى انخفاضات في الحقوق السياسية والحريات المدنية في عام 2016، وجاء انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة ليُظهر العداء للتجارة الحرة. وللتمويل العالمي والمعارضة لحرية حركة الناس.

بنجامين فريدمان، من جامعة هارفارد، يقول: إن فترات الازدهار تُعزز إرساء الديمقراطية والعكس صحيح.

بالمقابل الأزمة المالية التي ألحقت الضرر بالعولمة بعد عام 2008 أدت إلى الفقر وانعدام الأمان والغضب. تتطلب الديمقراطية الثقة لأنه إذا اختفت الثقة تصبح السياسة سامة والديمقراطية والرأسمالية تعتمدان نظرياً على مبدأ المساواة؛ لكن هناك تناقضات عميقة الآن في الغرب. السياسة الديمقراطية تعتمد على التضامن، والرأسماليون لا يهتمون بشأن الجنسية. الديمقراطية محلية، والرأسمالية عالمية في الأساس. السياسة الديمقراطية تقوم على المساواة بين المواطنين، والرأسمالية لا تهتم كثيراً بشأن توزيع الثروات. مبدئياً تقول الديمقراطية إن جميع المواطنين لديهم صوت، والرأسمالية تمنح الأغنياء الصوت الأعلى إلى حد كبير.

التوترات بين الديمقراطية الوطنية والرأسمالية العالمية يُمكن أن تكون مدمرة.. المنظرون الغربيون يرون أن الهدف الآن هو إدارة الرأسمالية على نحو يجعلها تساند الديمقراطية، وإدارة الديمقراطية على نحو يجعل الرأسمالية العالمية تعمل بشكل أفضل.. قبل نهاية القرن العشرين ظهر كتابان الأول «نهاية التاريخ» لفوكوياما، والثاني «صراع الحضارات» لهنتنغتون.

تنبأ الأول بمنظور واحد للمجتمعات مُمثلاً بالرأسمالية الغربية بشكلها الاقتصادي، والديمقراطية في شكلها السياسي، أما الثاني فذهب إلى أن تفاعلات مستقبلية ستبنى بسبب صدام بين ثقافات وحضارات. وبعد ربع قرن على صدور هذين الكتابين فإن ملامح تنبؤاتهما لم تكن بعيدة عن الواقع. فوكوياما تحققت فكرته بالنسبة لمظاهر العولمة أما هنتنغتون فقال: العالم بنموذجه الحضاري الغربي سيدخل في صراع مع غيره من الثقافات.. المُؤلفان قرأا الواقع والمستقبل جيداً فبقدر ما ظهر التقارب بين البشر ظهر الاختلاف والصراع على الهويات، وبقدر ما ظهرت الرفاهية ظهر الفقر والجوع. وبالدرجة التي ارتقى فيها الإنسان بقيمه وأخلاقه، عادت الوحشية متمثلة في الإرهاب التكفيري المدعوم بشكل مباشر وغير مباشر من الغرب، الآن الصراع متعـــدد المستويات انتقل من الشكل المعتاد بين دولة أو قومية وأخرى ليصبح داخل حدود الوطن الواحد.

الصراعات المضادة في أشكالها لأفكار العولمة، أبرزها ظاهرة اليمين المحافظ والشعبوية في المجتمعات الغربية والتي تجلت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وكانت المفاجأة الأكبر فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية بدعواته لطرد الأجانب من أميركا. الكثير من الأميركيين يعتقدون بالأفكار الانعزالية في مجتمع كان رائداً في إنتاج وتصدير كل مظاهر العولمة.

إذا تأملنا المشهد الحالي على الساحة الدولية ووصول ترامب إلى سدة الحكم، فسوف يتأكد لنا، أن هناك ظهيراً فكرياً لهذه التوجهات، المواقف السياسية الهوجاء وغير المنضبطة ذاتها، فاليمين التقليدي والسياسات المحافظة والرغبة في استعادة أسوار العزلة وضرب فلسفة العولمة ويبدو أن نذر الحروب الدامية تلوح في الأفق، وخاصة مع رئيس أكبر دولة في العالم يمارس العنصرية، والبشرية لن ينقذها من الدمار والخراب والتوتر والقلق إلا التيارات الفكرية الرائدة والابتكارات والاكتشافات الملهمة، من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

عدم المساواة الشديدة والاستقطاب والأخبار المزيفة مشكلات يعانيها الغرب. أوروبا الغربية تعاني فقط نزلة برد سيئة، الولايات المتحدة تعاني إنفلونزا «دونالد ترامب هو أحد الأعراض، وليس السبب». البلد الوحيد في أوروبا الغربية الذي يشترك في كثير من جوانب الخلل وعدم المساواة مع الولايات المتحدة هو بريطانيا. لماذا الولايات المتحدة تفتقر إلى الاستقرار بمعدلات تفوق كثيراً أوروبا الغربية؟

عدم المساواة أسوأ بكثير في الولايات المتحدة. وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الولايات المتحدة يحكمها الأثرياء لدرجة لا يمكن تصورها في أوروبا الغربية.

المشهد الإعلامي في أوروبا الغربية أيضاً أقل استقطابا مما هو في الولايات المتحدة، كما يقول أحدث تقرير صادر عن معهد «رويترز». معظم البلدان الأوروبية لديها وسائل إعلام رئيسية يثق بها كل من اليمينيين واليساريين، لكن الليبراليين واليمينيين في الولايات المتحدة على حد سواء لديهم ثقة أقل بوسائل الإعلام من أي أوروبي غربي، الولايات المتحدة وبريطانيا البلدان اللذان ابتكرا النظام الدولي لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حريصان الآن على قلبه.. لذلك يمكن أن تنتهي الفوضى السياسية في الولايات المتحدة بشكل دراماتيكي وخاصة في ضوء التشكيك في ترامب.

في ظل سياسة ترامب العنصرية الهوجاء المتخبطة، يبدو أن زواج الرأسمالية والديمقراطية يمر بفترة عصيبة جدا وهو الأمر الذي جعل العلاقة بين الديمقراطية الغربية بشكلها السياسي والرأسمالية بشكلها الاقتصادي أقرب إلى الفوضى والفساد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن